خلال وقت الظهيرة، الإثنين 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024، توقفت شاحنتان قرب مدرسة تقع وسط مدينة حلفا الجديدة، تحملان عشرات الوافدين من قرى ومدن شرق الجزيرة، الذين غادروا منازلهم بحثًا عن الأمان والهروب من هجمات قوات الدعم السريع.
يطلق المتطوعون نداءات على شبكات التواصل الاجتماعي بعبارة مشتركة
يعمل أعضاء غرف الطوارئ في حلفا الجديدة على مدار الوقت لتوفير المأوى للقادمين، سواءً في المدارس أو المباني الحكومية، مثل وحدة النقل الميكانيكي، أو المباني غير المستغلة. كانت التحديات أكبر من طاقة هؤلاء الشبان والفتيات، الذين يتعين عليهم في ذات الوقت توفير الأدوية والملابس والطعام ومياه الشرب.
يطلق المتطوعون نداءات على شبكات التواصل الاجتماعي بعبارة مشتركة: "الحوجة أدوية أمراض مزمنة مثل الضغط والسكري"، وعندما تُطرح النداءات، يحصلون على الاستجابة من أعضاء آخرين يعلمون أن صيدلية معينة لديها القدرة على توفير بعض الجرعات.
ساهمت الشبكة الطوعية، رغم قلة التجربة وتمويل يكاد أن يكون معدومًا، في حل مشكلات أولية واجهت نحو (35) ألف شخص وصلوا إلى محلية حلفا الجديدة، بينهم (25) ألف شخص يقيمون في القرية (6) الواقعة في ريفي نهر عطبرة، في ذات المحلية، أقصى الاتجاه الغربي على الحدود مع منطقة البطانة.
توزع النازحون بين المدارس والمباني الحكومية، فيما لا يزال المئات في حالة انتظار، لم يبرحوا الشاحنات التي وصلوا على متنها، وتفرقوا في السوق الرئيسي، ويعمل المتطوعون لتوفير مراكز إيواء. وأبلغ أحد العاملين في المجال الإنساني "الترا سودان" أن هناك نقصًا في المباني غير المشغولة.
هذه المحلية استقبلت النازحين عقب هجوم الدعم السريع على ولاية الجزيرة في كانون الأول/ديسمبر 2023، مشيرًا إلى أنهم سيعملون على توفير الحلول خلال الساعات القادمة، لاستضافة النازحين الجدد الذين وصلوا مساء الاثنين 28 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لأنه من المتوقع وصول المزيد من النازحين واستضافة نحو مائة ألف شخص خلال الأسبوعين القادمين، مع ارتفاع انتهاكات الدعم السريع.
هاجمت قوات حميدتي ولاية الجزيرة والعاصمة ودمدني، وفر نحو (3) ملايين شخص إلى ولايات القضارف وكسلا، بينهم عشرات الآلاف وصلوا إلى محلية حلفا الجديدة، الواقعة في ولاية كسلا على الحدود بين البطانة ومدينة كسلا.
يقول متطوع في غرفة طوارئ حلفا الجديدة لـ"الترا سودان"، إن عدد مراكز الإيواء لاستضافة النازحين من منطقة شرق ولاية الجزيرة بلغ (18) مركزًا بين مدينة حلفا الجديدة الرئيسية والأحياء السكنية والمباني الحكومية وبين قرى ريفي نهر عطبرة. تابع: "تم إنشاء عيادة ميدانية في مركز إيواء المدرسة المصرية وسط مدينة حلفا الجديدة، وهي مهددة بالتوقف لنقص الأدوية والمحاليل المعملية. نحن لا نتلقى تمويلًا منتظمًا، نطلق النداء على الشبكات الاجتماعية، ويعتمد ذلك على مدى استجابة المتبرعين فقط".
يوضح أن المتطوعين منتشرون في جميع أنحاء محلية حلفا الجديدة، خاصة المدينة الرئيسية، وعندما نشاهد وصول شاحنات تحمل الوافدين، نطلق النداء لتوفير الوجبات الغذائية على وجه السرعة، لأن الأولوية تكون لإطعام النازحين، ومن ثم يتم تدبير مراكز الإيواء.
