تتعدى الحناء في السودان كونها مجرد فن تقليدي وجد لأغراض الزينة، فهي تمثل أيضًا أحد الطقوس الاجتماعية الهامة المصاحبة للزواج، إذ يفرد لها يومًا قائمًا بذاته قبل اكتمال مراسم الزواج بحفل الزفاف، ويطلق السودانيون عليها اسم "الحنة"، والتي تعد من مسحوق أوراق الحناء التي تجفف وتطحن ثم تمزج بقليل من المياه لتصير جاهزة للاستعمال. والاسم العلمي للشجرة هو (Lawsonia inermis)، وهي نوع من الشجيرات التي تصنف على أنها سريعة النمو.
تعتبر المناطق الاستوائية هي الموطن الأصلي لشجرة الحناء، وذلك بجانب مناطق في شمال أفريقيا بما فيها السودان
وتعتبر المناطق الاستوائية هي الموطن الأصلي لشجرة الحناء، وذلك بجانب مناطق في شمال أفريقيا بما فيها السودان، إضافة إلى جنوب وغرب آسيا وبعض المناطق الحارة في أمريكا الجنوبية. ويتراوح ارتفاع الشجرة لما بين (2) وحتى (6) أمتار، وتتميز بأوراقها الصغيرة وأزهارها البيضاء العطرية، بينما تميل في بعض الأنواع إلى اللون الزهري. وتؤكد مجموعة من الدراسات خصائص الحناء العلاجية والتي صنفتها على أنها مضادة للأكسدة والبكتريا، واستخدمت في الطب الشعبي لعلاج بعد الحالات الجلدية.
وتؤكد بعض الدراسات التي تناولت منطقة شمال أفريقيا ممارسة رسم الحناء بشكلها المستحدث الآن في الفترة من العام 1900 إلى العام 1930، وذلك وفقًا لعدد من الصور والرسومات التي قدمها السياح والأنثربولوجيين إضافة إلى صور عائلية كانت تحتفظ بها عائلات المستعمر في بلدان المنطقة، الأمر الذي يؤكد إعجاب المرأة الأوروبية بزينة نساء أفريقيا التي تجعلهن ذوات طابع مختلف.
زينة للمرأة
بحسب العادات والتقاليد السودانية تضع المرأة الحناء بعد الزواج، إذ لا تسمح الأسر للفتيات اللائي لم يتزوجن التزين بالحناء، وذلك بجانب المرأة المطلقة أو التي يتوفى عنها زوجها. وتوضع الحناء في شكل قمع على أنامل الأصابع، إضافة إلى كعب وأصابع الأقدام. وهي عملية ليست صعبة، وتقوم المرأة بعمل ذلك بنفسها. أما في حال كانت المرأة ستقوم ترغب بوضع نقش أو أشكال فإنها تقوم بزيارة متخصصة في فن الحناء "الحنانة". ودرجت العادة على وجود المتخصصات اللائي يطلق عليهن اسم "الحنانات" في الصوالين النسائية في أنحاء السودان المختلفة. وجدير بالذكر أنه تستخدم الأصباغ الكيميائية أيضًا في أعمال الرسم بالحناء.
وتقول المتخصصة في مجال الحناء علا الزين إنها تمارس هذه المهنة منذ أربع سنوات. وبدأت العمل منذ أن كانت طالبة في إحدى الصالونات النسائية بالعاصمة الخرطوم، وذلك قبل أن تتزوج وتنتقل للحياة في المملكة العربية السعودية، بحيث وجدت هناك سوقًا متعطشة لهذه المهنة، مؤكدة أن عملها هناك لم يقتصر على النساء السودانيات فقط، إنما كانت لها زبونات سعوديات وكذلك من جنسيات أخرى من الوافدين إلى المملكة.
تصف علا أن العائد المادي لعملها مجز للغاية، خاصة في مواسم الأفراح والأعياد التي لا تستطيع أن تلاحق طلبات الزبائن فيها، مؤكدة أن الأسعار تتباين في المواسم والأيام العادية، فيما تختلف أيضًا باختلاف حجم الأشكال التي يطلبنها النساء، بحيث تكون حنة العروس ذات حجم مختلف عن بقية النساء، وبالتالي يكون الأكثر سعرًا من بقية الأشكال. وبشكل عام تتباين أحجام الحناء بحسب المناسبة التي تشارك فيها المرأة وبحسب درجة قرابتها لأصحاب المناسبة.
طقس اجتماعي
تعد ليلة الحنة واحدة من أهم الطقوس الاجتماعية التي تصاحب الزواج في السودان، ويكون موعدها في أغلب الأحيان قبل يومين من حفل الزواج، وتقام لكل من العريس والعروس، وتتميز حنة العريس بأنه تقوم إحدى الحاضرات من أقربائه بتخضيب يديه وقدمه بالحناء، وتوضع الحناء في صحن فخاري كبير مزين توضع في منتصفه عدد من الشموع، ويرتدي العريس الجلابية البيضاء ذات الشريط الأحمر، فيما تحيي حفل الحناء فرقات نسائية يغنين على نغم الدلوكة.
وتشبه حنة العروس إلى حد كبير حنة العريس، إلا أن العروس ترتدي الثوب السوداني في مراسم حنتها، وتقدم المنتجات المحلية كالنبق والقنقليز والمكسرات السودانية من الفول السوداني إلى التسالي والحلوى التقليدية التي تصنع من الفول والسمسم، فيما تقدم صديقات العروس الهدايا لها في هذا اليوم، ويطلق على حفل حنة العروس أيضًا القعود.
تتعدى الحناء كونها فن يستخدم للتزيين الجسدي، بل يحمل في طياته قصصاً وتراثاً يرويها الأجداد للأجيال الجديدة
وتتعدى الحناء كونها فنًا يستخدم للتزيين الجسدي، بل تحمل في طياتها قصصًا وتراثًا يرويه الأجداد للأجيال الجديدة، وما زالت طقوسها تفرض وجودها بقوة في فعاليات الزواج السوداني بالرغم من اندثار الكثير من العادات القديمة.