بخطى مثقلة بالحنين يمشي عمر مئات الأمتار من أحد مراكز الإيواء في مدينة دنقلا إلى إحدى المقاهي هناك، والتي تهتم بعرض الأخبار بشكل يومي على الشاشة المعلقة في حائطها الذي مل هو أيضًا من الانتظار. "أكثر من ستة أشهر على اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم وعدد من ولايات غرب السودان كلفتنا الغالي والنفيس" يقول عمر حسن لـ"الترا سودان"، وهو الذي اختار أن يتلقى الأخبار من الأجهزة الإعلامية الموثوقة بعد أن امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالعديد من الأخبار المضللة عن مفاوضات منبر جدة الرامية لإيقاف الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي. ويذكر أن الوساطة السعودية - الأمريكية كانت قد عقدت أولى جلساتها بمدينة جدة في أيار/مايو الماضي، وتخللتها عدد من الجولات التي انتهت في نهاية المطاف إلى أن يعلن الوسيط تعليق المفاوضات، فيما أعلن الجيش السوداني انسحابه منها بسبب رفض قوات الدعم السريع الخروج من المنازل والمرافق الصحية والخدمية الأخرى، فيما اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بالإصرار على اللجوء للحل العسكري وإفشال منبر جدة، مما أدى إلى انهيار المفاوضات في حزيران/ يونيو الماضي بالرغم من وصول إعلان جدة إلى اتفاق لحماية المدنيين.
إنهاء الحرب
في تعميم صحفي وزعه إعلام مجلس السيادة، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار أن الحكومة السودانية ساعية لإيقاف الحرب، وذلك وفقًا لخارطة الطريق التي كانت قد رسمتها في وقت سابق، وتمرحلت على عدة خطوات يأتي في مقدمتها العملية الإنسانية وفصل القوات، ودمج قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني بحيث يكون هناك جيش واحد في البلاد، وذلك بجانب مرحلة العملية السياسية التي يتم فيها عقد اتفاق على الدستور وكيفية حكم السودان.
عدد من القوى السياسية ولجان المقاومة رحبت بعودة طرفي النزاع إلى منبر جدة
وأوضح عقار أن هنالك عدد من المبادرات الرامية لإيقاف الحرب في السودان والتي وصفها بأنها "متناقضة وغير متناسقة" على حد تعبيره، وأرجع ذلك إلى أخذها الطابع التنافسي إضافة إلى تباين أجندتها وأهدافها، وأكد على ضرورة أن تنصب كل الجهود في منبر واحد للوصول إلى النتائج المرجوة.
والجدير بالذكر أن عددًا من القوى السياسية ولجان المقاومة رحبت بعودة طرفي النزاع إلى منبر جدة، وفي بيان رسمي أصدره حزب الأمة في وقت سابق أكد على ضرورة أن تعمل كل الأطراف لإنجاح الجولة الحالية من المفاوضات، وذلك في سبيل رفع المعاناة عن عاتق الشعب السوداني. وذكر البيان أن ما خلفته الحرب يضع كافة الأطراف أمام مسؤولية تاريخية لتغليب المصلحة الوطنية وإنقاذ البلاد، ورحبت حركة العدل والمساواة بدورها في بيان رسمي عودة الطرفين لمنبر جدة لاستئناف المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد.
الالتزام بإعلان جدة
في تصريح صحفي شدد عضو في وفد الجيش السوداني على موقف الجيش السوداني من التزام الدعم السريع بما ورد في إعلان جدة، ويتمثل ذلك في ضرورة إخلاء قوات الدعم السريع لمنازل المواطنين والمرافق الحكومية والخدمية. ويذكر أن هذا البند كان سببًا في انسحاب الجيش السوداني من المفاوضات وتعليق مفاوضات جدة بعد أن رفضت قوات الدعم السريع تنفيذ هذا البند. وبحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة نت"، يؤكد المسؤول والذي لم يفصح عن اسمه أن موقف قوات الدعم السريع من هذا البند سيحدد نتائج جولات المفاوضات.
