المزارع أحمد عبدالقادر المعروف بـ"حبيبي" من أكبر مزارعي منطقة هبيلة بجنوب كردفان. تعرض لنهب عربة لوري سعة (150) جوال من الذرة خلال الفترة الماضية على طريق الدلنج – الأبيض.
يعد التعدي على المزارعين ظاهرة معتادة على الطرق الرابطة بين إقليم كردفان من قبل جهات عديدة تحمل السلاح. وتنشط عصابات قطاع الطرق وقوات الحركة الشعبية (جناح عبدالعزيز الحلو) على هذه الطرق. وبحسب إفادة المزارع نور الدين يوسف لـ"الترا سودان"، فقد وقعت اعتداءات في مناطق "هبيلة" و"دلامي" و"أم برمبيطة" ومشروع "السماسم" على مزارعين من قوات الحركة الشعبية راح ضحيتها مزارعان. كما تعرض المزارعون لمضايقات من قبل الرعاة. وفي طريق الدلنج – هبيلة وقعت حالات تعدٍ أدت إلى مقتل ستة مزارعين ونهب "تراكتورين" ومصادرة زروع ما بين أربعة إلى خمسة مشاريع في قطاع "الكواليب" بواسطة قوات الحركة الشعبية. وأوضح نور الدين أنه لم يقع تعدٍ على المزارعين من قبل قوات الدعم السريع في مناطق الزراعة، ولكنها تنشط في عمليات النهب على طريق الأبيض – الدلنج، وتستولي على الوقود والبضائع والإسبيرات، ووقعت على هذا الطريق أكثر من (10) اعتداءات – على حد إفادته. ويقول نور الدين إن عناصر من الدعم السريع استولت منهم على زيت ماكينة وزيت طعام وسكر، كما استولت من كل عربة ما بين (400) ألف – (500) ألف جنيه طوال شهور الحرب. وأشار إلى أن الحركة الشعبية أقامت معسكرًا في منطقة "تكمة" التي تبعد ثمانية كيلومترات من "الدلنج" و(30) كيلومترًا من منطقة الإنتاج الزراعي في "هبيلة".
ما لم تتوقف الحرب الحالية ربما يصبح من المستحيل إنقاذ سكان ولايات كردفان الكبرى من الموت جوعًا وعطشًا
وقال مزارع آخر من شمال كردفان لـ"الترا سودان" إنه كان في طريقه إلى الزراعة عندما اعترضته قوة من الدعم السريع وأبلغته بأن هذه منطقة عمليات وعليه أن يتحمل مسؤوليته إذا أصيب بطلق ناري.
لكن مزارعًا آخر أرجع ضعف الإقبال على الزراعة في شمال كردفان إلى انتشار قوات الدعم السريع من حي "الشريف" في مدينة الأبيض حتى قرية "أبو عكن" على بعد (15) كيلومترًا. وأضاف أن الزراعة تتركز غرب الحلة حتى منطقة تسمى "الكركب" وفي شمالها وجنوبها في منطقة أخرى تدعى "الشويطينة".
وتعرض مزارع في الطريق إلى منطقة "كورتالا" بجنوب كردفان لعملية نهب واعتداء، إذ نُهب منه مبلغ (800) ألف جنيه وجُلد.
وبسبب هذه التهديدات توقفت حركة "الوابورات" التي ترد إلى ولاية شمال كردفان من ولايات الجزيرة والنيل الأبيض، وتعمل في الحراثة وتجهيز الأرض لزراعة الدخن والسمسم، من غرب مدينة الأبيض وحتى شرق دارفور ومناطق "الخور – الأبيض" و"أبو قعود" و"أبو الغر" وقرية "وري" حول مدينة الأبيض. وقدرت بعض المصادر عددها بـ(1000) تراكتور، لكن مصدرًا من منظمة "الإيقاد" قال إنه يصعب حصرها لأنها كانت تدخل بطرق غير رسمية، لكنها الآن توقفت في ظل تخوف المزارعين على حياتهم وممتلكاتهم من النهب على طريق الأسفلت، بل حتى الطرق التي اتخذتها "اللواري" لتفادي القوات المنتشرة على طول الطريق من "أم روابة" وحتى الأبيض أصبحت هي الأخرى غير آمنة، مع أنباء عن نهب (13) وابورًا لشركة "دال" من داخل مدينة الأبيض.
