بتاريخ اليوم تكون الحرب في السودان قد أكملت ثلاثة أشهر منذ اندلاعها، حيث بدأت في الخرطوم وامتدت إلى مدن الأبيض في شمال كردفان والجنينة والفاشر ونيالا وزالنجي في إقليم دارفور.
خلفت الحرب دمارًا هائلًا في المباني وشردت ثلاثة ملايين شخص وقتل أربعة آلاف، وهناك إحصائيات تشير إلى مقتل خمسة آلاف في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، كما نزح (800) ألف شخص إلى خارج البلاد أغلبهم إلى مصر وتشاد.
خلال ثلاثة أشهر من الحرب لم تكن العاصمة السودانية تلك المدينة التي اعتاد عليها السودانيون
خلال ثلاثة أشهر من الحرب لم تكن العاصمة السودانية تلك المدينة التي اعتاد عليها السودانيون بضجيجها والفوضى الضاربة فيها من حركة السيارات والمارة وصيحات الباعة، بل تحولت الشوارع إلى مقابر لسكانها حيث يضطر المواطنون المتطوعون إلى دفن الجثث في فناء المنزل والساحات العامة والمدارس وحتى فناءات المساجد والجامعات لم تكن بمعزل عن دفن جثث من ماتوا في الحرب بالرصاصات الطائشة والقذائف التي تسقط على المنازل.
وقدرت منظمات حكومية عدد النساء اللائي تعرضن إلى عنف جنسي بما في ذلك الاغتصاب بـ(53) امرأة، والرقم يرتفع مع تمدد أيام الحرب ورقعتها التي تتسع لتصل مناطق جديدة.
وتقول وكالة روتيرز نقلًا عن منظمات حقوقية إن قوات الدعم السريع تحتجز قسريا (3500) من المدنيين و(1500) من العسكريين في ظروف إنسانية تفتقر لمقومات الحياة الأساسية.
الفرار إلى الولايات كان الحل الوحيد أمام مئات الآلاف من السودانيين من العاصمة الخرطوم بحثًا عن الأمان، واستمر تدفق المدنيين إلى الولايات الآمنة نسبيًا لثلاثة أشهر، ولا تقدم الوكالات الأممية أو المنظمات الدولية مساعدات تذكر للفارين، بينما تمكن متطوعون من لجان المقاومة والقوى المدنية والمنظمات الطوعية المحلية من تقديم مساعدات للآلاف وسداد أجرة الحافلات.
وقدمت النائبة السابقة لوزير الخارجية الأمريكي سوزان بيدج في مقابلة مع شبكة الجزيرة القطرية اعترافًا صريحًا بالقول إن لجان المقاومة والمنظمات النسائية والمتطوعين تمكنوا من تقديم مساعدات للمتضررين من الحرب عندما تعذر على المجتمع الدولي ذلك. وقالت إن هؤلاء يجب أن يكونوا جزءًا من مستقبل الحكم المدني الذي يخضع له العسكريون.
ثلاثة أشهر ما يزال الوضع الميداني كما هو حسب تصريح رئيس بعثة "يونيتامس" فولكر بيرتس لمحطات تلفزيونية نهاية الأسبوع الماضي، مشيرًا إلى أن الخريطة العسكرية كما هي لم تتغير منذ 16 نيسان/أبريل الماضي.
ورغم تحول الموقف لصالح الجيش منذ مطلع تموز/يوليو الجاري بعد خسارته لمعركة الاحتياطي المركزي مقر نخبة الشرطة جنوب الخرطوم وارتفاع المخاوف من فقدان سلاح المدرعات؛ زاد الجيش من وتيرة الهجوم على قوات الدعم السريع مستغلًا عدة عوامل أولها امتصاص الصدمة الأولى للحرب، بجانب تورط قوات دقلو في تهجير المواطنين من العديد من المنازل ما أجج السخط الشعبي على هذه القوات، إلى جانب حصول الجيش على مساعدات. ومع ذلك فإن خطة "تحطيم " الدعم السريع في العاصمة غير واردة في المنظور القريب.
