تشهد معسكرات إقليم دارفور ظروف إنسانية مريرة مستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمان، وضاعفتها الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والتي انطلقت شرارتها في الخامس عشر من نيسان/أبريل من العام الماضي.
وما تزال أعداد النازحين في السودان في ازدياد مستمر، حيث فر حوالي (8.4) مليون شخص من منازلهم منذ اندلاع الاشتباكات، وهذا يشمل حوالي (6.5) مليون شخص نازح داخل السودان، و1.7 ملايين آخرين عبروا الحدود نحو دول الجوار. وارتفع عدد النازحين بنحو (53,500) شخص خلال الأسبوع الماضي وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة. ويتواجد النازحون في (6,771) موقعًا -بزيادة قدرها 62 موقعًا خلال الأسبوع الماضي- في جميع ولايات السودان.
توجد أعلى نسب للنازحين في السودان في إقليم دارفور، والذي كان يحتوي بالفعل على أعداد ضخمة من النازحين في المعسكرات القائمة منذ حرب 2003
وتوجد أعلى نسب للنازحين في السودان في إقليم دارفور، والذي كان يحتوي بالفعل على أعداد ضخمة من النازحين في المعسكرات القائمة منذ حرب 2003 وما بعدها. ويمثل النازحون في دارفور (37) في المائة من النازحين داخل البلاد، ومع هذا العدد تتضاعف المعاناة الإنسانية كل يوم غربي السودان.
معاناة مضاعفة
وشكا النازح بمعسكر "أبوشوك" بمدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، محمود أحمد حسن، من الظروف المريرة التي يمرون بها في معسكرات النزوح، والتي ضاعفتها الحرب الحالية، ومقدار الاحتياجات والشح في أبسط مقومات الحياة.
وأشار محمود أحمد حسن في حديثه لـ"الترا سودان"، إلى تضاعف المعاناة في معسكرات النزوح بعد مقدم الفارين من الحرب القائمة في بقية ولايات دارفور إلى المعسكر، وتوقف الدعم الذي كان الناس يتحصلون عليه في السابق، وذلك للزيادة الكبيرة في أعداد النازحين.
وشهدت ولايات إقليم دارفور معارك عنيفة منذ اندلاع الحرب، وسيطرت قوات الدعم السريع على أربع عواصم من أصل خمس في الإقليم، حيث تبقت الفاشر تحت سيطرة الجيش السوداني والقوة المشتركة للحركات المسلحة.
ظروف مريرة
وشكت النازحة حليمة خميس أبكر من الظروف المريرة التي تتمثل في تدهور الأوضاع الانسانية وانعدام الخدمات الأساسية في المعسكرات، والمتمثلة في الصحة والإصحاح البيئي، مما أدى لتفشي الأمراض ومعاناة المرضى لعدم توفر الإمكانيات المالية لأخذهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
وطالبت النازحة حليمة خميس أبكر، مسؤول النازحين بمفوضية العون الإنساني بتوفير المساعدات للنازحين المقيمين بمدرسة الاتحاد الثانوية بنات.
في نفس الجانب، قالت النازحة حسناء إبراهيم إنها نزحت من حي النهضة بنيالا عاصمة جنوب دارفور، وجاءت إلى مدينة الفاشر بحثًا عن الأمن والغذاء. وأقامت هذه النازحة بمدرسة السلام التي صارت مركز إيواء للنازحين. ولفتت حسناء إبراهيم في حديثها مع "الترا سودان"، إلى أنه بعد مجيئها أصبحت الظروف المعيشية أكثر صعوبة بالمركز، وخاصة في شهر رمضان، وذلك بسبب نقص الغذاء وبقية مستلزمات العيش.
وأشارت حسناء إبراهيم إلى أن غالبية النازحات لجأن إلى ممارسة الحرف اليدوية من صناعة البراتيل والحنة والمشاط وغيرها، ولفتت إلى أن هذه المشغولات اليدوية والسلع البسيطة لا توفر لهم لقمة العيش عندما يتم عرضها في الأسواق.
وطالبت حسناء إبراهيم بتوفير مياه صالحة للشرب ومواد غذائية وكساء للأطفال وكبار السن، ومشمعات للاحتماء ومجابهة تغيرات الطقس.
حرب 15 أبريل
ويحتضن مخيم نيفاشا للنازحين حتى الآن ما لا يقل عن (26) مركزًا للإيواء المؤقت للنازحين الذين وفد بعضهم من ولايات دارفور المختلفة، أما البقية فهم من الذين فروا جراء الاشتباكات والمقذوفات المتفجرة بمخيم أبوجا للنازحين.
وكشف المنسق العام لمعسكرات النزوح واللجوء بدارفور، يعقوب محمد فوري، عن أوضاع إنسانية متدهورة يعيشها النازحون بسبب انعدام الغذاء. وقال يعقوب محمد فوري، في تصريح لـ"الترا سودان"، إن انعدام الغذاء في معسكرات النزوح دفع البعض لجمع أوراق الشجر وصيد الجراد وطبخه وتقديمه للأطفال كوجبة طعام حتى لا يموتوا من الجوع الشديد.
وأكد يعقوب أن معاناة النازحين تضاعفت بعد حرب 15 نيسان/أبريل 2023، مشيرًا إلى توقف المنظمات الإنسانية عن دعم النازحين في المخيمات عقب اندلاع الاشتباكات. واصفًا المعاناة في دارفور بأنها "الأسوأ في تاريخ السودان منذ عقود طويلة".
سوء التغذية
وحول تقارير المنظمات عن كارثة إنسانية وشيكة في دارفور، أكد المنسق العام لمعسكرات النزوح، مصداقية تلك التقارير، كاشفًا عن تسجيل وفيات في المعسكرات بسبب الجوع.
كانت أطباء بلا حدود قد قالت إن ربع الأطفال الذين تم فحصهم في معسكر زمزم للنازحين يعانون من سوء التغذية الحاد
يذكر أن منظمة أطباء بلا حدود كانت قد كشفت عن أوضاع كارثية بمعسكر زمزم للنازحين، والذي يقع بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. ويؤوي معسكر زمزم زهاء (300) إلى (500) ألف نازح. وقالت أطباء بلا حدود في شباط/فبراير الماضين إن معدلات الوفيات وسط الأطفال بلغت (13) حالة وفاة في اليوم الواحد. وبحسب المنظمة فإن ما يقرب من ربع الأطفال الذين تم فحصهم في معسكر زمزم للنازحين يعانون من سوء التغذية الحاد.
وأكدت أن عدم صرف الحصص الغذائية أدى إلى ندرة في المواد الرئيسية للغذاء مثل الدخن والذرة، في ظل عدم تمكن المجتمعات المستضيفة من زراعة المحاصيل في الخريف الماضي بسبب الحرب، وإهمال المجتمع الدولي لضحايا الحرب والنزوح.