إذا خُير السودانيون بين البقاء في العام الحالي أو الانتقال سريعًا إلى العام 2022 ربما اختاروا الأخير إثر الضربات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي لاحقتهم خلال هذا العام.
حكومة ثانية وصراع في دارفور
بدأ السودانيون العام 2021 بالاضطرابات الأمنية في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور في الرابع من كانون الثاني/يناير، والتي أسفرت عن مقتل (50) من المدنيين وإصابة (102) آخرين، وأدى تعامل الدولة المركزية مع هذه الأحداث بنظرية ترحيل الأزمة إلى استفحالها وتجددها بين الفينة والأخرى حتى نهاية العام، كما أن تعدد الجيوش وانتشار السلاح من العوامل التي أدت إلى تطاول أمد الصراع.
ضعف الدولة المركزية مع الصراع المسلح في دارفور والنزاعات القبلية أبرز سمات 2021
وقعت أحداث الجنينة بينما الحكومة الانتقالية في نسختها الأولى والتي تشكلت من التكنوقراط، لكن في شهر شباط/ فبراير جرت تغييرات جذرية على الطاقم الحكومي تبعًا لاتفاق جوبا الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2020.
اقرأ/ي أيضًا: لجنة أطباء السودان: أكثر من 200 إصابة في 25 ديسمبر
وتم تكوين الحكومة من الحركات المسلحة وقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، بينما بقي رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في موقعه كخيار لا بديل عنه، والرهان على شعبيته في اعتقاد قوى الحرية والتغيير ذات الأغلبية في المقاعد الحكومية.
تعويم سعر الصرف
في مطلع شباط/فبراير تسلمت الحكومة الانتقالية الحزبية مهامها وأبرز خطوة اتخذتها تعويم سعر الصرف للجنيه السوداني ليصبح واحد دولار أمريكي متحركًا في نطاق (380) جنيهًا وأصابت هذه الإجراءات الأوضاع المعيشية في مقتل وارتفعت تكلفة تدبير نفقات عائلة واحدة إلى حدود (120) ألف جنيه في المتوسط.
وتزايد السخط الشعبي على حكومة حمدوك، واستغلت تيارات مناوئة للحكومة الانتقالية إلى ضرب عزلة بينها وبين الشارع بينما ساهم قلة المردود الحكومي تجاه هذه الأزمة إلى توسيع دائرة العزلة.
وفي آذار /مارس بدأت ترويكا الانتقال تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية والذي تكون من قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري والحركات المسلحة الموقعة على السلام، مات هذا المجلس إكلينكيًا قبل أن يتوغل في أنشطته بسبب التصدعات التي ضربت ترويكا الانتقال، ويبدو أن تلك المؤشرات كانت بداية الانقلاب الذي زحف نهاية العام الحالي.
جرى تشكيل مجلس الشركاء لتنسيق القرارات بين ترويكا الانتقال لكن تركيبته لم تساعد المجلس على الاستدامة وتم نعيه قبل أن يبدأ، وإن كان هناك قرار واحد اتخذه هذا المجلس في شهور القليلة التي تصدر فيها الأحداث، فقد كان الموافقة بالإجماع على زيادة أسعار الوقود بنسبة 100% والتي نُفذت في حزيران/يونيو وأشعلت الغلاء المعيشي و فاقمت من البطالة وارتفاع تكلفة الخدمات الصحية والتعليمية.
توسع الشقة بين المكون المدني والشباب
يمكن وصف الحكومة الانتقالية في نسختها الثانية في العام 2021 بـ"البراغماتية"، إذ أن القرارات الاقتصادية كانت تتخذ على عجل بينما هناك قرارات مثل الترتيبات الأمنية وملفات العدالة تترك جانبًا حتى تموت.
