في الأيام الماضية برز اسم نعمات عبد الله محمد خير، مرشحةً لمنصب رئيس القضاء في السودان، لتصبح بذلك أول امرأة في السودان تتقلد هذا المنصب وربما في أفريقيا.
نعمات عبدالله من الشخصيات المتوافق عليها سودانيًا لرئاسة القضاء قبل قطع الطريق أمامها في اللحظة الأخيرة
وبمجرد الإعلان عن نعمات عبد الله محمد خير، بدأ السودانيون يبحثون عن سيرتها في الملفات القانونية للتعرف عليها أكثر، غير أن جهة ما قطعت الطريقة في اللحظة الأخيرة أمام تولى نعمات رئاسة القضاء، بصورة غامضة أربكت المشهد الانتقالي في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: تنفيذ الوثيقة الدستورية في السودان.. خطوة في طريق الدولة المدنية
وكان من المقرر أن تؤدي نعمات عبد الله محمد خير القسم أمام رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، بعد أن يؤدي هو أمامها القسم رئيسًا مؤقتًا للبلاد. وسرعان ما اجتاحت الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي فرحة عارمة باقتراب سيدة سودانية من رئاسة القضاء، ما سيجعلها في حال عودتها، تنتزع موقعًا ظل حكرًا للرجال على مر التاريخ السوداني.
امرأة شجاعة
تعتبر نعمات عبد الله محمد خير، إحدى الشخصيات التي توافقت عليها قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، لرئاسة القضاء. واشتهرت وسط زملائها بالشجاعة وقوة الشخصية، ورفضها الانقياد لتأييد النظام السابق، في الظاهر على الأقل. كما تُعد من مؤسسي نادي قضاة السودان، الذي سيّر أكثر من موكب إبان الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المخلوع عمر البشير.
وكان حضورها الثوري لافتًا، وهو ما جعل بعض الدوائر المجهولة تعترض عليها، بحجة عدم حياديتها، باعتبارها شاركت في عدة وقفات تنادي باستقلال السلطة القضاء، وقادت موكب القضاء الشهير إلى ميدان الاعتصام في نيسان/أبريل الماضي.
ومن أشهر القضايا التي حكمت فيها، رفضها لطعن وزارة الأوقاف التابعة للبشير في 2016 ضد الكنيسة الإنجيلية السودانية، وحكم آخر حول إنهاء النزاع بين ملاك صحيفة الانتباهة السودانية.
هذا وقد تدرجت نعمات في السلك القضائي، وعملت في محكمة الاستئناف والمحكمة الابتدائية. وهي متزوجة وأم لطفل واحد، وتنتمي إلى وسط السودان.
حظوظ باقية
عقب الإعلان عن اسمها، انقسم الشارع السوداني في جدل قانوني وسياسي حول جدارة نعمات عبد الله في تولى هذا المنصب، كونها امرأة في مجتمع محافظ، ينظر كثير من أفراده إلى دخول النساء العمل العام بحساسية زايدة، وهو غالبًا السبب الذي قطع الطريق أمامها، إن لم يكن ثمة دافع سياسي، أفلح بصورة عاجلة في تحطيم الدرج الذي كانت سوف تصعد عليه، دون أن ينهي بالمرة حظوظها في العودة، لا سيما وأن رئاسة القضاء لا زالت تنتظر التوافق على شخصيها تشغلها.
وتقول سيرتها المبذولة، إن نعمات عبد الله محمد خير انضمت إلى السلطة القضائية مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعملت في محكمة الاستئناف والمحكمة الابتدائية، وتدرجت في السلك القضائي حتى أصبحت قاضي محكمة عليا.
وعملت نعمات عبد الله محمد خير قاضية إلى أن تمت ترقيتها قبل عامين إلى المحكمة العليا، وكانت توكل إليها القضايا الكبرى بعد نظام الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري، حيث برز اسمها وقتها في محكمة قضية عدنان خاشجي، أحد أبرز المتهمين بتدبير عملية ترحيل اليهود الفلاشا من السودان إلى إسرائيل.
