شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مناوشات متقطعة وهدوءًا حذرًا خلال اليوم الجمعة، في ظل تصاعد التوترات الأمنية والعسكرية. وتستمر الأوضاع مهددة بالانحدار لمواجهات عنيفة بين الجيش السوداني والحركات المسلحة والمقاومة الشعبية من جهة، وقوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها من جهة.
نقل الأطفال المصابون إلى المستشفى الجنوبي بمدينة الفاشر
وتطوق قوات الدعم السريع مدينة الفاشر منذ أيام، على الرغم من تحذيرات العديد من الأطراف من التصعيد. وتعتبر الفاشر مركز العمليات الإنسانية في إقليم دارفور، وتستضيف بالفعل مئات الآلاف من النازحين الذين فروا من القرى والمدن المحيطة على خلفية هجمات قوات الدعم السريع.
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي صرح مساء اليوم، الجمعة، بأن "كمية الصواريخ والقنابل التي يسقطها الدعم السريع مباشرة على بيوت المواطنين تفوق بكثير تلك التي تسقط على المواقع العسكرية". وقال الناشط بمدينة الفاشر، خالد عبدالحميد آدم إن صاروخين سقطا في لفة "قري" بالقرب من مدرستي الاتحاد والرباط مساء أمس الخميس، وأسفرا عن إصابة ثمانية من الأطفال النازحين من نيالا. وتحولت المدارس والمرافق الحكومية إلى مراكز إيواء جراء التزايد الكبير في أعداد النازحين، والذين يعيشون في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد.
كمية الصواريخ والقنابل التي يسقطها الدعم السريع مباشرة في بيوت المواطنين تزيد عن حجم الكمية التي يسقطها في المواقع العسكرية .
— Mini Minawi | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) May 17, 2024
ونقل الأطفال المصابون إلى المستشفى الجنوبي بمدينة الفاشر، وهو أحد المراكز الصحية القليلة التي ما تزال تعمل بالمدينة، وذلك عقب خروج مستشفى بابكر نهار للأطفال عن الخدمة جراء توسع المعارك. وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد قالت إن قصفًا جويًا لسلاح الطيران الحربي التابع للجيش السوداني بالقرب من المستشفى أسفر عن مقتل اثنين من الأطفال المنومين بالعناية المركزة، وأحد الكوادر الطبية، ما أجبرهم على إخلاء المشفى الذي كانت تدعمه أطباء بلا حدود.
ويشارك خالد عبدالحميد ضمن لجنة إدارة مركز سيد الشهداء الطبي الذي يتم ترميمه فيما يعرف بالنفير في السودان. وأطلق ناشطون حملة لبناء السور وإضافة مساحات للمركز الصحي حتى يكون بديلًا لمستشفى الأطفال الوحيد الذي خرج عن الخدمة. "النفير مستمر لليوم الرابع"، يضيف عبدالحميد.
ناشط: توفر المواد التموينية يظل محدودًا، حيث إن المخزون الحالي موجود في أيدي بعض التجار الذين يبيعونه بأسعار باهظة
وعلى الرغم من التضييق الذي تشهده المدينة جراء المعارك المستمرة والتهديد القائم باجتياح قوات الدعم السريع، إلا أن سكان الفاشر يحاولون متابعة حياتهم اليومية وتأمين احتياجاتهم الأساسية. ويعتمد السكان على بعض الأسواق التي ما تزال تعمل على الرغم من الوضع الأمني المضطرب. ويعد سوق المواشي في جنوب الفاشر وسوق نيفاشا من الأسواق التي تعمل بكامل طاقتها، بينما يعمل السوق الكبير بوسط المدينة بشكل جزئي. ويقول خالد عبدالحميد: "على الرغم من ذلك، فإن توفر المواد التموينية يظل محدودًا، حيث إن المخزون الحالي موجود في أيدي بعض التجار الذين يبيعونه بأسعار باهظة، مما يزيد من معاناة الأهالي في الحصول على الضروريات بأسعار معقولة".
أما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، فإن القرى الغربية للفاشر تواصل إمداد المدينة بالخضروات والفواكه المحلية، ما يساعد على توفير بعض الاحتياجات الأساسية للسكان وسط الظروف الصعبة. هذا الإمداد المستمر من القرى يساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على سكان المدينة، ويساهم في تلبية جزء من احتياجاتهم الغذائية، وسط الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها.
وتحاول قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر لإحكام قبضتها غربي البلاد، وهي تسيطر بالفعل على العواصم الأربع المتبقية لولايات الإقليم الخمس. وتعد الفاشر ذات أهمية إستراتيجية وثقل سياسي كبير في إقليم دارفور، حيث يربطها موقعها الجغرافي مع الولاية الشمالية وبقية ولايات دارفور داخل السودان، كما تتصل بمصر وليبيا عبر الحدود. ويسيطر الجيش السوداني وبعض الحركات المسلحة المتحالفة معه على مدينة الفاشر، وذلك في ظل تعبئة كبيرة وسط المدنيين واستنفار عام للمقاومة الشعبية لصد هجمات الدعم السريع.
حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي قائد حركة جيش تحرير السودان المتحالفة مع الجيش، كان قد أعلن أمس الأول الاستنفار العام في عموم إقليم دارفور. وقال مناوي إنه قد وردت أخبار مؤكدة أن الدعم السريع أطلقت دعوات جديدة للاستنفار من أجل اجتياح مدينة الفاشر.
مناوي طالب المواطنين القادرين على حمل السلاح للمساهمة في الدفاع عن المدينة من اجتياح قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن "الدفاع عن النفس والعرض أمر تكفله جميع القوانين والأديان السماوية". وأعلن أن قوات الدعم السريع أغرت مستنفريها بنهب المدينة.
وتتهم قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة في المناطق التي تسيطر عليها، حيث ينهب منسوبوها الممتلكات، وتنتشر جرائم القتل والاغتصاب. وكانت تقارير قد كشفت عن أدلة على ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وما يرقى للتطهير العرقي في ولاية غرب دارفور العام الماضي، لا سيما عاصمتها الجنينة التي شهدت مذبحة كبرى بحق مجموعة المساليت وغيرها من القبائل في المنطقة.