16-مايو-2024
Baraa Bin Malik

أهزوجة "براؤون يا رسول الله" التي ذاع صيتها في أعقاب استهداف إفطار كتبية البراء بن مالك بمدينة عطبرة، ما تزال تحقق انتشاراً واسعاً، وانتقل تداول هذه الأهزوجة من شباب الطبقة الوسطى السودانية إلى رهط من الفنانين والفنانات ممن كانوا يقفون -حتى وقت قريب- على أقصى النقيض من الأيديولوجيا الإسلامية التي حكمت عشرية كاملة في السودان، واستمر حضورها الطاغي لعقدين متتاليين.

المفارقة التي تنتصب في غور المشهد، أن الأجيال الجهادية الجديدة والمنخرطة في قتال عنيف تحت إمرة الجيش وضد قوات الدعم السريع، تكوّنت في عهود رخاء نسبي وسلام بارد في أعقاب انفصال جنوب السودان

المفارقة التي تنتصب في غور المشهد، أن الأجيال الجهادية الجديدة والمنخرطة في قتال عنيف تحت إمرة الجيش وضد قوات الدعم السريع، تكوّنت في عهود رخاء نسبي وسلام بارد في أعقاب انفصال جنوب السودان. ومع خفوت التوجه الإسلامي للنظام الحاكم وإحكام قبضة الرئيس البشير على مفاصل السلطة وكثافة المذكرات الإصلاحية من العناصر الجهادية "مذكرة الألف أخ ومبادرة السائحون"، ونزوع عام إلى ما أسماه مثقف إسلامي "تغليب الوظيفي على الرسالي"، مع تداعي أنموذج المقاتل الفدائي لصالح الفاعل المتصل الذي يبني جسور التواصل مع الآخر ويقيم علائق ملؤها المساومة ومنطق التسوية والصفقات السياسية، مع بروز مرحلة علا فيها تقديم العاجل على الآجل وتغليب المعالجة الأمنية على مواجهة جذور الأزمات المزمنة الكامنة في عمق المركز والمشتعلة حرباً في أطراف الجغرافيا السياسية لوطن بدا أوسع من خيال نخبته الحاكمة، وأعقد من مناهجهم التبسيطية في القراءة والتدبر، وأعمق من أطروحاتهم في التوصيف والتعريف والتشخيص واجتراح الحلول، وإن أدى ذلك إلى عبث القائمين على أمره بمقررات أمنه القومي عبثاً يجيز  صنع مليشيا من ذات الجغرافيا لإبطال مفعول حركات الهامش وتحييدها عن محض بلوغه في مركزه الآمن و"النائم على جماجم الأطراف" -كما تصف أصوات وازنة- لتأتي عبرة التاريخ مجسدة في قول أبي الطيب المأثور الذي صار مثلاً شروداً: "ومن يجعل الضرغام للصيد بازه تصيده الضرغام فيمن تصيدا".

كتيبة البراء بن مالك

وبحسب مصادر وآراء متطابقة، فإن كتيبة البراء بن مالك هي واحدة من الكتائب الإستراتيجية التي تشكلت على فترات متباينة من حكم الإنقاذ، وقد بُذل جهد واسع في تدريبها على القتال النوعي على كافة المستويات والأنماط، ومن ذلك تلقي منسوبيها دورات متقدمة في المدرعات والإنزال الجوي والمدفعية والتخطيط الحربي وإدارة المعارك داخل المدن، فضلًا عن مواجهة الفصائل الإرهابية.

وبرعت كتيبة البراء بن مالك مؤخرًا في استخدام الطائرة بدون طيار وسلاح المسيرات، ويفيد مصدر خاص آثر حجب هويته، أن البراء هي أول من أدخلت المسيرات في المعركة الحالية، وحتى قبل الجيش نفسه. يقول هذا المصدر إن إدخال كتيبة البراء بن مالك للمسيرات في الحرب الحالية "شكل اختراقاً مهماً عوّض الإعاقات التي جرت لسلاح الطيران في خضم الحرب وأعطت نتائج أكثر اتساقاً مع طبيعة المعركة وجنوحها تدريجياً إلى الأدوات الرقمية والأنماط الذكية"، حد قوله.

