10-يونيو-2024
عبدالحفيظ مريود

الإعلامي والباحث عبدالحفيظ مريود

الدّعم السّريع بات عقبة في تمرير مشروع إعادة إنتاج "الإنقاذ".

الإنقاذ صنعت الدّعم السّريع مضطرّةً من جهة، وطامعةً من جهةٍ أخرى.

قدّم قائد الدّعم السّريع خطاباً مختلفاً، ولم يعره قادةُ الإنقاذ اهتماماً.

الإطاري هو السبب! وكان الذهاب إلى الحرب حتمياً.

وقف الدّعم السّريع مع الإطاري ضد حيل الجيش، ولم يكن هناك من حلّ أمام الجيش والإنقاذيين الإسلاميين سوى المواجهة.

سّرديّة الجيش والإسلاميين مضطربة، ومسألة الهامش والمركز معقدة.

لا يعتريني شكّ في أنّ الجيش، أو لنقل عناصر الإسلاميين في الجيش وخارجه، هم من أطلقوا الرصاصة الأولى.

لم يتبنَ الدّعم السّريع خطاب مظلوميّة، ولم يقل إنّه يخوض الحرب من أجل ظلامات وقعت عليه.

تقويض المركز من "ربيب المركز" ممكن وقائم نظرياً وفلسفياً.

الغباء وحده هو الذي جعل نظام الإنقاذ يخلق جيشين في البلاد.

السؤال هو: كيف نفكّر – كقوى مدنيّة – بعد أن تضع الحرب أوزارها؟

لم يبلور الدعم السريع خطاباً متماسكاً متّسقاً ومفكّراً فيه قبل الحرب.

ما يرشحُ هو مشاريع تتخلّق! الحياة أكثر من آمنة في ولايات دارفور الخمس، والتجارة نشطة جداً في أسواق ولاياتها.

مطالبة الدّعم السّريع بتشكيل حكومات في مناطق سيطرته أثناء الحرب، لهو ضربٌ من العبث.

المقارنة بين مناطق سيطرة الجيش والدّعم السّريع لا تعدو أن تكون لغواً.


عبد الحفيظ مريود، إعلامي وصحفي وباحث، عمل في محطات مختلفة، وأنجز مشروعات وبرامج وأفلام وثائقية نالت حظها من الشهرة وتوجت بجوائز مرموقة وتصنيفات متقدمة. هو جماع القلق المفضي إلى الإبداع؛ كاتب من طراز خاص، ينثال قلمه عذوبة ورواء. خط بيراعه أقاصيص موحية، وسطّر مقالات في السياسة والفن والأدب والنقد والفلسفة. نشط ما بعد الحرب في تبني وجهة نظر مغايرة حول نشوئها، وسبب نشوبها، وتعقّد مساراتها.

انشغل مريود بسؤال الهوية وإدارة التنوع والآفاق الإنسانية للمشروعات الإبداعية. وذكر في مدونته أنه يحب السودان -على الأرجح- والإنسان عموماً ما لم يرهن روحه وعقله للطاغوت. غرّد عبر صفحته على فيسبوك بعد عام من إنشاء الدعم السريع في 23 أيار/مايو 2014 قائلاً: "ماذا لو حكم الخرطوم العميد حميدتي؟ ماذا لو حمحمت خيول الرزيقات في شارع النيل ومشطت تاتشرات الدعم السريع شوارع الخرطوم؟ ماذا لو أناخ موسى هلال بعيره في حدائق القصر؟ سيكون جيداً -أغلب الظن- سأنضم إلى جيش حمدان أبو عنجة المتجه إلى القلابات .. أو انتظر أن تسلم القبطيات على مضض!".

نبوءة عبدالحفيظ مريود الصاعقة كادت أن تتحقق بحذافيرها، سوى أن موسى هلال آثر أن يقف إلى جانب المركز في حرب ابن عمه التي حشد لها امتدادات الحزام الرملي

وعلى استشعاره المستقبلي وقدرته الاستشرافية التي قرأت بأعين ذكية مسار التاريخ وصيرورته، فإن نبوءته الصاعقة كادت أن تتحقق بحذافيرها، سوى أن موسى هلال آثر أن يقف إلى جانب المركز في حرب ابن عمه التي حشد لها امتدادات الحزام الرملي. المفارقة أن المريود يناصر -على الأرجح- عناصر مدعومة من محاور إقليمية تقف بالضد من تيارات الممانعة التي لا يخفي إعجابه بها وتقريظه لقادتها.

