قبل أيام أعلنت السلطات زيادة جديدة في أسعار الطهي في السودان، والتي تأتي كإضافة جديدة إلى سلسلة طويلة من الزيادات التي شهدتها الأسواق منذ بداية الحرب. يبرز هذا القرار الحاجة الماسة للمراقبة والضبط الفعّال للأسواق المحلية، حيث أصبحت أسعار غاز الطهي في السودان تحرق جيوب المواطنين، ما زاد من المعاناة التي تفاقمها الحرب، وضغطت السلطات بهذا القرار على جرح المواطن الذي ما يزال يتألم من ويلات الحرب الدائرة الآن؛ فهل تصب هذه الزيادة الأخيرة الزيت على النار؟
ومع اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم، ارتفعت أسعار أسطوانات الغاز بشكل متسارع، حيث ارتفع سعرها في ولاية النيل الأبيض من خمسة آلاف جنيه سودانية إلى ثمانية آلاف جنيه، وبعد سيطرة الدعم السريع على مدينة القطينة، شهدت انعدامًا لغاز الطهي تمامًا. بينما شهدت باقي مدن الولاية ارتفاعًا من ثمانية آلاف جنيه، إلى (18) ألف جنيه سوداني.
المواطن حمد أحمد لـ"الترا سودان": غاز الطهي متوفر ولكنه غالي الثمن بما يفوق طاقة الغالبية العظمى من الناس
ووفقًا للقرار الذي أصدره مدير إدارة النقل العام والبترول في ولاية النيل الأبيض، عبدالباسط جعفر، أمس الأول، فقد تم تأكيد زيادة تسعيرة الغاز إلى (26) ألف جنيه سوداني، اعتمادًا على الزيادة التي شهدتها أسعار منتج الغاز والترحيل من مدينة بورتسودان.
حرق الجيوب
ويقول حمد أحمد، المقيم في مدينة الجبلين في ولاية النيل الأبيض، إن غاز الطهي متوفر ولكنه غالي الثمن. واعتبر هذا المواطن الزيادة فوق طاقة الغالبية العظمى من الناس، حيث بلغ سعر الأسطوانة (30) ألف جنيه سوداني في الأسواق المحلية. وأضاف: "رغم تحديد السعر الرسمي المعلن (26) ألف جنيه سوداني، لكن لم يلتزم الوكلاء بذلك".
وأشار أحمد في حديثه مع "الترا سودان"، إلى وجود إحجام وعدم إقبال على شراء الغاز إلا للضرورات والمقتدرين ماليًا فقط. وزاد: "معظم المواطنين يلجؤون إلى البدائل مثل الفحم والحطب والأدوات الكهربائية "الهيترات" ونحوها". ولفت إلى أن أسعار جوال الفحم في الجبلين تتراوح بين (7- 12) ألف جنيه سوداني، معتبرًا إياها أقل تكلفة من غاز الطهي.
وطالب السلطات المختصة بالتخفيف على المواطن والسعي لتوفير الاحتياجات والخدمات الأساسية "رغم ظروف الحرب المعلومة"، بحسب تعبيره.
معاناة وفوضى
أما مآب الميرغني التي تقيم في ولاية سنار، فتعتبر زيادة أسعار غاز الطهي في السودان استنزافًا جديدًا لجيب المواطن، وقالت إن هذه الزيادات "مرفوضة تمامًا". وبحسب هذه المواطنة، يشهد غاز الطهي في سنار "غلاءً ووفرة". وأضافت أن سوق غاز الطهي يصاحبه "تجارة الأزمات"، فهي سياسة مستمرة عند كل ضائقة، حيث يسعى التاجر لزيادة ربحه على حساب المواطن الذي أصبح غير قادر على سد رمقه - حد قولها.
وقالت مآب، في حديثها مع "الترا سودان"، إن عملية ترحيل الغاز بين الولايات والبحث عن طرق آمنة وزيادة أسعار البنزين تعتبر من أسباب ارتفاع أسعار غاز الطهي في السودان. وتقول إن الجهة الرقابية المعنية لا تقوم بدورها في تحديد سعر يناسب دخل المواطن، وأن وكلاء الغاز لا يعتمدون على السعر الرسمي، الأمر الذي سمح للسوق الموازي بخلق فوضى في توزيع الغاز بشكل غير متساوٍ، بل انعكس على تعبئة الأسطوانات نفسها، والتي تأتي أحيانًا شبه فارغة، أو بأوزان أقل من المعلن عنه.