الأيديولوجيا في مقابل النزوع الإثني

الدكتور حسن حسين قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة، والمختص في قضايا الأمننة والجيش والمليشيات، يقول إن كتيبة البراء بن مالك هي آخر الكتائب تشكلًا من حيث التوقيت، إذ تكونت في العام 2012م في ظلال حرب هجليج، وذلك قبل نحو عام من انطلاقة قوات الدعم السريع كقوة معترف بها من نظام الإنقاذ، وإجازة قانونها من السلطة التشريعية. وبحسب أستاذ العلوم السياسية، تختلف كتيبة البراء بن مالك عن الدعم السريع في كونها لا تنطوي على أي رهانات توسعية أو مشروع للحكم كما ظهر لاحقاً في حالة الدعم السريع. ويعتقد الدكتور حسن أن الهدف الرئيس للبراء وسائر الكتائب القتالية "النوعية"، مثل البرق الخاطف والطيارين وكتيبة الشهيد هشام عبد الله - الهدف منها حماية مكتسبات الدولة والدفاع عن المجتمع. ويوقل إن هذه الكتائب هي "تكوينات جهادية" عالية التدريب وذات عقيدة قتالية تسعى للحفاظ على قيم وهوية الدولة. ويمكن قراءة ظاهرة البراء ضمن التكوينات القتالية ذات النزوع الأيديولوجي التي نشأت في حقبة التسعينيات تحت مظلة "الدفاع الشعبي"، وذلك بخلاف المليشيات ذات الطابع الإثني التي ترجع إلى حقبة الستينيات في جبال النوبة وجنوب كردفان لتتبلور بشكل صاعق في دارفور مع حقبة السبعينيات والثمانينيات.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة حسن حسين: الفارق الجوهري بين الكتائب والمليشيات يتمثل في تمحور المليشيات حول خطاب جدلية الهامش والمركز ومقولة استحواذ "نخب الشريط النيلي" على السلطة والثروة والاعتبار

الفارق الجوهري بين الكتائب والمليشيات بحسب د. حسن حسين، يتمثل في تمحور المليشيات حول خطاب جدلية الهامش والمركز ومقولة استحواذ "نخب الشريط النيلي" على السلطة والثروة والاعتبار، وذلك بخلاف الكتائب الجهادية ذات النزوع الأيديولوجي القيمي. ويشدد أستاذ العلوم السياسية في حديثه مع "الترا سودان"، على أن الكتائب القتالية لا تحمل أية رؤية "تتغيأ الحكم"، وذلك بخلاف المليشيات ذات المطالب الاندماجية في بنية الدولة، والتي تسعى للوصول إلى تسويات سياسية تضمن لها حيزاً في قوى عنف الدولة، والحصول على امتيازات مادية ورمزية على صعيد أقاليمها بنحو خاص، وعلى مستوى المركز بشكل عام.

وبتحليل تركيبة الكتائب القتالية ومقارنتها بتركيبة المليشيات، يرى حسن حسين أن فوارق جوهرية يمكن التقاطها بسهولة ويسر بين الفئتين؛ فنواة الكتائب القتالية مكونة من طلاب الجامعات والمعاهد العليا في تخصصات الهندسة والطب والعلوم، فضلاً عن الإنسانيات والآداب والفلسفة والاقتصاد، بخلاف المليشيات التي تضم عناصر من الطامحين في الجندية ضمن تكويناتهم، أو من خلال الرهانات الاندماجية في بنية الدولة. ولا يعتقد د. حسن حسين أن للعناصر القتالية المنضوية في الكتائب أي طموحات اندماجية، نظراً لتأهيلهم الأكاديمي واكتفائهم بعوائد مهنهم ودوائر اشتغالهم، مشيرًا إلى أن ما يحركهم في المعركة الراهنة والمعارك السابقة شعورهم بأن تهديدًا طرأ للقيم الكلية والمصالح العمومية التي جعلت بقاء الدولة على المحك.