الترا سودان، في سياق بحثه عن أسئلة الحرب الراهنة في السودان ورهاناتها، استأنس برؤاه، فأجاب باقتضاب شديد وحذر بالغ، وأمسك عن الخوض فيما لديه صلة مباشرة بمواقف الدعم السريع بحجة أنه لا يملك صفة تخوله القيام بذلك.. فإلى مضابط الحوار، أو قل الأنس العابر.


  • توصّف حرب الخامس عشر من أبريل بحرب السرديات، ما بين أن من أشعلها أراد بها قطع الطريق أمام إنفاذ الاتفاق الإطاري، وفي المقابل رآها البعض الآخر أنها لم تكن لتحدث لولا الاتفاق الإطاري الذي فجّر التناقض الكائن في عمق المنظومة الأمنية. كيف نرى الحرب؟ كيف نعرفها؟

- أوّلاً: أعتقدُ أنَّ أى حربٍ يملك طرفاها، أطرافها، المبرّرات الكافية بالنّسبة لهم لخوضها. لا ينشغلون كثيراً بما إذا كانت تلك المبرّرات منطقيّة أم لا. هذا على المستوى الاستهلاليّ للحرب. وإذْ تتقدّم الحرب قليلاً، تتحوّل يقينياتها، ودوافعها. لا يمكنُ تصوّر أنَّ الجنود البسطاء، من يقع عليهم عبء القيام بالقتل، ينشغلون بالأسئلة. الأسئلة دائماً محل اهتمام القادة، الذين يدفعون الجنود للحرب. ربّما ينشغل بها آخرون: صحافيّون، ساسة، أكاديميّون... إلخ.

ثانياً: الحرب بدأت. ثمَّ قام الطرفان بإبراز دوافعهم. أنتَ أسميتها "سرديّات"، لكنّ المراقبين كانوا يستشعرون وقوعها، فقد بدا أنَّ الدّعم السّريع بات عقبة في تمرير مشروع إعادة إنتاج "الإنقاذ". لماذا حدث ذلك؟ بمعنى لماذا بدا أنَّ للدعم السّريع مواقف معيقة لإعادة إنتاج الإنقاذ، على الرّغم من أنّه جزء من مراحلها اللاحقة؟ ذلك هو مناط النّظر.

الجميع يعلم أنَّ الإنقاذ صنعت الدّعم السّريع مضطرّةً من جهة، وطامعة من جهةٍ أخرى

لم يدر بخلد الإنقاذيين أنَّ الرّجل البسيط، شبه الأمّيّ – حسب تصنيفهم – يملك قدرةً على الاختلاف. الجميع يعلم أنَّ الإنقاذ صنعت الدّعم السّريع مضطرّةً من جهة، وطامعة من جهةٍ أخرى. فقد حدث انشقاق وسط قوات "حرس الحدود" التي يقودها الشيخ موسى هلال، والتي أُنشأتْ -أصلاً- لمقاتلة حركات دارفور، حين عجز الجيش عن القيام بذلك. احتوت الإنقاذ الانشقاق داخل حرس الحدود بإنشاء "قوات الدّعم السّريع".

لاحقاً، بعد نجاحات عديدة وتمدد، مستفيداً من المناخ المواتي، بدأ قائد الدّعم السّريع يقدّم خطاباً مختلفاً. لم يعره قادةُ الإنقاذ بالاً، مثل اعتقال الإمام الصّادق المهديّ لأنه قال كلاماً ضدّها، مثل الخلاف المستعر بين قائد الدّعم السّريع وأحمد هارون، والي ولاية شمال كردفان، مثل تصريحاته قبيل اعتصام الثوار بالقيادة.

هذا الاختلاف ظهر بعد 11 نيسان/أبريل 2019م. تطوّر مع تقدّم الدّعم السّريع وتمدّده في الخارطة السياسيّة. الإطاريّ هو السبب، كما تفضّلت. وقف الدّعم السّريع مع الإطاريّ ضد حيل الجيش، ولم يكن هناك من حلّ أمام الجيش والإنقاذيين الإسلاميين سوى المواجهة للقضاء على الحرّية والتغيير، على الدّعم السّريع، الإطاريّ، والعودة إلى الحكم. أى حديث غير ذلك بالنّسبة لي ذرٌّ للرّماد في العيون.

