حينما صعد الجنرال محمد حمدان دقلو برتبة "عميد" في العام 2014 إلى المنصة في الخرطوم رفقة الرئيس المخلوع عمر البشير، لم يكن طموحه السياسي يتجاوز الوصول إلى رتبة تتناسب قيادة قوات برية مقاتلة بموازاة قوات الجيش.
كان دبلوماسيون غربيون على دراية أن السودانيين يرقصون نشوة ذهاب البشير على سطح ساخن بفعل تعدد التشكيلات العسكرية أبرزها الدعم السريع
كان البشير كثير التباهي بما حققه دقلو من انتصارات عسكرية على الحركات المسلحة في إقليم دارفور في ذلك العام لكن لم يضع في الاعتبار أن هذه القوات ربما ستكون بأعداد مضاعفة ذات يوم إلى الحد الذي يفقد فيه سلطته وهذا ما حدث صبيحة 11 نيسان/أبريل 2019 كانت هذه القوات تشكل القوة العسكرية الضاربة على الأرض والمتفوقة في الأعداد حتى على الجيش ولم يتمكن جنرالات المجلس العسكري من الإطاحة بالبشير الا بإشراك حميدتي ضمن صفقة وضعته نائبا لرئيس المجلس العسكري.
توطدت علاقات الرجل مع المجتمع الدولي بشكل كبير في الفترة واستقبل المبعوثين الدوليين في القصر الجمهوري بالخرطوم وتمكن دبلوماسيون غربيون من معرفة مكامن القوة العسكرية قياسا بالأعداد الهائلة لجنوده ومصادر التمويل كانوا على دراية أن السودان "يرقص نشوة بعد ذهاب البشير لكن فوق صفيح ساخن جدا" بفعل تعدد التشكيلات العسكرية.
لم يكن حميدتي المولود في العام 1973 على قدر عال في التواصل مع المجتمع الدولي وبدأت الرمال تتحرك تحت أقدامه صوب المجتمع الدولي منذ العام 2015 عندما أوكل إليه الاتحاد الأوروبي مكافحة الهجرة من أفريقيا في صحراء ليبيا والسودان ذلك المهاجرين الذين يصعدون البحر المتوسط على مراكب بدائية ويصلون إلى شواطئ إيطاليا.
تلقت قوات حميدتي من الاتحاد الأوروبي المال والتدريب وفي بعض الأحيان العتاد اللوجستي لمراقبة الصحراء وهذه العملية السرية جعلت مسؤولي الاتحاد الأوروبي يغضون الطرف عن انتهاكات هذه القوات في إقليم دارفور في تلك الفترة.
النطاق السياسي الذي بلغه الجنرال دقلو اليوم بعد ثمانية أشهر من الحرب ضد الجيش توسع كثيرا وهناك مؤشرات تدل على ذلك فالرجل بدأ في تقديم نفسه الند بالند مع قائد الجيش وظهر ذلك وهو يهبط في مطار أديس أبابا الأسبوع الماضي كما إن الروايات المتداولة تقول إن هذه القوات بدأت في تأسيس شرطة في العاصمة الخرطوم بعض المعلومات تقول إن هناك (35) مركزا للشرطة تتبع للدعم السريع بمعنى أنه قد يتقاسم حصص الشرطة إذا نجحت جهود السلام.
في صور منتشرة على الشبكات الإجتماعية خلال الساعات الماضية تم وضع الزهور وجرى تنظيف الشوارع جنوب شرق العاصمة الخرطوم في تقاطع "المركز الإسلامي" جوار جامعة أفريقيا بواسطة عمال يعملون تحت إدارة الدعم السريع في المنطقة التي تسيطر عليها منذ ثمانية أشهر.
ورغم أن الجنرال حميدتي يحاول تقديم نفسه بشكل مغاير خاصة خلال حرب السودان لكن الانتهاكات التي ترتكبها قواته سيما في ولاية الجزيرة أدت إلى تآكل شعبيته التي حاول بناءها خلال فترة ما قبل الحرب.
وفي ذات الوقت من الصعب التكهن بمستقبل الرجل بمعزل عن عملية سلام عميقة في السودان وبينما اختبر السودانيون صعوبة فشل وصول الدعم السريع إلى طريقة مثلى لإدارة الوضع في البلاد خاصة وأن المناطق الخاضعة لسيطرته لا تزال تواجه الاضطرابات والفوضى حتى الآن.
في أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وحتى الآن لا تزال المدينة خاوية من الحياة العامة ولا تظهر فيها أي مؤشرات على وجود حياة عادية وحركة للمواطنين.
ومنذ أشهر طويلة خلال فترة الحرب تسيطر قوات الدعم السريع أيضا على القصر الجمهوري وسط الخرطوم ومباني الإذاعة والتلفزيون في أم درمان ومع ذلك فإن قائدها لم يتمكن حتى الآن من إذاعة خطاب واحد منطلقا من هاتين المنطقتين الهامتين في تاريخ السودانيين وتقلبات السلطة وانقلاباتها العسكرية المتعددة ويكاد لم يختبر ولا يوما في وضع أرجله على عتبات القصر عقب السيطرة عليه منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي.
يٌفسر توجه حميدتي المحاط بمجموعة مستشارين في السنوات الأخيرة أزاء التعامل مع هذه المؤسسات والمدن الواقعة تحت سيطرته منذ شهور على أنه لا يرغب في سلطة تفتقر للشرعية السياسية وقبل ذلك وجود جيش نظامي قادر على تقديم نفسه أولا على أن تكون قوات الدعم السريع في الظل لكن وفق أولوية في السلطة والثروة والوضع السياسي وهذا قد يحدث اذا تم إبرام السلام وقد يكون استمرار الوضع المشوه بتعدد التشكيلات العسكرية هو السائد حتى أثناء فترات السلام كون القوى المدنية لا تزال متعثرة في إنجاز وحدة شاملة بينها إلى جانب رغبة المجتمع الدولي في رؤية قوتين عسكريتين على الأرض تحافظان له على مصالحه في السودان والإقليم.
يقول عباس حسن وهو خبير أمني لـ"الترا سودان" إن إدارة الوضع الأمني في أي مدينة أو منطقة تحتاج إلى مؤسسات متسلسلة من قسم الشرطة وحتى المحكمة العليا وحتى مكاتب السجل المدني وفي وضع المدن الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع فشل حتى في إستئناف عمل الأسواق.
خبير أمني: من الصعب تحول قوات عسكرية تخوض حربًا عنيفة ضد المؤسسة العسكرية إلى قوات لديها "نواة مؤسسية"
ويرى حسن أنه من الصعب تحول قوات عسكرية تخوض حربًا عنيفة ضد المؤسسة العسكرية إلى قوات لديها "نواة مؤسسية" قادرة على إدارة أوضاع المدن لذلك يطرح الدعم السريع مصطلح "الإدارة الشعبية" وفق بياناته عندما سيطر على نيالا وودمدني أي وضع المدن تحت إدارة المجتمع والأعيان تجنبا للمسؤولية الكاملة.
ربما لدى حميدتي بعض من صفات "رجل الدولة" كونه شخصًا بدويًا ويصفونه بـ"الشجاع والصادق" وسط جنوده وضباط قواته لكن مع ذلك فإن التصريحات التي تصدر من موالين له أثناء الحرب حول "دولة 56" أو اقتسام النصيب من كيكة السلطة المركزية تهزم الرجل عندما يتحدث في رؤيته السياسية عن المواطنة والجيش الموحد.