27-مايو-2024
خضروات معروضة للبيع في سوق سوداني

يتلقى القطاع المُستورد للسلع الاستهلاكية في السودان ضربات متتالية جراء ارتفاع مستمر لسعر الصرف وتدهور الوضع الأمني في الطرق البرية التي تنقل خلالها الشاحنات السلع بين العاصمة الخرطوم وبعض المناطق الساخنة التي تشهد عمليات بين الجيش والدعم السريع.

مواطن: الأسعار مرتفعة للغاية

منذ منتصف الشهر الماضي، ارتفع سعر صرف الجنيه السوداني بشكل جنوني متحدياً إجراءات البنك المركزي في بورتسودان. وتخطى نهاية الأسبوع الماضي الـ(1800) جنيه مقابل واحد دولار أمريكي في السوق الموازي، خاصة في الولايات الآمنة نسبياً شرق وشمال البلاد، لكن أيضاً الولايات الواقعة في نطاق القتال تتأثر بارتفاع سعر الصرف بشكل مضاعف.

ارتفاع الأسعار

محمد صلاح، معلم توقف عن العمل منذ اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، حصل على (50) ألف جنيه من راتبه لشهر آذار/مارس الماضي بعد سلسلة من الخصومات الحكومية وسداد الاستحقاقات الشهرية المترتبة عليه.

يُعادل الأجر الذي حصل عليه صلاح سعر (100) رطل من الحليب في مدينة عطبرة شمال البلاد. ويباع الرطل بقيمة (500) جنيه في بعض المناطق ويرتفع في بعض المناطق إلى (700) جنيه.

يتعين على صلاح دفع إيجار المنزل الذي يقيم فيه منذ قرابة العام، وفي هذا يعتمد على شقيقه الذي يعمل في دول الخليج ليقوم بإرسال قيمة الإيجار شهرياً بانتظام. "لولاه كان مصيرنا الطرد"، يضيف صلاح.

يقول صلاح لـ"الترا سودان" إن الناس لم يعودوا يخافون من الوضع المعيشي فحسب، بل الهموم اليومية تأكل أجسادهم من الداخل.

ويرى محمد صلاح أن الشكوى للجهات الرسمية لم تعد ذات جدوى، والمطالبة بإقالتهم أيضاً لا تجدي نفعاً، لكن علينا أيضاً أن نطرق باستمرار على "أبواب الأمل"، بحسب تعبيره.

ندرة في السلع

وتشهد الخرطوم والجزيرة نُدرة في مشتقات الألبان والبيض واللحوم البيضاء لصعوبة انتظام سلاسل إمداد مبردة جراء مصادرة قوات الدعم السريع بعض الشاحنات وخشية الشركات من الخسائر.

ويقول إيهاب، الذي يقيم في محلية كرري بمدينة أم درمان، وهي محلية تخضع تحت سيطرة الجيش، إن الأسعار مرتفعة للغاية، والناس يركزون على شراء البقوليات والسكر والدقيق وزيت الطعام.

مناطق جنوب العاصمة الخرطوم، خاصة محلية جبل أولياء، وأجزاء واسعة من قرى تقع في محيط جسر جبل أولياء على النيل الأبيض، تعاني من عدم انتظام السلع

مناطق جنوب العاصمة الخرطوم، خاصة محلية جبل أولياء، وأجزاء واسعة من قرى تقع في محيط جسر جبل أولياء على النيل الأبيض، تعاني من عدم انتظام السلع التي تصل إلى المنطقة من مدينة الدويم بولاية النيل الأبيض الواقعة تحت سيطرة الجيش، وذلك جراء وصول قوات الدعم السريع إلى تخوم قرية الأعوج واستخدام التدوين المدفعي على بعض البلدات المأهولة بالمدنيين.

ونهاية الأسبوع الماضي، وصلت نحو (70) عربة قتالية تتبع للدعم السريع غربي الدويم على بعد أكثر من (50) كيلو متراً، وفي اليوم الثاني شهدت بعض البلدات الصغيرة قصفاً مدفعياً من هذه القوات، وفق رواية شهود عيان.

حلول عاجزة

ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم لـ"الترا سودان" إن أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة (1500) بالمائة عما كانت عليه قبل الحرب، خاصة في مناطق القتال في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، موضحاً أن الحلول الحكومية في الوقت الراهن عاجزة عن فعل أي شيء ينقذ المواطنين من التكلفة المعيشية المرتفعة.

ويرى إبراهيم أن الاعتماد على الإغاثة بالنسبة لملايين السودانيين خيار غير ناجع لأن البيروقراطية وعدم المسؤولية لدى جميع الأطراف تسيطر على هذا القطاع.

ويعتقد إبراهيم أن الدعم السريع تعد أكبر مهدد لانتظام سلاسل الإمداد لأنها تقطع الطرق بين الولايات التي تسيطر عليها وبين المدن الأخرى، بما في ذلك التنقل داخل العاصمة الخرطوم التي تسيطر على الأحياء السكنية في الخرطوم والخرطوم بحري.

البنك المركزي

وفي خضم إجراءات اتخذها محافظ البنك المركزي برفع التحويلات المالية الإلكترونية إلى (15) مليون جنيه يومياً كأعلى سقف مسموح به، مبرراً ذلك بجذب الأموال إلى المصارف. وعلى خلفية القرارات وجه الدولار الأمريكي صفعة قوية للجنيه السوداني في تعاملات الجمعة والسبت، مرتفعاً إلى (1900) جنيه في بعض الولايات.

وأقر محافظ البنك المركزي في تصريحات لبعض وسائل الإعلام بالاعتماد على الاستدانة من البنك المركزي لأن وزارة المالية تواجه انخفاضاً كبيراً في الإيرادات العامة بسبب الحرب، والاستدانة تعني طباعة النقود.

محلات بالخرطوم تفتح أبوابها

وفي شارع الأربعين، الذي استعاد الجيش أجزاء واسعة منه وسط أم درمان، عادت المتاجر إلى فتح أبوابها، ويحصل المواطنون على الخبز والحلويات من حي العباسية، كما استأنفت بعض المحلات التجارية نشاطها في حي بانت.

وتقول سماح التي تقيم في أم درمان، لـ"الترا سودان"، إن غالبية المواطنين لا يجدون المال الكافي لشراء المستلزمات الغذائية، وفي بعض الأحيان يعتمدون على البقوليات مثل العدس أو الحساء مع الخبز.

وتابعت: "الوضع الاقتصادي قاسٍ جداً ولا يدري الناس ما هو مصيرهم.. هل ستستمر الأمور هكذا؟".

تقول حكومة ولاية الخرطوم إنها تعمل على توفير السلع الغذائية وضمان نشاط الأسواق في مناطق سيطرة الجيش

وتقول سماح إن السلع الغذائية بالكاد تصل إلى أم درمان عبر الطرق الواقعة شمالاً من مصر أو ليبيا في الغالب، لكن المهددات الأمنية باهظة الثمن بالنسبة للتجار وسائقي الشاحنات إلى جانب تقلب سعر الصرف وارتفاعه المستمر.

وتقول حكومة ولاية الخرطوم إنها تعمل على توفير السلع الغذائية وضمان نشاط الأسواق في مناطق سيطرة الجيش حتى يتمكن المواطنون من عيش حياة بشكل طبيعي، كما تجري السلطات المختصة صيانة مستشفى أم درمان وبعض المرافق الحكومية.