وفي إفادته لـ"الترا سودان"، يرجع المسؤول في إدارة الزراعة المطرية بوزارة الزراعة الولائية بشمال كردفان مكي نصر الله عدم توزيع المدخلات والأسمدة والمبيدات والوقود والتقاوي إلى قفل الطرق وتفشي ظاهرة النهب والسلب التي أدت إلى قلة تدفق الآليات الزراعية. ولهذه الصعوبات خرجت عدة مناطق من دائرة الإنتاج هذا الموسم، كما أن الهشاشة الأمنية تسببت في إغلاق البنوك مما أعاق عملية التمويل الزراعي بسبب عدم توفر السيولة – بحسب مكي. وأكد مكي وقوع اعتداءات على المزارعين غرب مدينة الأبيض في مناطق (مداسيس – أبو عكن – كابة الغربية والشرقية – الجلابية – قرية وري – الكريب ومناطق أخرى) وفي جنوب الأبيض في منطقة "الخور – الأبيض" و"أبو عروق" و"البان جديد".
ووصلت تلك الممارسات إلى المناطق التي يُعتمد عليها في تحقيق الأمن الغذائي، حيث المشاريع الكبيرة في محليتي "أم روابة" و"الرهد" بالإضافة إلى مشروع "خور أبو حبل" الذي كان له دور مهم في سد الفجوات الغذائية.
ويتوقع خبراء آخرون أن يقود استمرار الحرب إلى فشل الموسم الشتوي أيضًا؛ فقد صرح المنسق الولائي لبرنامج الموارد الطبيعية المستدامة وسبل كسب العيش بولاية شمال كردفان مبارك أحمد موسى لـ"الترا سودان" بأن شهر آب/أغسطس دائمًا ما يعطي مؤشرات لنجاح الموسم أو فشله، من خلال درجة هطول الأمطار والنزاعات في مناطق الزراعة. وعدّ هذا الموسم "فاشلًا بكل المقاييس". وأوضح أن الجهات المختصة تواصل في حالة الموسم الناجح في تنفيذ الخطة الموضوعة، أما في حالة الموسم الفاشل فإن الجهات المعنية تتجه إلى "الخطة البديلة" التي قال إنها تعتمد على توزيع المحاصيل الشتوية، وهي محاصيل يكتمل نموها في الشتاء بالاستفادة مما تبقى من زمن الخريف وتشمل الذرة الخفيفة وحب البطيخ والمحاصيل العلفية. وأضاف: "حاليًا وبحكم أن الحرب اندلعت في الخرطوم، فإنه يستحيل اتخاذ القرارات المتعلقة بالخطة البديلة، لأن المؤسسات التي تقوم بهذه العملية الآن غير موجودة أو وجودها ضعيف"، لافتًا إلى أن رئاسة وكالات الأمم المتحدة أيضًا في الخرطوم وكذلك مكاتب الصندوق القومي للتنمية الزراعية (الإيقاد) بالإضافة إلى معظم منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال الأمن الغذائي وسبل كسب العيش، ومشيرًا إلى أن الغالبية العظمى من العاملين في هذه المؤسسات غادرت إلى مصر أو إلى بلدانهم الأصلية. وأوضح أن هذه النقطة تضعف عملية اتخاذ القرار بشأن الخطة البديلة لأن معظم خطط الطوارئ تأتي من الرئاسات. وفي ولاية شمال كردفان وزعت وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية (500) طن من تقاوي الذرة بالتعاون مع منظمة الزراعة والأغذية العالمية (الفاو)، بالإضافة إلى توزيع الجازولين على المزارعين لتسيير عملية الحراثة، لكن الذين استفادوا من هذه العملية هم من استطاعوا الوصول إلى الوزارة في مدينة الأبيض، وهناك مجموعات مقدرة لم تستطع الوصول جراء الأسباب الأمنية.
وهناك جهود بذلتها وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية في كردفان بالتعاون مع بعض المشاريع لتوفير آليات السحب بالحيوان (التقنية الوسيطة)، لكن الناحية الأمنية لم تساعد في إنجاح هذه الجهود التي تأتي بهدف تقليل فجوة الجرارات التي توقف تدفقها إلى الولاية بعد أن كانت تدخلها بأعداد يصعب حصرها لأنها تأتي بطرق غير رسمية، ولا سيما من النيل الأبيض. ويضيف مبارك أنه حتى إذا اجتهدت الجهات المعنية في توفير بعض البدائل والعمل على تنفيذ مشاريع سبل كسب العيش وتوفير التمويل الريفي في المحليات، تظل مشكلة الحركة والوصول إلى هذه المجتمعات ماثلة في ظل الوضع الأمني الحالي.