وضع معيشي طاحن وتأخر العدالة بحق شهداء الثورة زاد الشقة بين لجان المقاومة وحكومة عبدالله حمدوك، ورغم المواكب التي كانت تسير إلى مجلس الوزراء، إلا أن إغلاق المكاتب في وجه الثوار كان سمة بارزة لدى طاقم رئيس الوزراء في هذا العام.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية والسياسية كان السودانيين يواجهون فيروس كورونا الذي انتشر في العام 2021 أكثر من انتشاره في 2020، بينما قلت التدابير الحكومية في هذا العام أكثر مما كانت عليها في العام السابق له، حيث لم يتم فرض أي إغلاق أو حظر تجوال في ساعات معينة مثلما كان الخال في السابق.
تعثرت الحكومة الانتقالية في مقابلة الآثار الناتجة عن فيروس كورونا من ازدياد رقعة البطالة وسط الشباب، إلى جانب رغبة غير مسبوقة في ركوب أمواج البحر والتسلل إلى أوروبا عبر مصر وليبيا.
اقرأ/ي أيضًا: انهيار في أسعار محصول الفول السوداني
دفعت الأزمة الاقتصادية وقتامة المستقبل أمام ملايين الشبان والفتيات إلى هجرة غير مسبوقة نحو أوروبا عن طريق البحر، وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف غادروا البلاد هذا العام، وتحديدًا في الفترة التي شهدت تطبيق القرارات الاقتصادية في حزيران/يونيو وحتى نهاية العام جراء التضخم المرتفع.
الوضع الأمني لاحق السودانيين وحتى الخرطوم لم تنج من "تسعة طويلة" وحوادث خطف المقتنيات الشخصية
اتخذت القوى السياسية المشاركة في الحكومة الانتقالية ضفة أخرى باعدت المسافة بينها وبين الجماهير التي حملتها إلى هذا الموقع، وصارت العلاقة خلال هذا العام تمر بأسوأ فتراتها منذ عشرات السنين.
تفاقم الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني
لاحقت الاضطرابات الأمنية السودانيين في كل رقعة بما فيها العاصمة التي واجهت سلسلة طويلة من حوادث اختطاف الهواتف النقالة والمقتنيات الشخصية والسطو على السيارات وتسور المنازل تحت تهديد السلاح.
"الشقة الكبيرة" بين المدنيين والعسكريين حولت ملف الاضطرابات الأمنية إلى "كرت سياسي" بغية إضعاف الحكومة الانتقالية، وفي ذات الوقت كانت الأخيرة تدور في فلك السلطة بمعزل عن الجماهير أو محاولة تطبيق "روشتة رحيمة " بشعبها وتحمست لتطبيق وصفة صندوق النقد الدولي بلا هوادة حتى أصبحت العملة السودانية شبيهة بعملات دول إفريقية كان السودانيين يتندرون على قيمتها على المنصات الاجتماعية قبل سنوات.
في آب/أغسطس حاولت الحكومة الانتقالية تدارك الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتي وضعتها في خضم أزمة سياسية مع معارضيها بتصميم برنامج ثمرات المستورد من الخارج وتخصيص خمسة دولارات لكل شخص لـ(32) مليون مواطن، لكن الالتزامات الدولية تجاه هذا البرنامج إضافة لضعف الحكومة في تصميم النظام الفعال لم تسفر عن معالجات ملموسة إلى أن توقف بعد الانقلاب العسكري في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
انقلابات عسكرية فاشلة
وقبل ذلك في أيار/مايو كان السودانيون ينتظرون مؤتمر باريس بمشاركة رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك مع الطاقم الاقتصادي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أسفر هذا المحفل الدولي عن تعهدات بشطب (23) مليار دولار من ديون السودان البالغة (59) مليار دولار وفق سلسلة من المطلوبات المحلية من حكومة حمدوك لم تبدأ حتى حُوصرت بالانقلاب العسكري والوقوع في أتون الأزمات السياسية المتلاحقة.
في أيلول/سبتمبر تشكلت ملامح الانقلاب العسكري بإعلان العسكريين في 21 من نفس الشهر إحباط محاولة انقلابية وسرعان ما تحول الحدث إلى حرب ملاسنات بين المدنيين والعسكريين.