يقول الخبراء العسكريون إن حرب المدن لا يمكن حسمها سريعًا لعدة عوامل أبرزها انتشار القناصات على أسطح المباني، علاوة على "خفة حركة قوات حميدتي" في الانتقال السريع بين الشوارع. كما أن حسابات قوات الدعم السريع تختلف عن الجيش الذي يدخل المعركة بحسابات الحفاظ على المكاسب التي بحوزته، فمثلًا استمرار الجيش في معارك طويلة غير مضمونة النتائج وحدوث خسارة يعني إضعاف الجيش وابتلاعه وانهياره، لذلك يعمل الجيش بمبدأ حرب طويلة ونتائج جيدة أفضل من حرب قصيرة وعواقب وخيمة.
أما في الجانب السياسي ابتدر ميسرون أمريكيون وسعوديون مباحثات بين الجيش والدعم السريع بعد مرور ما يقارب الشهرين على الحرب، وذلك في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
وفي 11 أيار/مايو وقع الطرفان على إعلان جدة لحماية حقوق الإنسان في النزاع المسلح وعدد (15) هدنة لم تنجح سوى هدنة اليوم الواحد، وهي الأخيرة ضمن هذه الاتفاقات التي انفضت موائدها قبيل عطلة عيد الأضحى نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي.
وفي 27 أيار/مايو الماضي وبالتزامن مع مع محادثات جدة أصدر مجلس الأمن والسلم الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي خارطة طريق لإيقاف القتال في السودان، وعارض السودان هذه الخارطة باعتبار أن عضويته معلقة في المنظمة الأفريقية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021 عقب إطاحة قائد الجيش بالحكومة المدنية. كما أن الاتحاد الأفريقي لم يعد يملك أدوات مناسبة لإجبار الطرفين على وقف القتال دون المرور عبر مساندة مجلس الأمن الدولي الذي فقد هو الآخر آلياته في بلد مثل السودان يعاني من تآكل المؤسسات بعد عقود من الصراع، إذ أن أداة العقوبات لم تعد مجدية بحق جنرالات لديهم تحالفات مع أطراف متعددة.
تدخلت منظمة الإيقاد لإنقاذ مبادرة الاتحاد الأفريقي خاصة وأن السودان عضو أصيل في المنظمة، لكن الخرطوم عارضت بشدة رئاسة كينيا للمبادرة القادمة من الإيقاد مشككة في وليام روتو رئيس كينيا القريب من الجنرال محمد حمدان دقلو. ورغم ذلك عقدت الإيقاد اجتماعها الدولي الأول في أديس أبابا الأسبوع الماضي وسط مقاطعة وفد السودان، وصرح وليام روتو تصريحات زادت من الخلافات، قائلًا إن السودان يعاني من "فراغ في القيادة"، مطالبًا بتدخلات للقوات الأفريقية. بينما مضى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى أبعد من ذلك مطالبًا بفرض منطقة حظر طيران حربي ونزع المدفعية الثقيلة. التصريحات التي اعتبرها السودان معادية وتمس بالسيادة الوطنية.
شكك مراقبون دبلوماسيون في إمكانية أن تلعب دول الجوار دورًا حاسمًا في عملية إيقاف الحرب في السودان
لم تمض على اجتماعات الإيقاد ساعات حتى انعقدت قمة القاهرة التي شارك فيها سبعة رؤساء من دول مجاورة للسودان، وشدد بيانها الختامي على ضرورة إيقاف الحرب في السودان وتنسيق الإغاثة مع دول الجوار لإدخالها إلى السودان. وشكك مراقبون دبلوماسيون في إمكانية أن تلعب دول الجوار دورًا حاسمًا في عملية إيقاف الحرب في السودان، وأن المبادرة لن تغادر محطة حماية حدودها ومصالحها، لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعد بـ"العمل الجاد" على إيقاف القتال، وذلك ما سيحدده اجتماع آلية الاتصال التي تتشكل من وزراء خارجية هذه الدول؛ فهل تتمكن من جمع البرهان وحميدتي على طاولة واحدة؟ أم تلحق وعود الإيقاد التي لم تفِ بها بالجمع بين الجنرالين؟