ويرى مبارك أن المطلوب من وزارة الإنتاج والموارد الاقتصادية ومشاريع التنمية ومنظمات العون الأجنبي العمل مع رئاساتها لوضع خطة طوارئ تشمل توفير تقاوي الذرة الخفيفة وحب البطيخ وبعض المحاصيل العلفية، وتشجيع الاستثمار و"الجباريك المنزلية" والمشاريع المدرّة للدخل، وتحريك التمويل الريفي، لكن مبارك يربط نجاح هذه العملية بالجهود الجارية حاليًا لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة حتى يستطيع العاملون الوصول إلى المجتمعات الريفية.
وتعوق الموسم الزراعي عقبات أخرى تتمثل –بحسب إفادة أحد المزارعين– في عدم تطبيق التقانة والإرشاد الزراعي إلى جانب ارتفاع تكلفة الإنتاج من أجرة عمالة وإعاشة ومعدات الزراعة والحرث، لافتًا إلى أن حراثة المخمس ونثر البذور ارتفعت من (15) ألف جنيه إلى (20) ألف جنيه سوداني، فيما ذكر مزارع آخر أن من الصعوبات ارتفاع سعر الوقود، فقد وصل سعر البرميل إلى (275) ألف جنيه وفي مناطق الإنتاج إلى (500) ألف جنيه سوداني، وقد كان سعره قبل الحرب في حدود (132) ألف جنيه، وفقًا لهذا المزارع.
ويدخل التمويل ضمن المشاكل، وكان يضطلع به البنك الزراعي على ثلاثة مراحل، هي: الزراعة والكديب والحصاد، لكن حتى 20 آب/أغسطس الجاري لم يمول البنك المرحلة الأولى، وتقلصت المساحة المزروعة إلى (30%). ومثال على ذلك أن مزارعًا كان يزرع ست آلاف فدان خرج الآن تمامًا من دائرة الإنتاج.
وفي بعض المناطق انحصرت المساحة المزروعة ما بين (5%) – (10%)، فالمساحة من منطقة "كولي" شرق "كورتالا" حتى "دلامي" والتي تساوي مساحتها (50) ألف فدان موزعة على (100) مشروع لم تزرع، كما لم تزرع أيضًا المساحة من "كورتالا" إلى "كوكاية" مرورًا بما يعرف بمزرعة "الدولة"، وهي لا تقل عن (100) ألف فدان.
كل ما سبق ذكره متعلق بالمنطقة الغربية من ولاية جنوب كردفان، ولا يشمل المنطقة الشرقية في كل من (العباسية – رشاد – أبو جبيهة – الترتر – المقينص – والسرجاية) لعدم توفر معلومات عنها، وهي كلها مشاريع مخططة، فضلًا عن زراعة الأهالي من الحيازات الصغيرة المعروفة باسم "البلدات". فالإقليم يحتاج إلى "وارد عيوش" حتى يتجنب التعرض لمجاعة. ومن المتوقع أن يأتي هذا المدد من ولايات: سنار والجزيرة والنيل الأبيض والقضارف والنيل الأزرق.
وفي هذه الحالة، فلا بد من مجابهة الخطر على طريق أم روابة – الأبيض، فحتى الأيام القليلة الماضية يتعرض مستخدمو الطريق للنهب، كما حدث مع تاجر، ولا تستطيع أي عربة أن تعبر منطقة جبل كردفان عند مدخل مدينة الأبيض، ما لم تدفع مبلغًا ما بين (400) ألف – (500) ألف جنيه وثلاث "جركانات" من الوقود.
ومع كل ما سبق، لم يساعد فشل الخريف على امتلاء خزانات المياه في مناطق "ود البقا" و"بربر" و"الجلابية" و"بنو". وما لم تتوقف الحرب الحالية ربما يصبح من المستحيل إنقاذ سكان ولايات كردفان الكبرى من الموت جوعًا وعطشًا.