في نهاية أيلول/سبتمبر خرج السودانيون في مواكب مليونية لمناهضة الانقلاب العسكري، لكن في 16 تشرين الأول/أكتوبر اعتصم معارضون لحكومة حمدوك قرب القصر الجمهوري مطالبين بحلها.
عودة المليونيات
في 21 تشرين الأول/أكتوبر تظاهر مئات الآلاف من السودانيين رفضًا للانقلاب العسكري قبل تنفيذه، إذ أن ارهاصاته كانت واضحة للعيان لكن العسكريين لم يعيروا اهتمامًا للاحتجاجات الشعبية و نفذوا الانقلاب صباح 25 تشرين الأول/أكتوبر.
في ذات الوقت قطعت السلطات العسكرية خدمة الإنترنت والاتصالات الهاتفية بينما خرج السودانيون مجددًا إلى الشوارع لمناهضة الانقلاب خاصة في العاصمة.
فيما أعلن مسعفون طبيون عن استشهاد ثلاثة أشخاص من المتظاهرين في اليوم الأول لرفض الانقلاب العسكري، وزادت وتيرة الاحتجاجات في تشرين الثاني/نوفمبر بسلسلة مليونيات أسفرت عن مقتل ما يقارب الخمسين من المواطنين حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر.
وفور تنفيذ الانقلاب العسكري خرج قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى الرأي العام المحلي والعالمي بمؤتمر صحفي بعد ساعات من إعلان الطوارئ واعتقال وزراء الحكومة والمدنيين من مجلس السيادة الانتقالي.
تعهد البرهان في ذلك الوقت بتشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية خلال أيام محدودة، ولكن لم يتم تشكيل أي مؤسسة سوى مجلس السيادة الانتقالي الذي اعتبرته قوى الحراك السلمي بالمجلس الآحادي.
اقرأ/ي أيضًا: انهيار 8 آبار تعدين يؤدي لمقتل العشرات بمنطقة فوجا
في تشرين الثاني/نوفمبر شهدت العاصمة مجزرتين داميتين في يومي 13 و17 بالخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم جراء إطلاق الرصاص على الاحتجاجات الشعبية المناهضة للانقلاب العسكري.
سجلت الفرق الطبية وفاة (19) متظاهرًا بالرصاص في مليونية 17تشرين الثاني/نوفمبر وفي هذا اليوم جرى قطع خدمة الإنترنت والاتصالات الهاتفية والشبكات الأرضية، وتم عزل البلاد بالكامل عن العالم الخارجي.
اتفاق سياسي جديد ورفض شعبي واسع
وفي محاولة لامتصاص الاحتجاجات الشعبية التي قابلتها القوات الأمنية بالرصاص الحي وقنابل الغاز والاعتقالات، وقع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من معتقله الإجباري في ضاحية كافوري اتفاقًا مع قادة الجيش في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، وقال إن الاتفاق جاء حقنًا للدماء.
تلويح حمدوك بالاستقالة أبرز ملامح نهاية العام
خلال كانون الأول/ديسمبر 2021 جدد السودانيون عزمهم على مواصلة مناهضة الانقلاب وتم ترتيب مليونية 19 ديسمبر كأكبر تجمع سلمي يتساوى مع مليونية 30 تشرين الأول/أكتوبر من حيث استجابة أعداد المتظاهرين.
ولم ينته كانون الأول/ديسمبر وتلاحقت الأحداث من تلويح حمدوك بالاستقالة واستمرار الاحتجاجات إلى القصر الجمهوري أسبوعيًا ومع ذلك يحاصر الغموض مستقبل السودانيين وسط إصرار وسط الشبان والفتيات على نزع سلطة مدنية كاملة وإعادة العسكريين إلى مهامهم المعروفة.
اقرأ/ي أيضًا
تجمع المهنيين لـ"الترا سودان": عودة صلاحيات جهاز الأمن ردة حقيقية
منظمات توزع 20 ألف شتلة للمزارعين المتأثرين بالفيضانات في سنار