وقال إن سكان المحلية يتعاونون بشكل كبير في توفير الاحتياجات الضرورية من الطعام والدواء والملابس، رغم وضعهم الاقتصادي الذي تأثر بالحرب خلال الشهور الأخيرة. وأردف: "تم إنشاء مركز صحي علاجي في مركز إيواء مباني البيطرة، أيضًا يقع وسط مدينة حلفا الجديدة، لكن المبنى يعاني من مشكلة الصرف الصحي، بالتالي مع مرور الوقت نتوقع تفاقم الأمور. هذا يعني أن التدخل الإنساني يجب أن يكون على مستوى الأمم المتحدة".
وزاد بالقول: "أغلب من وصلوا إلى حلفا الجديدة يعانون من الإرهاق والإنهاك ونقص الغذاء والدواء. كبار السن والأطفال والنساء بحاجة إلى الرعاية الصحية. عليك أن تقيم المخاطر لأشخاص تحركوا سيرًا على الأقدام، والشاحنات غير المهيأة لساعات طويلة من مناطق خطرة جدًا".
محلية حلفا الجديدة من المناطق الآمنة نسبيًا خلال الحرب، تقع شرق السودان في ولاية كسلا. أنشأت المحلية اعتبارًا من العام 1964 عندما نفذ نظام الرئيس السوداني الأسبق الجنرال إبراهيم عبود تهجيرًا قسريًا لعشرات الآلاف من سكان مدينة حلفا القديمة بسبب بناء السد العالي بالاتفاق مع مصر. ولا يزال سكان المحلية ممن عاصروا تلك الفترة يشعرون بالحنين إلى موطنهم الأول، الذي كان يقع قرب نهر النيل أقصى شمال السودان، والآثار النوبية التي غمرتها المياه القادمة من السد العالي.
تدهور الوضع الاقتصادي انعكس على محلية حلفا الجديدة، وتراجعت الزراعة خلال السنوات الماضية
يمتهن أغلب السكان الزراعة وفق نظام الري الانسيابي، ويتوزعون على القرى. يجمعهم السوق الرئيسي "سوق حلفا الجديدة"، وهي منطقة تضم المدارس الثانوية والمستشفى الحكومي والملعب الرئيسي لكرة القدم، كما يركز السوق على تجارة المحاصيل والماشية. خلال الحرب، ومع توافد المواطنين للإقامة في المدينة، انتعش السوق الرئيسي وتوسعت العمليات التجارية بشكل غير مسبوق، وهناك حركة تداول واسعة للأموال.
أوقفت السلطات العسكرية في أيلول/سبتمبر 2024 شحنات الوقود والسلع التي كانت تنقلها الشاحنات بين مدينة حلفا الجديدة ومدينة تمبول شرق ولاية الجزيرة، بحجة أنها تذهب لتمويل قوات الدعم السريع. لا توجد شبكة طرق مسفلتة سوى خلال مسافات محدودة داخل السوق الرئيسي، وتمتد إلى مصنع سكر حلفا الجديد الذي يقع شمال المحلية، ويضم آلاف الهكتارات من المساحات المزروعة بقصب السكر. ويتنقل المواطنون بين القرى والسوق الرئيسي عبر الطرق الترابية، وتتقطع السبل في موسم الأمطار خلال الصيف بسبب وعورة الطرق.
تدهور الوضع الاقتصادي انعكس على محلية حلفا الجديدة، وتراجعت الزراعة خلال السنوات الماضية. على الرغم من ذلك، يكافح المواطنون لإنعاش العمليات الإنتاجية بالتمويل الخاص لجميع أعمال الفلاحة، وتساعد التربة الطينية في إنتاج خضروات وفواكه عضوية مرغوبة في السوق العالمي، بالمقابل فإن المزارعين يحملون حكومة كسلا ومؤسسة حلفا الجديدة الزراعية مسؤولية عدم تطوير الزراعة والتركيز على الجبايات الحكومية.