فرضية التطرف

وحول فرضية نزوع البراء والكتائب القتالية نحو التطرف، يرى  أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة، د. حسن حسين أن المعطيات الحالية لا توحي بأي إشارات أو إثارات تعزز هذا الأمر. ويضيف: "ما لم تتغير البيئة السياسية المتأرجحة بسبب الحرب، لا يمكن القطع بأن العناصر الجهادية يمكن أن تجنح إلى التطرف، سيما أنها تصدر عن رؤية أيديولوجية معتدلة ومتسقة مع الدولة الحديثة ومؤسساتها ووظائفها ومستوياتها، وأن الأجيال الجديدة منها أكثر قناعة بقيم المؤسسية".

  ويشير حسن حسين إلى أن أكثر من سبع كتائب انضمت إلى القتال ضمن صفوف القوات المسلحة، غير أن البراء أخذت حيزها من خلال سابقتها في الانضمام الباكر للدفاع عن الجيش وحضورها الإعلامي، فضلاً عن سرعة استجابتها لتطورات المعركة في مستواها الرقمي، وامتيازها بإدارة سلاح المسيرات بكفاءة عالية لرسوخ تكوينهم المعرفي وقدراتهم التكنولوجية ومهاراتهم في استخدام وتطوير الأسلحة الذكية.

ويعتقد قاسم أن السبب القريب المباشر في انخراط الكتائب إلى جانب الجيش كامن في تصورهم لقوات الدعم السريع بوصفها خصمًا للدولة ومشروعها لصالح مشروعات مناوئة ومصالح إقليمية ودولية، فضلًا عن استحضار تاريخ التنافس الذي اشتدت مستوياته بين أجهزة عنف الدولة وقواها الساندة قديماً وحديثاً.

تعويض الفارق الجيلي

 الميزة النوعية إلى جانب التدريب العالي الذي حدث بانخراط الكتائب القتالية هو تعويض الفارق "الجيلي" لصالح الجيش الذي ظل غائباً عن عمليات التجنيد لوقت طويل في مقابل توسع الدعم السريع في التجنيد والتحشيد، لتبلغ قوته من (17) ألف إلى أكثر من مائة ألف، قبل أن تنضم إليه مع المعركة الحالية حشود من الحزام الرملي في مالي والنيجر وتشاد. يقول الدكتور حسن إن القيادات الميدانية العسكرية لم تكن راضية تمام الرضا عن انخراط الكتائب، ولكنها لم تلبث أن اكتشفت مزايا انضمامها لجهة استبسالها وثباتها في معارك صعبة ومعقدة، ويفسر ذلك بسبب توافر العناصر الجهادية على عقيدة قتالية صلبة وهي أعلى -بحسب زعمه- من عقيدة الجندي العادي بسبب التكوين المعرفي والالتزام القيمي والأخلاقي الأمر الذي انعكس على سير المعارك وتقدم الجيش الملحوظ في محاور أم درمان ومعارك الاحتياطي المركزي والإذاعة وصمود المدرعات، قبل أن تنتقل إلى دائرة الهجوم وما يجري حول مصفاة الخرطوم من حصار عنيف، وما يحدث على تخوم سنار والجزيرة والفاو. ويرى حسين أن العناصر القتالية بذلت دماءً غالية وقدمت خيرة شبابها مهراً للانتصارات الجزئية في سياق المحاور المذكورة، وأن أعداداً كبيرة منهم مضت في طريق "الشهادة" أو الإصابات والجراح والأذى الجسماني، وما زالوا يتقاطرون على مدار المحاور في النقاط الملتهبة.

مكافئ موضوعي

يرى حسن حسين أن مشاركة الكتائب هي مكافئ موضوعي لما يحدث من تحشيد على الهوية في جانب الدعم السريع من داخل الحدود وخارجها، وأنها باتت تحظى برضى واستحسان القيادات الميدانية، ومن ذلك احتفاء قائد سلاح المدرعات بهم واستقباله لهم وتقريظه على رؤوس الإشهاد لأدوارهم القتالية. أما  محاولة شيطنتهم فيعتقد حسن أنها تصب في تعزيز سردية الحرب بوصفها معركة ضد الإسلاميين، مع أن انخراط مجموعات غاضبون بلا حدود والحركات المسلحة لا تجد ذات الرفض. وهو الأمر الذي يفضح -بحسب حسن حسين- الأجندة السياسية الثاوية وراء موجات التشنيع والطعن في نوايا قتال الكتائب.

