بينما يرهن مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس استئناف مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع بإخلاء الأخيرة الأحياء السكنية والمرافق العامة والخاصة، تبدو الأوضاع في العاصمة الخرطوم أكثر تعقيدًا، ويتباعد الأمل أمام السودانيين في "إسكات البنادق".
خبير دبلوماسي لـ"الترا سودان": صبر الولايات المتحدة تجاه الوضع في السودان بدأ ينفد، خاصةً مع تمترس مفاوضات جدة حول أجندة يمكن تجاوزها
المندوب السوداني لدى مجلس الأمن الدولي قال خلال جلسة الأربعاء الماضي إن الحكومة السودانية لا ترفض المبادرات، لكنها تشترط الحفاظ على سيادة الوطن أولًا بمعنى أنه يجب عدم المساواة بين الجيش والدعم السريع.
جاء تقرير مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس في جلسة خاصة عقدها المجلس بطلب من المملكة المتحدة (الدولة المعنية بالملف السوداني في المجلس) للإحاطة بالوضع في السودان بعد مرور أكثر من (120) يومًا على الحرب.
وتقول الولايات المتحدة بحسب ممثلتها في مجلس الأمن الدولي إن تهديد الخرطوم بطرد البعثة الأممية من السودان حال تقديم فولكر بيرتس إطاحة إلى المجلس "غير مقبول".
ولم يشارك رئيس بعثة "اليونيتامس" فولكر بيرتس في جلسة مجلس الأمن الأربعاء، واستعانت الأمم المتحدة بمساعدة الأمين العام للشؤون الأفريقية في تقديم إحاطة البعثة إلى المجلس، في خطوة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات مع الخرطوم وإنقاذ الجهود الدبلوماسية الجارية لدفع الجيش إلى منبر جدة.
قال الخبير الدبلوماسي عمر عبدالرحمن إن عدم مشاركة فولكر بيرتس لم تؤثر على الإحاطة المقدمة إلى مجلس الأمن من بعثة "اليونيتامس"، شارحًا أن مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الأفريقية قدمت الإحاطة إلى المجلس وهي نفس الإحاطة التي كان سيقدمها فولكر بيرتس.
ويوضح عبدالرحمن أن "صبر الولايات المتحدة تجاه الوضع في السودان بدأ ينفد"، خاصةً مع تمترس مفاوضات جدة حول أجندة يمكن تجاوزها، وربما تعمل واشنطن على صيغة جديدة تكون أكثر حزمًا تجاه الطرف المتعنت – بحسبه.
وقال عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) محمد الفكي سليمان في مقابلة مع قناة "الجزيرة" مساء الخميس إن مفاوضات جدة يجب أن تبدأ سريعًا ويجب تشجيع الجيش والدعم السريع على الذهاب إلى جدة.
ويرى الباحث السياسي أحمد مختار أن طبيعة الصراعات في أفريقيا مؤخرًا تدفع الولايات المتحدة إلى "إعادة هندسة المنطقة من جديد" ولا سيما مع رغبة روسيا في توسيع نفوذها في أفريقيا. ويلفت مختار إلى أن القلق الأمريكي بدأ يظهر بقوة، لكن على واشنطن وموسكو أن يضعا في الاعتبار أن أفريقيا بحاجة إلى "ديمقراطية تنموية" ترفع دخل الشعوب وتهتم بالرفاهية ولا تظل في انتظار أنظمة عسكرية متحالفة مع الغرب – على حد تعبيره.
ويرى مختار في حديث لـ"الترا سودان" أن حالة السودان ليست استثناءً من أفريقيا، لكن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على انتظار لحظة إنهاك طرفي الصراع المسلح بسبب طول المعارك ونقص الأنظمة الدفاعية، ولذلك تشدد واشنطن على منع المساعدات العسكرية الدولية وإن كانت أكثر تشددًا تجاه الدعم السريع باعتبارها "قوات ذات نواة عشائرية" – على حد قوله.
ويرى مختار أن إستراتيجية الولايات المتحدة في السودان خاطئة، حصدت منها نتائج سيئة من بينها الحرب وتقويض الحكم المدني في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، لأنها قررت منح الثقة والأولوية للجنرالات تحت مبررات ترويض مركز القوة العسكرية لمصلحة الحكم المدني – بحسب إفادته.
ويقول مختار إن المجتمع الدولي والولايات المتحدة يعتزمان مرة أخرى تكرار السيناريو نفسه منذ سقوط البشير بوضع الثقة في الجنرالين المتحاربين الآن بدلًا عن وضع الثقة في القوى المدنية.
ويشدد مختار على أن من كانا جزءًا من الأزمة لن يكونا جزءًا من الحل. "هنا أقصد الجنرالين المتحاربين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو" – يوضح مختار، معللًا بأنهما يسعيان إلى تحقيق طموحها في السلطة.
وبعد (120) يومًا من الحرب في السودان ونزوح أربعة ملايين شخص، بما في ذلك مليون لاجئ إلى دول الجوار، ومقتل نحو أربعة آلاف شخص، وفقدان الممتلكات وتدمير المصانع والشركات والأسواق في العاصمة السودانية، ما يزال وقف إطلاق النار محض أمنيات تراود السودانيين.
ويقول المحلل في المجال الإنساني علي الحاج لـ"الترا سودان" إن المجتمع الدولي أصبح قلقًا من تأثير النزوح المتصاعد على دول الجوار ولا سيما مع تزايد طلبات اللجوء إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا من هذه الدول. ويشير إلى ضغوط قال إنها مورست عند اندلاع الحرب في السودان على دول الجوار لاستقبال الفارين من القتال وفق اتفاقيات اللجوء في أفريقيا حتى لا تتحمل أوروبا تعبات اللجوء. ويضيف: "لذلك وقف الحرب في السودان أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي، لكن تأثير الأوروبيين ضعيف على طرفي النزاع في السودان رغم أن ملف المحكمة الجنائية لدى الأوروبيين من أقوى كروت الضغط" – على حد قوله. "هناك تحركات ضد الدعم السريع في هذا الملف لإجبارها على تقديم تنازلات، وتؤيد واشنطن الضغط على الدعم السريع عبر الجنائية" – أردف الحاج.
علي الحاج: وقف الحرب في السودان أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي، لكن تأثير الأوروبيين تثيرهم ضعيف على طرفي النزاع في السودان
ويقول الحاج: "في نهاية المطاف التأثير الدولي يحتاج إلى التأثير الداخلي عبر المدنيين، لكن التحركات الداخلية لوقف الحرب تواجه بعاملين أساسيين، الأول عودة القمع الأمني وصعود خطاب تجريمي ضد مناهضي الحرب، والثاني ضعف القوى المدنية وتفرقها وانشغالها بالخلافات الثانوية في ما بينها".