  • أشار بعض المتابعين إلى أن الدعم السريع تمرد بعد أن وصل إلى السلطة، عكس طبيعة الأشياء من أن التمرد يسبق الوصول إلى السلطة. كيف نفهم إعادة تموقع الدعم السريع في المقابلة بين الهامش والمركز؟ بين وصفه بأنه ابن التهميش وكونه حارس الامتيازات التاريخية للمركز؟

- الزّعم بأنَّه "تمرّد بعد الوصول إلى السلطة" تدحضه الحقائق البيّنة. ذلك أنَّ سّرديّة الجيش والإسلاميين مضطربة. مرّةً تمرّد الدّعم السّريع، مرةً ثانية "محاولة إنقلابيّة"، مرةً ثالثة "المتّهم الأول هو قوى إعلان الحرّية والتغيير، وما هو إلّا منفّذ لها". ومثلما أسلفت لك، فإنّني فحصتُ بدقّة متناهية سؤال "من أطلق الرّصاصة الأولى؟"، ولا يعتريني شكّ في أنّه الجيش، أو لنقل عناصر الإسلاميين في الجيش وخارجه.

مسألة المركز والهامش هذه معقّدة. وإذا وصل الدّعم السّريع وقائده للسلطة، بحيث أصبح الرّجل الثاني في الدّولة، فكيف يكون "مهمّشاً"؟ وكيف يكون "حامياً" لامتيازات المركز؟

وقد لاحظتُ أنَّ الدّعم السّريع لم يتبنَ خطاب مظلوميّة. لم يقل إنّه يخوض الحرب من أجل ظلامات وقعت عليه. أعتقد أنّه ليس ممثّلاً للمهمّشين بالمعنى التقليديّ للكلمة.

  • على غير العادة، أتى خطاب المعركة لاحقاً لحدث اشتعالها. وبدا خطاب الدعم السريع الثوري مستعاراً من الهامش الذي انتفضت قواه وحركاته على فترات متقطعة لتجد الدعم السريع وأسلافه أدوات باطشة في يد المركز لتكفيف غلواء الثورة هناك. كيف تصبح الأداة التي تربت في محاضن استخبارات الجيش السوداني وجهاز المخابرات ونبتت على رعايته هي من يقوّض المركز؟

- خطاب الدّعم السّريع، لو زكّزت، يؤكّد على موضوعة (الديمقراطيّة وتسليم السّلطة للمدنيين)، حسب الاتّفاق الإطاريّ الذي وقّع عليه. لقد خرج قائد الدّعم السّريع قبل الحرب للناس في لقاء مبثوث يؤكّد بأننا (فشلنا في تشكيل حكومة مدنيّة. فشلنا في وقف معاناة الشعب)، وذلك بعد ما يقارب العام على انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر الشهير على الحكومة المدنيّة. مما يعنى أنَّ مسألة تبني خطاب المظلومية الذي تطرحه الحركات لم يكن وارداً. لم يشر الدّعم السّريع إلى أنّه أشعل الحرب نصرةً لذات قضايا الحركات المسلّحة، وإنْ كان تقويض "دولة 56" يستبطن الوقوف إلى جانب العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة. لكنَّ قضايا التهميش بشكلها الفجّ لم تكن واردة.

بالنّسبة لتقويض المركز من "ربيب المركز"، من حيث الإمكان النّظريّ/ الفلسفيّ، فهو ممكن وقائم. تأريخيّاً، تثبتُ قصّة سيدنا موسى (عليه السّلام) وبني إسرائيل ذلك الإمكان على مستواه النّظري. لكنَّ المهم هو أنّ عُمْر الدّعم السّريع -حتّى لحظة قيام الحرب- لم يتعدّ العشر سنوات. بما يعنى أنّه لم يتشرّب "مركزية الدّولة". بإمكانه أنْ يقوّض، بالطّبع.

  • لماذا يراد لنا أن نفهم الحرب كصراع بين القوى المتحالفة بالوكالة بين الإسلاميين من جهة وقوى الحرية والتغيير من جهة أخرى؟ أين رهانات الجيش والدعم السريع؟ ألا يمثل وجود جيشين في دولة واحدة دعوة للحرب؟

- طبعاً، يمثّل دعوة للحرب. الغباء وحده هو الذي جعل نظام الإنقاذ يخلق جيشين في البلاد. من المؤكّد أنّ هناك ترتيباً إلهيّاً جعل بصيرة الإنقاذ مسدودة في هذا الشأن. ثمّ انطمست بصيرة الجيش بعد ذهاب البشير، فعمل على تقوية الدّعم السّريع، تمكينه، فتح له كل المجالات ليكون (القوات البرّية) والذراع الذي يبطش به، فيما يظلُّ الجيش منظومة من الضبّاط المتنعّمة بالامتيازات، المحتكرة للسّلطة، بالدواعى التقليديّة، مثل "الهشاشة الأمنيّة"، وغيرها. كان الذّهاب إلى الحرب حتميّاً.