السياق الكلي للحرب

وفي المقابل يعتقد د. عمرو صالح يس الفاعل الثوري المختص في قضايا الحوكمة والتنمية أن قضية البراء بن مالك لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن السياق الكلي للحرب باعتبارها معركة وطنية تتشكل أطرافها الرئيسة من الدولة ضد مخطط استتباعي إقليمي بأدوات محلية متمثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير بواجهتها الجديدة "تقدم" وذراعها العسكري "قوات الدعم السريع" وتواطؤ مشهود من قائد القوات المسلحة نفسه ووفق هذا التوصيف يقول عمرو إن أي بندقية تقاتل الدعم السريع مرحب بها، وأن انضواء المجموعات الفاعلة إلى جانب الدولة وفي سبيل الحفاظ على قوامها وبنيتها ومواردها وأراضيها لهو مجهود يُذكر ويُشكر.

جوهر الصراع

ويرى عمرو صالح أن الطاولة الرئيسة للحرب تقوم على جوانب عسكرية ميدانية، بيد أن أهم جوانبها هو الجانب السياسي المتعلق بجوهر الصراع حول سرديات الحرب. وأن أشهر سردية وأكثرها زيفاً وبطلاناً بحسب عمرو هي أن الحرب نشأت بالأساس على مسعى إبطال التحول المدني الديموقراطي عبر قطع الطريق أمام إنفاذ الاتفاق الإطاري من قبل قوى الإسلاميين وتشكيلاتهم النافذة في الجيش. وقال إن قائد الجيش وقع في أخطاء جسيمة باندراجه في مشروع الاطاري ابتداءً بوعي منه أو غير وعي. علاوة على قبوله لمبدأ التفاوض في منبر جدة الأول بحسبانه قائداً للجيش وليس رمزاً لسيادة الدولة واستمراره في خط التنازل عن الشرعية والسيادة بتوقيعه في منبر جدة الثاني على تخفيف حدة التوتر الإعلامي وضبط ما يسمى بـ"مؤججي" الحرب، ومنح الدعم السريع صك براءة من إشعال الحرب وتأجيجها وفق السردية الحقيقية للحرب -بحسب منظور صالح يس- الذي يرى أنها قامت على وقع انقلاب الدعم السريع ضمن غطاء سياسي ومدني شكلته قوى الحرية والتغيير بدعم من المحاور الإقليمية وبإسناد دولي من الرباعية وبعثة يونيتامس عقب ممانعة الجيش السير في ركاب الإطاري بحسبانه أداة لإعادة هندسة قوى عنف الدولة وتذويبها وضرب جوهر وظائفها وأهدافها المؤسسية بتشكيل رئاسة أركان مشتركة من الجيش والدعم السريع، ومدة لدمج القوات في هيكل جديد تبلغ عشر سنوات.

عمرو صالح يس: معسكر الاستتباع لن يدع أي مسوغ في إطار توظيف تناقضات المشهد لصالح سرديته الزائفة

الصراع الحامي على مستوى السرديات من شأنه -وفق رأي عمرو- أن يقرر النهاية المثلى للحرب بإصلاح المنظومة العسكرية والأمنية وإبعاد مكونات الإسلاميين، ويسعى تحت هذا الرهان -الذي يصفه بـ"المقبول شكلاً - يسعى إلى تصفية الصوت الوطني السيادي والصفري تجاه الدعم السريع وتمهيد الطريق للدعم السريع لابتلاع الدولة واستتباعها بالكامل لمقررات الأمن القومي لمحاور إقليمية. ويشدد عمرو على أن جوهر الصراع قائم بين معسكر السيادة ومعسكر الاستتباع ولكل سرديته في سبيل تحقيق غاياته وإرساء مراكبه على ضفافه المرجوة.

