لم يكن السودانيون صباح اليوم في حاجة إلى سماع أخبار صادمة عن تدمير جسر "شمبات" الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان، بقدر ما أنهم كانوا يودون سماع أنباء عن انتهاء المعارك وقرب العودة إلى منازلهم التي فارقوها منذ نحو سبعة أشهر حتى انطفأت نار الطعام التي تركوها من تلقاء نفسها.
باحث لـ"الترا سودان": قد تطال عمليات التدمير خلال الحرب جسورًا أخرى ما لم تسرع الوساطة في منبر جدة لإيقاف القتال
وأنشئ جسر "شمبات" الذي تبادل الطرفان (الجيش السوداني والدعم السريع) الاتهامات بتدميره – أنشئ في ستينات القرن الماضي، بواسطة شركة إيطالية. ويربط بين مدينتين كبيرتين في العاصمة الخرطوم ويقدم خدماته لأكثر من سبعة ملايين شخص.
تسيطر "الدعم السريع" على جسر "شمبات" من الناحيتين، إذ يتنشر عناصرها في الخرطوم بحري عند أسفل الجسر وفي الأحياء القريبة وسلاح "المظلات" الذي يقع عند حواف الجسر، كما تسيطر عناصر الدعم السريع على أسفل جسر "شمبات" من ناحية مدينة أم درمان، تلك المناطق القريبة من مباني الإذاعة والتلفزيون التي ما تزال تسيطر عليها الدعم السريع منذ بداية الحرب.
إنهاء خط إمداد الدعم السريع عبر جسر "شمبات" قد يكون تحولًا نوعيًا في أرض المعركة، بأن يتقدم الجيش من الجانبين في الخرطوم بحري وأم درمان، خاصةً بعد التقدم الذي أحرزه في جبهة أم درمان القديمة قريبًا من هذا الجسر قبل شهرين.
وفي الوقت نفسه، فإن تدمير جسر "شمبات" قد يدفع الدعم السريع إلى العمل على تضييق الخناق على الجيش في سلاح "المهندسين" بأم درمان والذي يسيطر على جسر "الفتيحاب" من ناحية أم درمان (جسر يربط أم درمان بالخرطوم) فيما تسيطر الدعم السريع على الجسر من ناحية مدينة الخرطوم حتى المقرن ومباني "الإستراتيجية" ومطابع العملة، مرورًا بأحياء القوز والرميلة واللاماب حتى تخوم سلاح "المدرعات" جنوب الخرطوم.
وفي حين تشتد مخاوف المدنيين مع استمرار القتال من أن يطال الدمار جسورًا أخرى يراها الطرفان أهدافًا عسكرية ضمن معارك "كسر العظم" التي يخوضانها، ولا سيما وقد اكتفى الاتفاق الذي وقع عليه الجانبان في جدة بالمسار الإنساني وإجراءات بناء الثقة دون التطرق إلى وقف إطلاق النار.
يتطلب تدمير الجسور خلال الحروب عادةً وضع عبوات ناسفة أسفل الجسر وتفجيرها أو ضربها بسلاح الطيران.
يقول الباحث في مجال هندسة المساحة محمد إدريس لـ"الترا سودان" إن الخرطوم لا تتوافر فيها بنية تحتية متعددة من الجسور التي قال إنها تكاد لا تكفي لعبور آلاف السيارات بين مدن العاصمة التي تشهد اختناقات مرورية يومية، لافتًا إلى أن "تدمير جسر شمبات خسارة كبيرة للبنية التحتية التي تخص المدنيين". وتابع: "من خلال مشاهدتي للصور، يمكن إصلاح جسر شمبات، لأن التدمير استهدف إخراجه عن الخدمة خلال الحرب".
وأشار مهندس المساحة محمد إدريس إلى أن هناك "مخاوف من استمرار تدمير جسور أخرى خلال الحرب، والوصول إلى نقطة اللاعودة، وتلاشي أحلام السودانيين بالعودة إلى الخرطوم قريبًا".
ومع وجود جسور أخرى تقع تحت سيطرة الطرفين، فإن المخاوف كبيرة من أن تُدمر هي الأخرى ولا سيما داخل العاصمة الخرطوم. وتأتي أهمية الجسور من أنها تربط مدن العاصمة الثلاث فوق مياه النيل.
يقول الباحث في الشؤون الإستراتيجية محمد عباس في حديث إلى "الترا سودان" إن دخول مصفاة "الجيلي" وجسر "شمبات" على خط الأزمة من خلال عمليات التدمير تحول في حرب الخرطوم التي قال إنها "منطقة تماس" بين الطرفين المتحاربين، ويبدد الآمال في توقف الحرب. وزاد قائلًا: "في الحروب تسمى هذه معركة كسر العظم بتوجيه ضربة قاضية للخصم، لكن في الخرطوم فإنها قد تكون معارك تدمير الجسور لتوجيه ضربة قاضية لدعاة إيقاف الحرب". "ما يزال تيار الحرب هو الذي يدير المشهد" – أردف عباس.