منذ اللحظات الأولى لانقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2021، اشتعلت شوارع السودان فوق اشتعالها مطالبة بالحكم المدني في البلاد، حيث قادت لجان المقاومة والمجموعات الشبابية النشطة احتجاجات عارمة في الشوارع دخلت عامها الثاني بعنفوان مثير للإعجاب، في وقت تواجه فيه السلطات هذه الاحتجاجات بالقمع المفرط الذي حصد أرواح أكثر من (125) شهيدًا منذ صبيحة الانقلاب، فيما أصيب الآلاف بحسب إحصائيات اللجان الطبية التي ترصد الانتهاكات في المواكب.
أثار مقطع فيديو متداول من احتجاجات 28 شباط/فبراير بالخرطوم الكثير من الغضب والحزن في السودان
وأثار مقطع فيديو متداول من احتجاجات 28 شباط/فبراير بالخرطوم، الكثير من الغضب والحزن في السودان، حيث أظهر المقطع رجلًا بزي الشرطة السودانية وهو يقوم باغتيال طفل من المحتجين بمنطقة شرق النيل، مطلقًا عليه الرصاص الحي من مسافة قريبة للغاية.
بعدها بوقت قصير أكد تجمع لجان المقاومة بأحياء الحاج يوسف في الخرطوم، ارتقاء الشهيد برصاص الشرطة، وقال في بياناته إن الفقيد هو الشاب إبراهيم مجذوب، والذي قالت المصادر إنه يبلغ من العمر (16) عامًا.
الشرطة أصدرت بيانًا في بادئ الأمر أكدت فيه علمها بمقتل أحد المواطنين بعد أن اتهمت المحتجين بالميل عن السلمية وتخريب مقارها ومركباتها، ثم أشارت رئاسة قوات الشرطة في بيان لاحق لوضعها الضابط الذي يظهر في المقطع وهو يطلق النار، قيد "الإيقاف الشديد" و"تشكيل مجلس تحقيق في مواجهته"، ورفع الحصانة عنه لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
ردود الفعل الجارفة على مواقع التواصل كانت تعبر عن الحزن والصدمة، وطالب مغردون بالعدالة للشهيد، كما تداول متفاعلون مقطع فيديو يظهر فيه والد الشهيد وهو يؤكد "استمرار الثورة" داعيًا بالرحمة لابنه إبراهيم، وشاكرًا الشباب على وقفتهم مع الأسرة.
مدارس المعارف التركية التي كان يدرس بها الفتى الشهيد بالمرحلة الثانوية، كتبت هي بدورها نعيًا على صفحتها الرسمية باسم إدارتها والعاملين، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل إبراهيم مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقًا.
المحامي علي عجب كتب في منشور مطول عن الحيثيات القانونية للجريمة، موضحًا أنها "جريمة كاملة موثقة"، قائلًا إنها "تعكس تفشي حالة الإفلات من العقاب التي وصل إليها الوضع في السودان"، مضيفًا أن "الشرطي الذي قتل الشهيد الثائر لا جدال في كون الفعل الذي ارتكبه قتل عمد، فلم يكن هناك هجوم حال يستدعي إطلاق النار، ولم يكن الشرطي في حالة دفاع عن النفس ولم يكن المجني عليه يحمل سلاح"، موضحًا أن بلاغ الجريمة يجب أن يدون ضد "كل المتورطين"، وهم "الشرطي ومدير عام الشرطة والقائد الميداني للقوة التي يتبع لها الشرطي القاتل، ووكيل النيابة الميداني إذا كان قد اتخد الأمر بإطلاق النار في هذه الظروف" - حد قوله.
الناشط سيد الطيب استرسل في توصيف الظروف التي حدثت فيها الجريمة، قائلًا إن "إعدام إبراهيم رميًا بالرصاص" لم يكن "تصرفًا فرديًا" كما أشارت الشرطة في بيانها، مشيرًا إلى عدم تحرك أفراد الشرطة الآخرين الظاهرين في مقطع الفيديو المتداول لاغتيال الشهيد إبراهيم مجذوب، ولم يقتلعوا منه السلاح ولم يعتقلوه لحظيًا. وعدد سيد الطيب الأسباب التي يرى فيها أن هذا لم يكن "تصرفًا فرديًا" كما تقول بيانات الشرطة.
أما عبدالرحمن، فتساءل موجهًا حديثه للشرطي مطلق النار: "لأجل من قتلته؟ لأجل من طبع مع الكيان الصهيوني؟" في إشارة إلى تطبيع النظام في السودان مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وزيارة وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين قبل أسابيع، وقال عبدالرحمن عابدين: "كده أنت خسرت دنياك وآخرتك ودينك والعرف والإنسانية، وما أنت أقسمت على حمايته".
من جانبه أوضح محمد مصطفى عوض، أن الفرق بين التصرف الفردي والقتل الممنهج "هو قياس الواقعة ما بين سلوك الفرد ورد فعل المجموعة"، مشيرًا إلى أن تعامل قوات الشرطة الحاضرة للحادثة اتسم بالبرود، قائلًا إن "القتل مترسخ في أذهانهم كشيء عادي"، داعيًا بالرحمة والمغفرة للشهيد إبراهيم مجذوب.
إن جريمة اغتيال الشهيد إبراهيم مجذوب بمنطقة شرق النيل في العاصمة الخرطوم برصاص الشرطة السودانية، هي بالتأكيد ليست الأولى من نوعها، فمنذ سنوات طويلة لم تعرف رصاصات منسوبي القوات النظامية وجهة لها سوى أجساد وصدور المواطنين السودانيين العزلن سواء في العاصمة أو في الأطراف، ولكن التوثيق الدقيق لمقطع الفيديو أصاب الناس بالذهول من فداحة الجرم؛ كان إبراهيم طفلًا مقبلًا على الحياة خرج من منزلهم في احتجاجات سلمية ضمن أقرانه للمطالبة بحياة كالحياة في السودان، ليعود إلى منزله محمولًا على الأكتاف وهو مكفنٌ بعلم نفس البلاد التي حلم في يوم ما أن تحمل عنه همه وهم أهله وجميع السودانيين في العيش الكريم.