يبدو اللون الأحمر طاغيًا جدًا على مشهد الجرتق في الأفراح السودانية، والذي يعتبر أحد الطقوس المهمة المصاحبة للزواج السوداني، حيث ترتدي العروس الثوب السوداني الأحمر المشغول بالخرز ، بينما يزين جلابية العريس شريط أحمر رأسي يمر بكتفه وعلى الطاقية التي يرتديها أيضًا والتي تميزه من بين جميع الحضور: الحريرة الحمراء، "فركة القرمصيص" والصينية وأوانيها التي يغلب عليها هي الأخرى اللون الأحمر الذي يحمل مدلولات معينة في هذا التقليد، بحيث يعتبر أنه أساس الحياة، كما أن هناك اعتقاد سائد متعلق باللون الأحمر الذي يشكل المشهد في عادة الجرتق، وهو قدرته على إيقاف النزيف في الزواج والختان والولادة.
الجرتق هو أحد أهم الطقوس المصاحبة للزواج، وحديثًا أصبح يقام بعد أن تنتهي حفلة الزواج غير التقليدية والتي درج فيها العروسان على ارتداء الأزياء المتعارف عليها عالميًا في الزواج
والجدير بالذكر أن الجرتق ليس متعلقًا بعادات الزواج فقط، ولكن ومع مرور الوقت ورحيل العقود بدأ حضوره يقل في المناسبات الأخرى، بينما ظل تقليدًا أساسيًا في طقوس الزواج السوداني لا يمكن الاستغناء عنه.
تقول السيدة ليلى طه وهي مهتمة بمجال التراث، إن الجرتق هو أحد أهم الطقوس المصاحبة للزواج، وحديثًا أصبح يقام بعد أن تنتهي حفلة الزواج غير التقليدية والتي درج فيها العروسان على ارتداء الأزياء المتعارف عليها عالميًا في الزواج المتمثلة في الفستان الأبيض للعروس والبدلة الرسمية للعريس، وذلك لأهميته وبعده التاريخي المتعلق بكونه حرز للعروسين من الحسد والجن، وتضيف أن هناك بعض الروايات التي تقول أن الأزواج الذين لا يقومون بعمل هذه الطقوس سيحرمون من إنجاب الأطفال.
وتقول ليلى إن هنالك طقوس كثيرة متعلقة بالجرتق، فالأمر ليس مقتصرًا فقط على هذه الأزياء، إنما هنالك أغانٍ خاصة وطقوس متعددة لها عدد من الأدوات والعطور، وتقوم بالإشراف عليها النساء الكبار في السن ممن يعتبرن قريبات الزوجين من الدرجة الأولى كالخالات والعمات.
أصل الكلمة
جاء في كتاب مقالات عن الفلكلور السوداني للكاتب الدكتور نصرالدين سليمان، أن كلمة "جرتق" نوبية الأصل، ومن أحد المعاني التي رصدت لها أنها زينة تلبس عند الزواج أو الختان، فيما تشير بعض الروايات غير المدونة إلى أن كلمة جرتق مقتبسة من الكلمة النوبية (JUURTIKOO) حيث يعني الجزء الأول من الكلمة (JUURTI) القرض، ويشير الجزء الثاني (KOO) إلى كلمة صاحب أو ذو، فيصبح معنى كلمة جرتق هو صاحب القرض أو ذو القرض، ويأتي هذا المعنى من المعتقدات الدينية القديمة للنوبيين الذين كانوا يتحصنون بالقرض من العين والسحر. وذكر مؤلف الكتاب أن الكلمة قد تكون لاقت بعض التحريف فكلمة (JTTI) تعني الخرزة ، وكلمة (JUURTI) تعني قرض، (KOORTI) تعني جوهرة، وذلك في إشارة إلى احتمالية أن يكون معنى الاسم بالعربية صاحب الجوهرة أو الخرزة.
