اعتاد أيمن في شهر رمضان من كل عام أن يقوم بإعداد وجبة "الرحمتات" في آخر جمعة من الشهر الفضيل لروح والدته التي توفيت قبل عامين، يقول أيمن لـ"الترا سودان" إن أخواته يجتمعن عنده في هذا اليوم لمساعدة زوجته في إعداد الطعام والمكون من الحساء واللحم والأرز والخبز، وهي ما تعرف بالسودان بالفتة أو السليقة.
وتتعدد الروايات حول هذه العادة، إذ يرى باحثون أنها متعلقة بالخميس الذي يسبق آخر جمعة من رمضان، بينما يقول آخرين إن الرحمتات تكون في آخر جمعة من الشهر
ويفيد أيمن أنه عادة ما يقوم بذبح خروف لهذا الطقس الديني الرمضاني، راجيًا من الله أن تكون هذه الصدقات رحمة لوالدته في قبرها، وليس أيمن الوحيد الذي يحافظ على عادة الرحمتات السودانية، والتي يقول باحثون في التراث السوداني أنها جاءت من كلمة "الرحمة جات"، أو "الرحمة أتت"، فالكثير من السوادنيين يقومون بتقديم وجبات "الرحمتات" في الجمعة الأخيرة من الشهر الكريم، خاصة في القرى والأحياء السكنية القديمة.
وبالرغم من ذلك فقدت هذه العادة الكثير من الطقوس التي كانت مصاحبة لها، واقتصرت فقط على تقديم الوجبات كصدقات لروح المتوفي من الأسرة.
وتتعدد الروايات حول هذه العادة، إذ يرى باحثون أنها متعلقة بالخميس الذي يسبق آخر جمعة من رمضان، بينما يقول آخرين إن الرحمتات تكون في آخر جمعة من الشهر.
متعلقة بالأطفال
أكدت روايات لمعاصرين أن عادة "الرحمتات" كانت في الماضي مناسبة مرتبطة بالأطفال بشكل كبير، حيث كانوا يجوبون المنازل في آخر جمعة من شهر رمضان والتي كانت تسمى بـ "الجمعة اليتيمة"، فتقدم لهم المنازل اللحوم والتمور، وذلك بحسب اعتقادات سائدة في المجتمع عن مكانة الأطفال السامية، بحيث يمكن أن تصيب دعواتهم للميت بالرحمة والمغفرة.
وتقول السيدة محاسن محمد (72 عام) إن الأطفال كانت لهم أناشيد معينة "للرحمتات"، بحيث يرددون بصوت مرتفع " الحارة ما مرقت، ست الدوكه ما وقعت" ويقصد بالحارة هنا فتة الأرز واللحم التي تقدم في هذه المناسبة، بينما ست الدوكة تمثل المرأة التي تعد الطعام، في إشارة منهم إلى استعجالها في تقديم الوجبات لهم.
وتضيف محاسن في حديث لـ "الترا سودان" أن الأناشيد الأطفالية تكون دائمًا مصاحبة بالقرع على الأواني المنزلية المختلفة من حلل وصواني معدنية وما إلى ذلك، وأشارت أيضًا أنه من الأناشيد التي يرددها الأطفال قديمًا في هذه المناسبة، "تات.. تات الرحمتات أدونا تلات بلحات تين تين.. أدونا لحم ميتين".وبحسب محاسن تقدم الأسر دعوات لطلاب الخلاوي لتلاوة القرآن رحمة على روح المتوفي، بجانب تناول الطعام الذي يقدم في هذه المناسبة خصيصًا.
طقوس غائبة
بسبب الظروف الاقتصادية والحياة المدنية اندثرت الكثير من الطقوس المصاحبة لهذه المناسبة وأصبحت طقوس غائبة، وصارت "الرحمتات" تقتصر فقط على توزيع الوجبات على المحتاجين، أو في الخلاوي والمستشفيات، فيما ابتعد الأطفال بشكل قطعي عن هذه المناسبة، بعد أن كانوا يلعبون دورًا كبيرًا في إحيائها
وفي أغلب الأحيان اقتصر تقديم "الرحمتات" على الوجبة الأساسية فقط، بعد أن كانت تحتوي على المشروبات والتمور، بينما لا تعلم الكثير من الأجيال الجديدة عن الطقوس المصاحبة التي كانت تزين هذه المناسبة.
تتميز العادات والتقاليد السودانية في رمضان بامتزاجها بالطابع الديني مع التراث، بحيث تشير معظم هذه العادات الرمضانية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى
وتتميز العادات والتقاليد السودانية في رمضان بامتزاجها بالطابع الديني مع التراث، بحيث تشير معظم هذه العادات الرمضانية للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، بداية بالـ"الرحمتات" ومرورًا بالإفطارات التي تقدم على الطرقات فيما يسمى الآن بالـ "البرش السوداني" بعد أن انتشر بشكل واسع في البلدان العربية والإفريقية المجاورة بسبب حالة النزوح الكبيرة التي خلفتها الحرب في السودان، وآثر السودانيون أن يحافطوا على عاداتهم وتقاليدهم المميزة في ظل الواقع الجديد الذي فرضته عليهم الحرب.