وتفيد أن أسطوانة الغاز في سنار سجلت (31) ألف جنيه بدلًا من (21) ألف جنيه. مقابل ذلك، ارتفع سعر جوال الفحم من (20) إلى (18) ألف جنيه، كان سابقًا بين (10) ألف و(15) ألف جنيه. ويباع كيس الفحم الواحد في البقالات بألف جنيه سوداني، بينما يتم بيعه بسعر (500) جنيه لدى بعض ربات المنازل الباحثات عن مصدر دخل من داخل منازلهن. وتبلغ تكلفة الاستهلاك اليومي من الفحم للأسرة المتوسطة حوالي (1500) جنيه سوداني.
وتعتقد مآب أن ارتفاع أسعار الفحم جراء ارتفاع أسعار الغاز في السودان، ضاعف من معاناة المواطنين، واعتبرت هذه المواطنة زيادة الأسعار معاناة جديدة تحرق مدخرات المواطنين، مما دفع الناس للبحث عن بدائل. وتضيف: "لكي يصمد المواطن أمام تجار الأزمات، أصبح البديل له هو الاعتماد على الكهرباء، وانتشر استخدام "الهيترات" وأواني الطهي الكهربائية الحديثة ومواقد الكهرباء التي استطاعت أن تكون بديلًا أمام الغاز والفحم.
الأسباب والبدائل
وتشير ثناء عابدين، المقيمة بولاية كسلا، إلى أنه طرأت زيادة كبيرة جدًا على أسعار غاز الطهي في الولاية، حيث أصبح سعر الأسطوانة (25) ألف جنيه بدلًا من (18,500) جنيه سوداني، وقالت إن هذه الزيادة هي الثانية خلال هذا العام.
وتصف ثناء في حديثها مع "الترا سودان"، الزيادة بأنها "عبء إضافي" على مواطن الولاية، خاصة الموظفين، ومنهم الذين لم يصرفوا رواتبهم منذ اندلاع الحرب، إلا مرتب شهرين، وبعضهم صرف لهم راتب ثلاثة أشهر. ولفتت إلى أن الزيادة تبعتها زيادات في غالبية السلع، أولها الخبز الذي أصبحت القطعة منه بمائة جنيه سوداني، و"قس على ذلك بقية السلع" بحسب تعبير ثناء.
وتقول هذه المواطنة المقيمة بولاية كسلا، إن الولاية بها أعداد كبيرة جدًا من النازحين، وأنهم لن يستطيعوا تحمل هذه الزيادات في أسعار السلع، خاصة الضرورية. لافتة إلى أن البدائل لغاز الطهي ليست ذات جدوى، فالفحم أسعاره مرتفعة لا تقل كثيرًا عن الغاز، كما أن استخدام المواقد الكهربائية -والحديث لثناء- لا يكون مجديًا بسبب عدم استقرار الكهرباء، وبذلك أصبحت معاناة المواطن تتزايد كل صباح.
خبير اقتصادي لـ"الترا سودان": ارتفاع أسعار غاز الطهي في السودان يعود إلى استيراد المحروقات من الخارج، وهو أمر مرتبط بقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية
فيما يرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي، أن ارتفاع أسعار غاز الطهي في السودان يعود إلى استيراد المحروقات من الخارج، وهو مرتبط بقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، بالإضافة إلى تكاليف الترحيل من الموانئ إلى مناطق الاستهلاك.
وقال فتحي في حديثه مع "الترا سودان"، إن هناك خطورة في عملية النقل بين الولايات، خاصة في ظل الحرب المستمرة الآن، وأن العديد من الولايات غير مستقرة أمنيًا. وأضاف أن المواطن يواجه ضغوطًا كثيرة جدًا، خاصة بعد فقدان معظمهم لمصدر رزقه بشكل كامل، ومنهم من فقد مصدر دخله بشكل جزئي، بالتالي أصبح المواطن ليس لديه مصدر دخل ثابت حاليًا.
الصراع في السودان بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، المستمر منذ نيسان/أبريل 2023، تسبب في تدهور الوضع الاقتصادي تدهورًا ملحوظًا، حيث ارتفعت أسعار جميع السلع في الأسواق، وزادت تكاليف الخدمات الأساسية في جميع أنحاء السودان، كما يتكدس المواطنون في المدن الآمنة، إلى جانب توقف المصانع في العاصمة الخرطوم، مما يهدد بنقص المخزون الغذائي ويفتح الباب أمام شبح المجاعة التي تهدد حياة الملايين في السودان.