  • ما بين فوقية ونخبوية خطاب الديموقراطية واسترداد الحكم المدني ومحاربة الفلول وجذرية وثورية خطاب القضاء على دولة 56 والانتصار للمهمشين وإنهاء حكم الأقلية النيلية المستمسكة بزمام الأمور فوارق جمة. أهي خطابات تعبر عن تيارات مختلفة داخل فضاء الدعم السريع أم هي محض تسويغ نظري لرهانات سلطوية استحواذية بامتياز؟

- هذا سؤال معقّد، وفوقيّ أيضاً. لا أتصوّر أنَّ الدّعم السّريع بلور خطاباً متماسكا، متّسقاً، ومفكّراً فيه قبل الحرب. ما يرشحُ هو مشاريع تتخلّق، على ما أعتقد. فالدّعم السّريع ليس حزباً سياسيّاً يرتكز على تأريخ يفوق الخمسين عاماً، مثلاً. وبالتالي فإنَّ مطالبتنا له بتقديم تصوّرات متماسكة، صلدة، متجاوزة هي مطالبة تفتقر إلى الموضوعيّة.

ما يرشح عن الدعم السريع هو خطاب ما بعد الحرب. يبدو مفكّكاً، يفي بالغرض. السؤال هو: كيف نفكّر -كقوى مدنيّة- بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ وذلك هو -بالضبط- ما سيجعلُ وجه الحياة القادم في السّودان مليحاً، مقبولاً وجاذباً.

  • على اتساع رقعة سيطرة الدعم السريع في أجزاء عزيزة من الغرب والوسط، إلا أنها عجزت عن تحويلها إلى نموذج، لا أقول جاذباً، فربما يعد ذلك أفقاً بعيد المنال في ظل الظرف الراهن، وإنما إلى مجرد بيئات آمنة ومطمئنة. كيف تفسر ذلك؟

- لقد طفتُ -شخصيّاً- ولايات الغرب، أو أغلبها. جزءاً من شمال دارفور، غرب دارفور كلها، وسط دارفور عدا جبل مرّة، جنوب دارفور كلّها، وشرق دارفور. فضلاً عن مروري بشمال كردفان (الكبابيش). لا يبدو أنَّ ما تريد أنْ تقوله منطقياً على ولايات الغرب. صحيح أنَّ الجهاز الحكوميّ المدنيّ غائب، بسبب هروب الحكومات من ولاياتها، لكنَّ الحياة أكثر من آمنة. لقد تنقّلتُ في ولايات دارفور الخمس مستخدماً المواصلات العادية (السفريات). ثمّة الكثير من نقاط وارتكازات الدّعم السريع على الطّرق. تأخذ رسوماً للعبور من أصحاب المركبات. التجارة نشطة جداً في أسواق هذه الولايات. تأتي البضائع من جميع دول الجوار. لا ينقص شيء في الأسواق.

أنْ تطالب الدّعم السّريع بتشكيل حكومات في مناطق سيطرته، أثناء الحرب، لهو ضربٌ من العبث

وأنْ تطالب الدّعم السّريع بتشكيل حكومات في مناطق سيطرته، أثناء الحرب، لهو ضربٌ من العبث. أليس كذلك؟ تريد أنْ تجري مقارنة بينه وبين مناطق سيطرة الجيش في الولايات التي يتقدّم نحوها الدّعم السّريع بعد. وهي مقارنة لا تعدو أنْ تكون لغواً.

  • لم تعلن قوات الدعم السريع حكومة أمر واقع في أماكن سيطرتها كما يفعل الجيش حالياً. ما المانع؟ هل هو انتظار لتسوية منشودة؟ أم لتلكؤ حليفها؟ أم أن القوى الإقليمية والدولية لم تشأ أن تمضي الأمور إلى التجزئة؟

- هذا السؤال يجب أنْ يوجّه إلى الدّعم السريع، لا إلىّ. فلست ناطقاً باسمه، ولا أحملُ صفة تمكنّني من الإجابة.

  • لماذا تحل الفوضى والانتهاكات حيثما حلت قوات الدعم السريع؟ هل يمكن أن يكون هو رهان مقصود أم أن قيادة الدعم السريع باتت عاجزة عن ضبط عناصرها؟ أم أن طبيعة هذه العناصر تنزع إلى الفوضى؟ أم ماذا؟

- هذا أيضاً سؤال مباشر للدّعم السّريع.