وبحسب ما رُشح من معلومات، فإن مواقفها المهنية تتسم بالنزاهة والاستقامة، وبالجهر بالآراء دون تردد. وقد انتشرت لها صور على مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد الإعلان عن اسمها مرتديةً الثوب الأبيض الذي يميز المرأة السودانية العاملة عن غيرها.
خلاف حول رئيس القضاء
وجدير الإشارة إلى أن منصب رئيس القضاء ظل مسار خلاف وجدل بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير طيلة الأسابيع الماضية، ولم يشغله أحد بعد اعتراض العسكري على ترشيح الحرية التغيير لعبدالقادر محمد رئيسًا للقضاء يوم الخميس الماضي، بحجة عدم دستورية الخطوة، كون مجلس القضاء الذي لم يتكون بعد، هو من يقوم بالخطوة.
وأعلن عضو المجلس السيادي، محمد الفكي سليمان، إرجاء إعلان اسمي رئيس القضاء والنائب العام، لتباين وجهات النظر حولهما، إلى حين حسم المسألة بالتوافق عليهما.
"تجمع القضاة السابقين"، دخل على خط أزمة ترشيح نعمات لرئاسة القضاء، إذ قال التجمع في بيان تلقى "الترا صوت" نسخة منه، إن "ما يجري من تواصل وتنسيق بين كوادر النظام السابق داخل الهيئة القضائية والنيابة مع القصر الرئاسي بغرض تنصيب رئيس قضاء ونائب عام، من بينهم، وبمعرفتهم".
ولفت التجمع في بيانه إلى أن "الجهة التي كانت وراء التحريض على رفض مرشحي قوى الثورة، القاضيين عبدالقادر محمد أحمد، ومحمد الحافظ، انتقلت جهودها داخل الهيئة القضائية للعمل على استبعاد مرشح نادي القضاة" أي القاضية نعمات عبدالله محمد خير، وذلك بعد أن تم قبول ترشيحها وإخطارها للمثول أمام القصر من قبل سكرتارية مجلس السيادة، وفقًا لبيان تجمع القضاة السابقين.
جدل قانوني وسياسي
ورغم التأييد الكبير الذي وجدته نعمات عبد الله محمد خير، إلا أن ثمة آراء انقسمت حولها، بين معترض على تولي امرأة لهذا المنصب الحساس، وبين من يتشكك في انتمائها للنظام السابق.
وكتب أبوبكر عثمان، تغريدة على تويتر متسائلًا فيها: "نعمات عبد الله محمد خير دي مش كانت عضو المكتب التنفيذي لمنظمة نهضة بلدنا في عام 2015، ولا دي واحدة تانية؟"، معتبرًا ترشيحها إعادة صريحة لإنتاج النظام بقضاة زمن "حكومة الكيزان"، في إشارة إلى نظام البشير.
50% للنساء
إلى جانب ذلك، برزت عديد الأصوات النسائية تطالب بالمشاركة الفاعلة للمرأة في المرحلة الانتقالية. وكان الاتحاد النسائي السوداني، قد نظم الأيام الماضية وقفة احتجاجية أمام مقر تجمع المهنيين بمشاركة من عضوات مبادرة "لا لقهر النساء"، اعتراضًا على ضعف مشاركة النساء.
نشطت حملة في السودان تنادي بالمشاركة الفعالة للمرأة في المرحلة الانتقالية، بالمناصفة في هياكل للسلطة بنسبة 50% للنساء أسوة بالرجال
كما نشط وسم على فيسبوك، ينادي بالمناصفة في هياكل السلطة، بنسبة 50% للنساء أسوة بالرجال. وتقدمت حملة "50% للنساء"، للرأي العام السوداني وقوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء المجمع عليه، بقائمة ترشيحات تحوي نساء سودانيات يتحلين بالكفاءة والجدارة المطلوبتين لتولي حقائب وزارية في الفترة الانتقالية.
اقرأ/ي أيضًا:
تفاصيل محاكمة البشير.. رشاوى في خدمة المصالح السعودية والإماراتية
تقدير موقف: اتفاق المرحلة الانتقالية في السودان.. فرص النجاح والعقبات