لم يتسن حتى الآن لوكالات الأمم المتحدة معرفة مسارات قوافل الغذاء التي قد تصل إلى ولايتي الجزيرة وغرب كردفان، التي يستعر فيهما القتال بين الجيش والدعم السريع، وهناك تقارير عن ملايين المدنيين ينتظرون هذه المساعدات بـ"فارغ الصبر"، مع إغلاق الأسواق وهجرة المزارعين الأفدنة الزراعية التي تحولت بعضها إلى حركة دؤوبة لاستقبال المركبات العسكرية ذات الدفع الرباعي الأكثر استخدامًا لحركة انتقال جنود الدعم السريع.
صوب جنود من الدعم السريع البنادق على صدور المزارعين أثناء عملهم في الزراعة
آمال المزارعين في ولاية الجزيرة التي تضم أكبر مشروع زراعي وسط البلاد عبر نظام الري الانسيابي للمياه، كانت معلقة هذا الموسم وتحديدًا منذ منتصف نيسان/أبريل الجاري، على حصاد أكثر من (300) ألف فدان من القمح اليوم أغلبها خالية من المزارعين، أولئك الذين بدأوا موسم القمح في كانون الأول/ديسمبر الماضي قبل أسابيع من هجوم الدعم السريع على الولاية.
لم ينجُ مزارعون من تصويب البنادق إلى صدورهم بواسطة عناصر من الدعم السريع أثناء عملهم في الزراعة، هناك تقارير عن مقتل عشرات المزارعين لأنهم قاوموا بنهب المحاصيل والأصول والمعدات الزراعية من نفس هذه القوات المدججة بالسلاح.
يقول مصعب الهادئ وهو مزارع وناشط محلي في قضايا الزراعة: "أُفرغ الريف بالكامل بسبب الحرب، ولاية الجزيرة أغلبها تتشكل من الأرياف لطبيعة العمل في الزراعة والتقسيمات الإدارية ونظام الري، اليوم الريف في الولاية أُفرغ تمامًا من المزارعين، ما بين القتل والنزوح والبقاء في المنازل لتوقف الحياة مع محاصرة الدعم السريع للقرى والأرياف".
بلغ سعر جوال القمح في أسواق كسلا والدمازين وسنار والقضارف وهي مدن تقع ضمن نطاقات ولاية الجزيرة (55) ألف جنيه، فيما بلغ سعر جوال العدسية (155) ألف جنيه، وهي وجبة شعبية تقدم في مراكز الإيواء في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش، بينما بلغ سعر جوال "الذرة الفتريتة" (44) ألف جنيه.
يقول سامي شيخ الدين وهو عضو تجمعات نقابية في القطاع الزراعي بولاية سنار لـ"الترا سودان"، إن الحرب في ولاية الجزيرة لم تقتصر على الخسائر الاقتصادية في الأسواق، بل أن عمليات النهب التي طالت أصول المشروع ومحاصيل المزارعين تقدر بـ (700) مليون دولار.
وأردف: "هذا يعني تحويل مئات الآلاف المنتجين إلى نازحين يتلقون الإعانات، وتأثير ذلك على شبكة الأمان الاجتماعي وتسرب الأطفال من المدارس، وتفشي البطالة وسط الشباب والفتيات".
وتابع: "حتى إذا توقفت الحرب فإن الدعم السريع ملزمة بتعويض هذه الخسائر على مستوى أصول المشروع، والتعويضات الفردية لجميع المتضررين وإعادة المنهوبات.. لن تسقط هذه الجرائم بالتقادم".
عندما عاد محمد أبوبكر إلى المستودع الخاص بتخزين المحاصيل قرب المنزل في أحد أرياف المدينة عرب وجده فارغًا، حدث ذلك بعد دقائق قليلة من مغادرة قوات الدعم السريع المنزل وهي مدججة بالأسلحة، وعشرات الدراجات النارية التي أصبحت من الوسائل الرائجة للتنقل عند تنفيذ الغارات على الأرياف التي تأوي ملايين المدنيين بما في ذلك من فروا من القتال من مدن أخرى.
يقول أبوبكر "عندما قررت إقامة مطبخ جماعي بتوفير الإمداد الغذائي من المحاصيل المخزنة بالبيوت، وجدنا مستودعاتنا فارغة، لقد نهبوا كل شئ حتى أكياس تعبئة الحبوب".
لم تتوقف الدعم السريع عن مهاجمة القرى في بعض المناطق، شيد المواطنون الحواجز الترابية على القنوات المائية التي تقوم بإيصال المياه إلى المشروع الزراعي لمنع تقدم هذه القوات، لكنهم في منطقة المعليق أجبروا على فتح هذه الحواجز تحت تهديد السلاح.
يقول مصدر من برنامج الأغذية العالمي بالأمم المتحدة لـ"الترا سودان"، إن تمدد الحرب إلى ولاية الجزيرة أدى إلى وضع ملايين المدنيين في مستويات خطيرة من الأمن الغذائي والاقتراب من عتبة المجاعة.
وأضاف: "أهمية ولاية الجزيرة أنها كانت توفر الطعام للمدنيين، حتى في المدن الأخرى الواقعة تحت سيطرة الجيش بشكل مباشر وغير مباشر، أسعار الحبوب في الأسواق كانت في مستويات معقولة، اليوم بعد ثلاثة أشهر من الحرب لا يمكن العثور على أسعار معقولة للحبوب في أسواق الولايات المجاورة".
وتنفي قوات الدعم السريع التقارير التي نشرتها لجان المقاومة في ودمدني والحصاحيصا حول الانتهاكات التي وقعت في الولاية، وتقول إن "مجموعات متفلتة" هي التي تنفذ الانتهاكات بحق المدنيين وأنها تعمل على مكافحتها.
أشرفت الدعم السريع على انتخاب إدارة مدنية في ولاية الجزيرة لوقف الإنفلات الأمني وحماية المدنيين، لكن مراقبون يقولون إن الإدارة المدنية لن تستطيع فعل ما عجزت عنه قيادة هذه القوات
ونهاية آذار/مارس الماضي، أشرفت الدعم السريع على انتخاب إدارة مدنية في ولاية الجزيرة لوقف الإنفلات الأمني وحماية المدنيين، لكن مراقبون يقولون إن الإدارة المدنية لن تستطيع فعل ما عجزت عنه قيادة هذه القوات.
وبعد مرور ثلاثة أشهر من هجوم الدعم السريع على ولاية الجزيرة، تخطط وكالات الأمم المتحدة لنقل الإغاثة ضمن قوافل مساعدات، توجهت إلى مختلف أنحاء البلاد من بينها ولاية الجزيرة، التي تحولت من منطقة منتجة للقمح والذرة والفول السوداني والخضروات إلى انتظار الغوث.