طوابير السيارات أمام محطات المشتقات البترولية هي العنوان الأبرز لمدن ولاية كسلا في حلفا الجديدة وخشم القربة وكسلا، وانعكست الأزمة على أسعار السلع الاستهلاكية لتأثيرها على النقل، ويتسابق آلاف السائقين على (180) ألف مترًا مكعبًا من البنزين والديزل، الرقم الذي تناقص من (700) ألف مترًا مكعبًا في اليوم إلى الرقم الحالي.
ويحصل عددًا قليلًا من سائقي المركبات في مدن ولاية كسلا على الوقود يوميًا لشاحناتهم وحافلاتهم، أما الغالبية فيترددون على المحطات يوميًا حتى يتمكنوا من تعبئة الوقود، وفي بعض الأحيان يستمر هذا التردد لأسبوعٍ كاملٍ، وفي بعض الأحيان يضطر أصحاب السيارات للمبيت بجوار المحطة.
الشاحنات القديمة هي التي تسيطر على سوق النقل في حلفا الجديدة ونهر عطبرة التي تتوزع فيها مئات القرى، نسبة لقدرتها على العمل في طرق غير مسفلتة
وتسيطر الشاحنات القديمة التي صنعت في سبعينات القرن الماضي على سوق النقل بمدينة حلفا الجديدة، وذلك نسبةً لعدم وجود شوارع مسفلتة. ولا تتجاوز أطوال الطرق المسفلتة في المدينة التي تضم أكبر مشروع زراعي في شرق السودان ستة كيلومترات داخل السوق الرئيسي، بينما تعاني القرى التي تقع حولها والتي تتبع لها إداريًا من وعورة الطرق وصعوبة الانتقال إلى السوق الرئيسي في ظل شح الوقود.
اقرأ/ي أيضًا: وزارة النفط تمدد زمن عمل محطات الوقود لساعتين
ويحمل السائقون مسؤولي مكتب إدارة النقل والبترول بحلفا الجديدة جزءً كبيرًا من الأزمة لسيطرتهم على تشغيل محطات الوقود وإيقافها دون مبررات، ففي أيار/مايو الماضي عندما توفر الوقود نسبيًا مع الإغلاق الكلي للبلاد إلى حدٍ كبيرٍ، أمرت إدارة مكتب النقل والبترول بحلفا الجديدة بإغلاق المحطات والعمل لساعتين يوميًا. فاقم هذا القرار من معاناة المواطنين لدرجة صعوبة نقل المرضى إلى المستشفيات من قرى متناثرة حول المدينة التي يقع فيها المستشفى الحكومي الوحيد.
وأدت إجراءات مكتب النقل والبترول بحلفا الجديدة إلى ارتفاع برميل الجازولين التجاري إلى (12) ألف جنيه في السوق الموازي، لأن بعض المحطات استغلت الإغلاق وباعت الوقود في السوق الأسود بحسب السائق أحمد حسن (33) عامًا.
بينما أوقفت وزارة الطاقة والتعدين إرسال الوقود المدعوم ولاية كسلا منذ منتصف أيار/مايو الماضي، وتحولت الخدمة إلى الوقود التجاري، والذي لم يعد متوفرًا رغم تبريرات الحكومة الانتقالية بأن تحريره سيؤدي إلى الوفرة.
اقرأ/ي أيضًا: ذوو الاحتياجات الخاصة.. عزلة عن التعليم وسوق العمل وتجاهل من الحكومة
وارتفعت أجرة الشاحنات التي تنقل المواد البترولية إلى ولاية كسلا، بنسبة (150)% عما كانت عليها قبل شهرين. فمثلًا تكلف شاحنة نقل الوقود إلى الولاية (150) ألف جنيه من (50) ألف جنيه في شباط/فبراير الماضي.
امتدت تأثيرات أزمة الوقود في ولاية كسلا لخدمة المواصلات في مدن الولاية المختلفة، وضاعفت تعرفة المواصلات وتكاليف النقل
ويوضح مدير إدارة النقل والبترول بوزارة المالية بولاية كسلا محمود إسماعيل لـ"ألترا سودان" أسباب أزمة الوقود في ولاية كسلا، مشيرًا إلى أن الولاية كانت تتسلم يوميًا (7) شاحنات وقود من البنزين والجازولين، وتقدر بـ(700) ألف متر مكعب في الوضع الطبيعي، أما حاليًا بعد الأزمات تقلصت حصة الولاية إلى (180) ألف متر مكعب يوميًا، أي من (7) شاحنات إلى شاحنتين في اليوم وتوزع بالتناوب بين مدن الولاية.
