في السودان لا سيما في أوساط المثقفين وقادة العمل السياسي المدني ثمة اعتقاد بأن "إسرائيل" في انتظار "الطرف المنتصر" في حرب السودان، ولذلك تلوذ بالصمت إزاء الصراع المسلح منذ ثمانية أشهر في البلاد، إلا من "وساطة خجولة" قادتها لجمع الجنرالين –البرهان وحميدتي– إلى طاولة واحدة بعد شهر واحد من اندلاع الصراع في الخرطوم.
تنتظر "إسرائيل" توقف حرب السودان لاستئناف "التفاهمات المعلقة" مع هذا البلد منذ مطلع هذا العام
تزداد هذه القناعات لدى السياسيين وقادة العمل المدني والنقابي في السودان نظرًا إلى علاقة تل أبيب بالبرهان وحميدتي ووقوفها "على مسافة واحدة من الجنرالين السودانيين" اللذين تقربا من "إسرائيل" خلال الأعوام الماضية عقب الإطاحة بنظام عمر البشير، مستغلين ضعف القوى المدنية.
"ثقب صغير" تنظر به "إسرائيل" إلى الصراع المسلح في السودان، وعينها على عملية التطبيع التي لم تكتمل جراء اضطراب الوضع السياسي في الخرطوم عقب الانقلاب على الحكومة المدنية، مع ضغوط المجتمع الدولي على الجنرالين الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش من جهة ونائبه السابق قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) لإنهاء الانقلاب والعودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي والحكم المدني.
تمكن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من كسر "جدار العزلة" بين السودان والاحتلال الإسرائيلي، حينما فاجأ السودانيين بلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير 2020 في عنتيبي الواقعة على مقربة من العاصمة الأوغندية كمبالا، وهو أول مسؤول سوداني يختبر هذا المستوى من التقارب مع الدولة العبرية.
وساطة خجولة
منذ اندلاع الحرب في السودان، لم تعلق "إسرائيل" على الوضع في السودان سوى في الشهر الأول للصراع، وحثت الطرفين المتحاربين على العمل على "طي الخلافات بالطرق السلمية" وإيقاف القتال. ومضت تل أبيب أبعد من ذلك، وعرضت وساطة لعقد لقاء بين الجنرالين السودانيين المتصارعين، لكن لم تجد استجابة تذكر منهما، لاعتقاد كل طرف آنذاك بأن الحسم العسكري هو الخيار الأمثل.
جاءت التحركات الإسرائيلية التي وصفت بالخجولة عقب ضغوط أمريكية عل المسؤولين الإسرائيليين لاستغلال تأثيرهم على الطرفين المتحاربين في السودان لدفعهما إلى طاولة المفاوضات.
آمال التطبيع
يقول الناشط الحقوقي أحمد ضوء البيت لـ"الترا سودان" إن "إسرائيل" تخشى من ضياع "آمال التطبيع" في السودان، فقد كان مقررًا إتمام العملية هذا العام وفتح قنوات التواصل الدبلوماسي – حسبه، مضيفًا: "تعثر كل هذا تمامًا باندلاع الحرب في السودان في وقت لا تملك فيه إسرائيل القدرة على التأثير على الطرفين"، فهي لا تستطيع التوسط من أجل السلام مع تورطها في الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني – حسب قوله.
ويرى ضوء البيت أن "إسرائيل" تريد في كل الأحوال السيطرة العسكرية على السلطة في السودان حتى تتمكن من إقامة علاقات دبلوماسية مع نظام شمولي، فهي –حسب ضوء البيت– "لا تشجع القوى المدنية لأن أغلبها يعارض التقارب معها، خاصةً القوى اليسارية، والقوى المدينة في السودان متأثرة باليسار إلى حد ما" – وفق تحليله.
ومع دخول الحرب شهرها التاسع، لا تشعر "إسرائيل" بالعجلة إزاء الملف السوداني خاصةً مع الهجمات التي تشنها منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي على قطاع غزة، وربما ما تزال تأمل أن يتصافح الجنرالان السودانيان بالأيدي بدلًا عن بنادق جنودهما حتى تتمكن من استئناف عملية التطبيع المتعثرة مع السودان.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية محمد كمال لـ"الترا سودان" إن "إسرائيل" تقف في "خانة المتفرج" عقب تعثر "وساطتها الخجولة" في نيسان/أبريل الماضي بعد أقل من شهر على اندلاع الاشتباكات في السودان، لافتًا إلى أنها "تقف على مسافة واحدة من الجنرالين المتحاربين بعد أن تنافسا على كسب ودها خلال الأعوام الثلاثة الماضية وتجاوزا الحكومة المدنية التي أطاحا بها في تشرين الأول/أكتوبر 2021 بإيعاز أو بتشجيع من تل أبيب، خشية أن تقوض القوى المدنية الديمقراطية في السودان خطط التطبيع" – حسب قوله.
ويرى كمال أن "إسرائيل" لا ترى في السودان "شيئًا يستحق النظر"، فهي –بحسبه– لا تكترث بانتهاكات الحرب ضد المدنيين في أي مكان في العالم، وما يعنيها في أمر السودان هو أن يحكمها قادة مستعدون لمصافحتها خلال التطبيع، فهي تبحث عن اعتراف من بلد ما في كل صباح – وفق قوله. وأردف: "ما يزال الوقت مبكرًا لتظهر إسرائيل موقفها، لكن إن حدثت تطورت مع استمرار الحرب وفرض أي طرف سيطرته على الأرض، ربما تعرض إسرائيل اعترافها بالمنتصر مقابل التطبيع، لأنها تبحث عن مصالحها فقط".