وأكد عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين الكباشي في أول ظهور له خارج القيادة العامة للجيش أمام ضباط محلية كرري بأمدرمان - أكد على تمسكهم بمحاسبة قوات الدعم السريع، قائلًا إنه لن يكون هنالك ما يسمى بـ"عفا الله عما سلف".
وقال إن المباحثات في جدة ستستكمل الحديث عن الملف الإنساني والترتيبات الأمنية، فيما ستبقى العمليات العسكرية مستمرة بنفس الوتيرة، مشيرًا إلى أن النصر قد بات قريبًا للغاية.
تفاؤل كبير
من جانبه يقول الخبير الإستراتيجي اللواء دكتور أمين اسماعيل مجذوب في حديث لـ"الترا سودان"، إن بداية منبر جدة جاءت نتيجة لرغبة الطرفين، إضافة إلى الضغط من قبل الوسطاء والمجتمع الإقليمي والدولي في خطوة لإيقاف الحرب من أجل رفع المعاناة عن عاتق الشعب السوداني. ويؤكد أن هذه العوامل تقدم مؤشرات لنجاح هذه الجولة من المفاوضات، وأن هناك تفاؤل كبير بأن تكون بداية للوصول إلى حل شامل، أو ربما تقود إلى الاتفاق على نسبة كبيرة من نقاط الاختلاف بين الطرفين على الأقل، مشيرًا إلى أن الوضع على الأرض ينبئ عن صعوبة الوصول إلى حسم عسكري للمعارك بين الطرفين.
ويؤكد الخبير الإستراتيجي أن دخول أطراف خارجية خاصة الإقليمية منها والمتمثلة في الاتحاد الأفريقي والإيغاد يقوي من تداعيات هذه الجولة، كما يزيد من زخم التأثير على الطرفين، ويفتح مجالات أخرى في المباحثات من حيث تقديم الحلول والضمانات التي تتمثل في تكوين قوات للفصل بين طرفي النزاع. ويأتي ذلك بالرغم من تحفظ الحكومة السودانية على بعض المبادرات التي قدمت من قبل الإيغاد والاتحاد الأفريقي، مشيرًا إلى أن وجودهم جاء برغبة من الوسطاء، ويعود ذلك إلى متابعتهم للأزمة في السودان منذ بداياتها في الثورة السودانية، وكانت لهم أيادٍ بيضاء في الوثيقة الدستورية. وأشار إلى عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي والإيغاد والذي من شأنه أن يلعب دورًا كبيرًا في تقريب وجهات النظر نظرًا للاتصال الجغرافي بين السودان وهذه الأطراف الإقليمية.
الخبير الإستراتيجي اللواء دكتور أمين اسماعيل مجذوب: صوت الشارع السوداني ما يزال منخفضًا بسبب الصراع بين مؤيدي استمرار الحرب ومؤيدي إيقافها
ويؤكد الخبير الإستراتيجي أن صوت الشارع السوداني ما يزال منخفضًا بسبب الصراع بين مؤيدي استمرار الحرب ومؤيدي إيقافها، وأشار إلى وجود تجمعات ومبادرات تمتاز بطرح قوي وتقوم بتقديم بدائل وحلول بشكل جيد. وشدد على أن مواقع التواصل الاجتماعي قد لا تساعد كثيرًا مثل التحركات الخارجية، وأشار إلى أن تحركات القوى السياسية المتمثلة في تحركات الحرية والتغيير المجلس المركزي ومبادرة أديس أبابا لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية لن تسفر عن وسيلة ضغط قوية مكافئة لصوت جماهير الشعب السوداني، والذي يعتبر مطلوبًا الآن للضغط على الطرفين.
ومنذ اندلاع الحرب الدائرة في السودان، تشير تقارير إلى وفاة أكثر من تسعة آلاف من المدنيين، إضافة إلى نزوح ولجوء ما لا يقل سبعة ملايين ممن اختاروا الفرار من الحرب وويلاتها، والذين كان عمر من ضمنهم، وبالرغم من أن مقتنيات منزله قد تمت سرقتها بالكامل بحسب جيرانه الذين لم يتسنى لهم الخروج، إلا أنه ما يزال يمني نفسه بالعودة إلى منزله حتى وإن أضحى خرابًا.