يتميز المطبخ السوداني بتعدد الأطباق، ويعود ذلك إلى التنوع العرقي والثقافي في السودان، إضافة إلى مناخاته المختلفة والتي تسيطر على العادات الغذائية لأهالي المنطقة بشكل كبير، فيما تظهر ملامح الفترات الاستعمارية في السودان بشكل واضح عليه. وهذا التميز الذي حظي به المطبخ السوداني لم يكن من حيث الأطباق المقدمة فقط، بل كان أيضًا من حيث الأدوات التراثية التي كانت تستخدم لإعداد الطعام وتقديمه وحفظه، والذي ينبئ عن قدرات عالية في الابتكار، وابتداع بيئة تحسن حياة الإنسان.
التكل قديمًا
قديمًا كان يسمى المطبخ السوداني بـ"التُّكل"، وهو عبارة عن غرفة صغيرة تحتوي على فتحات جانبية تحمل شكل المربع في جدرانها تسمى "بالطاقة"، ويتميز التكل بأدواته السودانية البحتة مثل المشلعيب والذي استخدم قديمًا بدلًا عن المبردات الكهربائية، وهو عبارة عن شبكة صغيرة مصنوعة من الحبال تعلق في السقف، وتستخدم لحفظ الطعام من الحيوانات الأليفة والحشرات، إضافة إلى أن درجة الحرارة تكون منخفضة في الأعلي فيساعد المشلعيب في حفظ الطعام.
في شرق السودان تشتهر المجموعات السكانية هناك بوجبة "السلات" مع العسل
ومن الأدوات المستخدمة في التكل أيضًا "البخسة" وهي إناء حلزوني الشكل يصنع بشكل أساسي من نبات القرع الكاذب، ويستخدم لفصل اللبن وصناعة السمن البلدي، وتقول السيدة كنينة علي (72 عامًا) والتي نشأت في إحدى قرى شرق ولاية الجزيرة، أنها عاصرة البخسة، ووصفتها بأنها إناء مصنوع من الجلد، وتضيف أنها عاصرت أيضًا استخدام الخمارة وهو إناء فخاري يستخدم لحفظ "العجين المر" وهو أحد المكونات الأساسية في صناعة الكسرة السودانية.
وتقول كنينة إن هنالك بعض الأدوات ما زالت مستخدمة في المطابخ الحديثة مثل "القرقريبة"، والتي هي عبارة عن مستطيل رفيع مصنوع من السعف تستخدم لفرد الكسرة على "الدوكة" أو "الصاج" الذي ما يزال مستخدمًا في مطبخنا السوداني حتى الآن، وهو بمثابة فرن يستخدم لتسوية الكسرة والقراصة والفطير وغيرها من الأكلات السودانية.
وصنفت أيضًا الأطباق الملونة المصنوعة من السعف والتي تستخدم في تغطية الطعام، والمفراكة الخشبية المستخدمة في صناعة "الملاح المفروك" مثل البامية والملوخية على أنها من الأدوات التي لا تزال مستخدمة في المطبخ السوداني المعاصر.
الأطباق السودانية وجغرافيتها
في شرق السودان تشتهر المجموعات السكانية هناك بوجبة "السلات" مع العسل، تقول أميرة حسين وهي من نساء شرق السودان في حديث لـ"الترا سودان" إن وجبة "السلات" تعتمد بشكل أساسي على تسوية اللحوم بنوع خاص من الحجارة، وتسترسل أنه ليس كل أنواع اللحوم تصلح لصناعة السلات، وإنما يستخدم اللحم الخالي من العظم، وأكدت في حديثها لـ"الترا سودان" على ضرورة أن تكون الخراف المستخدم لحمها في صناعة السلات صغيرة السن حتى يكون لحمها طريًا. وتضيف أنه يتم فرش الرمل على "الطشت" وهو إناء حديدي دائري الشكل، ومن ثم وضع الحجارة بعد تنظيفها ودهنها بمواد دهنية حتى يتم وضع قطع اللحم بها من دون أن تلتصق بها، وبعد أن تستوي يتم تقطيعها لقطع صغيرة وتقدم بجانب العسل والسلطات.
أما المجموعات التي تسكن في شمال البلاد اشتهرت بعمل "القراصة"، والتي تصنع من من دقيق القمح. وتعتبر القراصة أكثر سماكة من الكسرة التي تشتهر في وسط البلاد وتصنع من دقيق الذرة، بينما يشترك الاثنان في كونهما أقراص دائرية الشكل. ويمكن أن تقدم معظم الأطباق مع الكسرة أو القراصة عدا يخنة اللحم أو الدجاج والتي تشتهر في السودان باسم الدمعة، وتتميز بتقديمها مع القراصة فقط. والجدير بالذكر أن القراصة يمكن أن تقدم محلاة بالسمن والسكر أو العسل.
وفي السياق تتميز المجموعات التي تسكن غرب السودان بإعداد العصيدة بطرق وأشكال متعددة، فهناك العصيدة التي تعد من الذرة وأخرى تعد من الدخن والتي تتميز عن الأنواع الأخرى بتقديمها مع الحليب. فيما يعد ملاح "الكوَل" من الأطباق المحببة هناك، والذي يعد من أوراق نبتة تسمى أم كول، وتدفن هذه الأوراق لمدة شهر كامل في إناء فخاري حتى يصبح جاهزًا للتحضير.
القيمة الغذائية
تقول اختصاصية علوم الغذاء والتغذية عبير عبدالرحيم، إن المطبخ السوداني تتميز أطباقه بالقيمة الغذائية العالية، والتي تختلف باختلاف القبائل والثقافات. وتضيف في حديثها لـ"الترا سودان"، أن المائدة السودانية لا تخلو من السلطة الخضراء والتي تقدم بشكل بشكل دائم. ولفتت إلى أنها تعتبر بمثابة مكمل غذائي للوصول إلى الوجبة الصحية المتوازنة، وأكدت أن العصيدة بإضافة ملاح التقلية مع وجود طبق السلطة المعتاد تعتبر وجبة غذائية متوازنة من حيث وجود عناصر النشويات، البروتين، الدهون، الفيتامينات المختلفة والأملاح المعدنية، وتضيف أنه يمكن تحضيرها من الدخن الذي يحتوي على معادن هامة تلعب دورًا كبيرًا في صحة القلب والأوعية الدموية، فيما تعتبر الكسرة المصنوعة من الذرة مصدرًا جيدًا للنشويات والألياف الهامة لصحة الأمعاء وخفض نسبة الكولسترول في الجسم.
المطبخ السوداني يحتوي على الكثير من الوجبات الشهية التي لم يتعرف عليها العالم بعد
والمطبخ السوداني يحتوي على الكثير من الوجبات الشهية التي لم يتعرف عليها العالم بعد، وذلك نسبة لضعف السياحة في البلاد وعدم إقبال الزوار عليها، ولكن ومع دخول عصر الحداثة ومنصات التواصل الاجتماعي، كان لا بد من اهتمام الشباب بتصدير الوجبات السودانية إلى العالم الخارجي.