ويضيف المؤلف أن الجرتق يصنف من "الأسبار" التي أتت من رغبة الإنسان لممارسة الحروز، وذلك من أجل تحقيق حاجات أساسية له مثل الحظ والنجاح، أو الشعور بالأمان حتى، وذلك تحت إطار جلب المنفعة. فيما يأتي أيضًا من أجل دفع الضرر كالسحر والعين والحسد.
أدوات الجرتق
للجرتق عدد من الأدوات المصنوعة من مواد مختلفة، فنجد النحاسي أو الحديدي كصينية الجرتق والتي عادة ما تزين باللون الأحمر وتوضع فيها الأدوات التي تقام بها الطقوس، ومنها أيضًا ما هو عطري مثل "الضريرة" وهي عبارة عن مزيج من النباتات العطرية التي تطحن وتوضع على رأس العريس، ومنها ما هو فخاري مثل "الحق" والذي يوضع عدد منه على صينية الجرتق بمقاسات مختلفة مع عدد من الأواني التي تعرف الواحدة منها باسم "الكورية"، وتستخدم لحفظ الدلكة والزيت الطيب، وذلك بجانب البخور المسبع ولبان الشب كما ورد في كتاب "دراسات في الفولكلور السوداني".
ويأتي ذلك بجانب "الحريرة الحمراء" وهي عبارة عن خيط أحمر تنظم فيه الخرزات، وبحسب الدلالات العقائدية فهو يرمز إلى الحماية، والخرزة الزرقاء أو الخضراء والتي تحمل دلالات حرزية تتعلق بخصوبة الرجل، إضافة إلى عقد "السوميت" وسبحة اليسر المنظومة من المرجان بحيث تحتوي على (99) حبة ولها دلالات سحرية، وتضم أدوات الجرتق أيضًا خرزتين معلقتين على خيط يربط في معصم اليد اليمنى، وله دلالة على الفأل والفرح والأمل. ورصد الكتاب أيضًا أن من الأدوات المستخدمة في الجرتق خاتم فضة به حجر يسمى فص الدم، وعظم السمك الذي يرمز للخصوبة والبقاء.
وتستخدم أيضًا في الجرتق بعض الأسلحة "كالسيف والسوط" واللذان يحملان رمزية تدل على الرجولة، فيما يبقى جريد النخل هو العنصر الوحيد الذي يحمل دلالات عربية باعتباره يشير إلى الخصوبة والنماء، ويعتبر الهلال أيضًا أحد الأدوات المستخدمة في الجرتق.
مراسم مشتركة
يعتبر الجرتق من المراسم المشتركة بين كثير من القبائل السودانية مع اختلافات طفيفة في الممارسة، فعلى سبيل المثال تقوم قبائل "المحس" المتواجدة في شمال السودان بوضع صينية الجرتق أمام العروسين بينما يوضع مدق من النحاس بعيدًا منهما يدق فيه الصندل والمحلب وهي مهمة النساء الكبار في السن، ومن ثم يوضع في الصينية ويتم خلطه بالصندلية وسط الأغنيات والزغاريد التي تقوم بها الفتيات، فتقوم النساء الكبار أولًا بوضع أيديهن في الخليط ومسحها في يد العروسين، ثم تأتي بقية النساء ليتعاقبن في مسح يد العروسين مسحة سريعة ختامًا بأصغر الفتيات الموجودات. أما عند قبائل الشايقية والتي تتواجد أيضًا في شمال السودان، فهذا الخليط يوضع جاهزًا على صينية الجرتق مع وجود الدلكة كمكون أساسي، ويوضع على رأس العريس مع الضريرة، كما ورد في كتاب دراسات في الفولكلور السوداني.
يعتبر الجرتق من أهم العادات السودانية التي بدأ العالم يتعرف عليها
ويعتبر الجرتق من أهم العادات السودانية التي بدأ العالم يتعرف عليها، والجدير بالذكر أن قدم في عدد من المحافل والمهرجانات الدولية مثل المهرجان المسرحي الرابع لشباب الجنوب والذي أقيم في دولة مصر في وقت سابق، ولاقى استحسان الجمهور بشكل كبير.