ويضيف إسماعيل: "من الطبيعي أن تحدث أزمة، لأن الكمية لا تكفي الجميع، يجب أن نوزعها بعدالة بين مدن الولاية، وهذا ما نفعله في الوقت الراهن لإدارة الأزمة رغم الصعوبات التي تواجهنا".
ويؤكد إسماعيل أن "محطات الوقود تمنح الأولوية لشاحنات السلع، لأنها تساهم في نقل السلع والمنتجات والمواصلات والسفريات والوقود المخصص لمصادر المياه والمخابز".
وامتدت تأثيرات أزمة الوقود في ولاية كسلا لخدمة المواصلات في مدن كسلا وحلفا الجديدة ونهر عطبرة وخشم القربة وأروما ووقر، وتضاعفت تعرفة المواصلات بنسبة (200)%. فمثلًا يدفع شخص يريد الانتقال من قرية نائية بمناطق نهر عطبرة شمال حلفا الجديدة إلى السوق الرئيسي حوالي (200) جنيه يوميًا، وذلك للصعود على شاحنات تويوتا أغلبها صنعت في سبعينات القرن الماضي، وتعمل في طرق وعرة وترابية، وتعزل هذه القرى عن السوق الرئيسي في فصل الخريف.
ويحمِّل مدير إدارة النقل والبترول بوزارة المالية بولاية كسلا محمود إسماعيل، مسؤولية نقص الوقود إلى وزارة الطاقة والتعدين، مناشدًا بزيادة حصة الولاية نسبةً للاستخدام المتزايد للوقود لطبيعة المناطق الزراعية وتباعد المسافات بين القرى والمدن.
وترتبط أزمة الوقود والسلع الأساسية أيضًا ببطء تفكيك أجهزة المؤتمر الوطني المحلول بولاية كسلا، حيث تسيطر الإدارات التي عينها حزب المخلوع على المؤسسات الحكومية حتى اليوم، ويكاد سكان الولاية لا يشعرون بالتغيير السياسي، إلى جانب ضعف قوى التغيير في الولاية وعدم تصديها لحل الأزمات التي تضرب الولاية وتشكيل مجموعة ضغط على الحكومة المحلية.
وأجرت الحكومة المحلية في ولاية كسلا بعد شهرين من سقوط النظام في نيسان/أبريل 2019، تغييرات على الطاقم الحكومي في المؤسسات، لكن نشطاء من الولاية يعتقدون أنها بمثابة عملية انتقال بين المؤسسات لكوادر النظام البائد، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمات.
اقرأ/ي أيضًا: عقب زيارته لإثيوبيا.. "حميدتي": الزيارة ناقشت قضايا سد النهضة والحدود والسلام
ويرى مدير إدارة النقل والبترول بوزارة المالية بولاية كسلا محمود إسماعيل، إن حصة الولاية من الوقود توزع على (89) محطة وقود في الولاية، وتشمل كسلا وحلفا الجديدة وخشم القربة ومناطق نهر عطبرة.
الحاكم العسكري للولاية يفتقر للحساسية السياسية في التعامل مع الأزمات، بجانب صعود قيادات لا يعرف لهم أي انتماء للعمل الثوري
لا يمكن النظر إلى أزمة الوقود بمعزل عن الوضع الكلي بالولاية التي تعاني من اضطرابات قبلية في مدينة كسلا، حيث أن الفقر وشح التنمية يلعبان دورًا كبيرًا في تغذية الصراعات الإثنية، ولا يوجد حلٌ ناجعٌ للأزمات إلا بتوفير السلع الأساسية للسكان. بالإضافة لملاحقة المهربين، خاصة في الحدود مع إريتريا، بجانب ربط الحكومة الانتقالية مع الولاية. حيث ترى لجان المقاومة أن الحاكم العسكري للولاية يفتقر للحساسية السياسية في التعامل مع الأزمات، بجانب صعود قيادات لا يعرف لهم أي انتماء للعمل الثوري، وهم مرغوبون لدى الحكومة المحلية التي ليست على وفاق مع لجان المقاومة.
اقرأ/ي أيضًا
لجنة مقاومة تهتف ضد "الطيب مصطفى" بمقر حزبه ويغادر تحت حماية الشرطة