يقول عمرو إن معسكر الاستتباع لن يدع أي مسوغ في إطار توظيف تناقضات المشهد لصالح سرديته الزائفة، ومن ذلك تجيير الظهور الإعلامي الكثيف والمستقل في آن لعمليات كتائب الإسلاميين، ومنها بشكل أكثر تحديداً كتيبة البراء بن مالك التي تتوفر على قدرات واضحة في إدارة سلاح المسيرات واستخدام هذا الظهور في الترويج لسرديته القائمة على افتراض أن للإسلاميين نفوذًا هائلًا في الجيش. ورغم ان مجهوداتهم القتالية -والقول لم يزل لعمرو- تصب في نصرة الدولة بالمعنى العملي والسياسة كمبحث عملي، إلا أنهم بجهة أخرى يقوضون الخطاب السياسي لمعسكر السيادة القائم على أطروحة تمثيل الجيش لكافة الناس بشكل متساوٍ، وبالتالي فغن ظهور البراء بهذا الشكل المستقل يهزم الجيش من حيث أراد نصرته وتأييده في معركته الحاسمة لصالح الدولة. ويضيق: "هذا في حال افتراض حسن النوايا، بخلاف أصوات أخرى ترى أن البراء جزء من أدوات البرهان بوصفه جزءاً من معسكر الاستتباع".

خلل مؤسسي

مسألة أخرى يشير إليها المختص في قضايا الحوكمة والمؤسسية، متعلقة بخلل مؤسسي ملازم للجيش، وهو عدم التعلم من درس الدعم السريع والاستمرار في استيلاد المليشيات، مع المفارقة الكبيرة وبعد المقارنة بين الدعم السريع والبراء بن مالك، وهي قضية متصلة بالنفوذ السياسي والاقتصادي الذي يجده المتحالف مع الدولة عبر السلاح. وبشكل عام يعتقد عمرو صالح يس أن الخلل المؤسسي الملازم للجيش يرجح المطالب المنادية باصلاحه، وهي رهانات مشروعة، غير أن توظيفها على هذا النحو يفيد معسكر الاستتباع ويؤكد سرديته وخطابه السياسي.

يخلص عمرو إلى أن كتيبة البراء بن مالك وفقت في الوقوف إلى جانب الجيش ضد مخطط الاستتباع رفقة الأطياف الأخرى من المستنفرين من جماعة "غاضبون بلا حدود" والثوار والحركات المسلحة، ولكنها لم توفق في دعمها لرؤية ورواية الخصم حول كيف بدأت الحرب وكيف يمكن ختامها فضلاً عن اعلاء مطلب اصلاح الجيش كونه ظل بشكل متواصل راعياً وصانعاً للمليشيات، مما يشكل ذريعة لتصفية القوات المسلحة من الضباط الوطنيين في حال الوصول إلى توافق سياسي. وبناء على ما سبق فإن البراء بن مالك في نظر عمرو ألحقت بمعسكر السيادة ضرراً بالغاً من حيث أرادت أن تنفعه.

ظهور مقصود

وترى تحليلات أخرى أن ظهور البراء بن مالك على نحو مستقل مقصود لذاته في ظل استحكام الخطاب الاستبعادي والإقصائي لتنظيماتهم وواجهاتهم وسريانها على القوى المتحالفة معهم في مرحلة ما بعد ديسمبر، وان تأكيد مشاركة الإسلاميين الفاعلة في القتال إلى جانب جيشه ترسل إشارات في بريد الداخل والخارج، وتخلق توازنًا مع خطاب الحركات المسلحة التي تعلي من أدوارها، وتشير في ذات الوقت للقوى الإقليمية والدولية الساعية إلى تفكيك مؤسسة الجيش أن ثمة بدائل ناجعة ستقطع الطريق أمام رهاناتها الخاسرة وتدابيرها الماكرة.

وفي خضم حرب معقدة تلقي بظلال كثيفة على قوى عنف الدولة وتعيد ترتيب الخرائط والأبنية الاجتماعية والنخب السياسية، وتمتد تأثيراتها إلى محيطها الجيوسياسي في منطقة الساحل والقرن الأفريقي، تصبح قضية كتيبة البراء بن مالك عنواناً لتناقضات الحرب على مستوى مفاعيل الميدان ووسوم الميديا وتفاعلاتها، وعلى صعيد خطاب المعركة ومعركة الخطاب.