31-يناير-2023
محتجون في الخرطوم يحملون أعلام إثيوبيا وإريتريا والسودان والصومال - نيسان/أبريل 2019 (AFP)

تستمر الاحتجاجات في السودان رغم المبادرات المتعددة والتوقيع على الاتفاق الإطاري (Getty)

  في وقت تتواصل فيه ورش ومؤتمرات "القضايا الخمس" ضمن ما أسمته الآلية الثلاثية بـ"المرحلة النهائية للعملية السياسية السودانية"، والتي من المفترض أن تختتم باتفاق نهائي بين أطراف الاتفاق الإطاري ينهي الأزمة السياسية الناجمة عن انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، ويفضي إلى تشكيل حكومة مدنية لها سلطة على الأجهزة العسكرية، تستعد مجموعة الكتلة الديمقراطية للمغادرة إلى مصر وذلك للمشاركة في "ورشة القاهرة" ضمن المبادرة المصرية التي طرحها رئيس المخابرات اللواء عباس كامل عند زيارته للبلاد مطلع الشهر الجاري، والتي أعلن أنها ترمي "لتوفير منبر للأطراف السودانية في القاهرة".

طرحت مصر مبادرتها عقب مرور حوالي الشهر من التوقيع على الاتفاق الإطاري ثم أتت زيارة آبي أحمد للخرطوم في ظل استمرار مؤتمرات المرحلة النهائية من العملية السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية الدولية

طرحت مصر مبادرتها عقب مرور حوالي الشهر من التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، ولقيت المبادرة قبولًا وسط مجموعة الكتلة الديمقراطية المشاركة في الحكم والمتهمة بدعم الانقلاب، في وقت تؤكد فيه الآلية الثلاثية التي تيسر العملية السياسية على سعيها لإشراك "كافة القوى الوطنية" في السودان في الاتفاق الإطاري. 

وكانت قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي قد أعلنت بصريح العبارة رفضها المشاركة في "ورشة القاهرة"، قائلة إن "الاتفاق الإطاري قد وضع أساسًا جيدًا لعملية يقودها ويمتلكها السودانيون"، مما يجعل الورشة "متأخرة عن هذا السياق"، و"قد تجاوزها الزمن فعليًا"، بحسب بيان لها عقب تلقي دعوة رسمية من القنصل المصري في الخرطوم. وكانت لغة بيان لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بقوى الحرية والتغيير قوية بعض الشيء، حيث وصفت اللجنة الورشة المزمع عقدها بأنها منبرٌ "لقوى الثورة المضادة"، والتي "تسعى لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي".

رئيس المخابرات المصري اللواء عباس كامل ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان
لقاء رئيس المخابرات المصري اللواء عباس كامل ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان

كما أشار بيان مجموعة المجلس المركزي إلى أن "الموقف المصري من التطورات السياسية في السودان في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة يحتاج لمراجعات عميقة تتطلب تفاكرًا حقيقيًا على المستوى الرسمي والشعبي بين البلدين"، في إشارة إلى الدعم المصري الذي وجده الانقلاب في السودان -بحسب مراقبين- بجانب مواقف السلطات المصرية من التطورات في السودان منذ انتصار الثورة السودانية والتي يراها متابعون بأنها تميل للجانب الأمني وتدعم العسكريين، خصوصًا في ظل التنسيق العالي بينهم والسلطات في مصر، والتي تكشف عنها الرحلات المكوكية بين الخرطوم والقاهرة مع كل منعطف تمر به البلاد، مع شكوك يعبر عنها المحتجون في الشوارع منذ بدايات الثورة السودانية تجاه التدخلات والأجندة المصرية في البلاد.

وبعد رفض قوى الحرية والتغيير لورشة القاهرة عبر بيانها حاد اللهجة تجاه السلطات المصرية بأيام، زار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الخرطوم، حيث التقى برئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، معلنًا أن الغرض من زيارته "هو إظهار التضامن والوقوف مع حكومة وشعب السودان للوصول لتوافق وطنى"، ما يلمح لمبادرة إثيوبية أيضًا فيما يتعلق بالأزمة السياسية السودانية، وهو ما أعاد الإشارة إليه بيان لجنة اتصال الحرية والتغيير لاحقًا، والذي قال إن رئيس الوزراء الاثيوبي آبي احمد رحّب في لقائه بهم "بزيارة قيادات الحرية والتغيير للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في أقرب وقت ممكن، للقائه وتعميق الحوار في هذا الوقت المفصلي الذي يمر به البلدين". وكان آبي أحمد أيضًا قد التقى بأطراف غير موقعة على الإطاري ما يؤكد سعيه للوساطة في  السودان من جديد.

https://t.me/ultrasudan

زيارة آبي أحمد لا يمكن قراءتها خارج سياق رد الفعل الإثيوبي على المبادرة المصرية، في ظل ما يشبه "التدافع" بين دول الإقليم والمجتمع الدولي على السودان، فبينما تشارك السعودية والإمارات مع بريطانيا وأمريكا ضمن اللجنة الدولية الرباعية التي دعمت جهود الآلية الثلاثية للوصول للاتفاق الإطاري، إلا أن مصر المقربة منهم تدعم مبادرتها وحدها، والتي تتحدث عنها الأطراف السودانية الرافضة للإطاري أكثر منها. وها هي إثيوبيا تنشط مرة ثانية بعد أعوام من وساطتها بين نفس القوى عقب فض الاعتصام.

لقاء لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية لقوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد
لقاء لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية لقوى الحرية والتغيير - مجموعة المجلس المركزي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

ويزور المنطقة هذه الأيام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حيث أعلنت الخارجية الأمريكية على لسان الناطق الرسمي نيد برايس، أن من أغراض الزيارة للقاهرة "استعادة انتقال بقيادة مدنية في السودان من خلال الاتفاق السياسي الإطاري"، ما يؤكد محاولات ضغط الولايات المتحدة على القاهرة لدعم الاتفاق الإطاري الذي تدعمه وترعاه عبر اللجنة الرباعية والترويكا الدولية الفاعلة في السودان، والتي تضم الاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة وبريطانيا.

وكانت القاهرة قد راهنت من قبل على المبادرة التي أطلقها رئيس مخابراتها على تحشيد الدعم لحلفائها في السلطة، وذلك عبر إرسال الزعيم التاريخي للطريقة الختمية محمد عثمان الميرغني المقرب من القاهرة إلى الخرطوم، والذي وقف ضد أطراف الإطاري داخل حزبه الاتحادي الأصل ومع الكتلة الديمقراطية المشاركة في الحكم، ومن بعده إرسال القاهرة لمحمد طاهر إيلا رئيس وزراء نظام البشير المتحالف مع مصر إلى بورتسودان، والذي عاد إليها بطائرة مصرية خاصة مستشفيًا، بجانب اعتماد القاهرة على القيادات الأهلية في الشرق، والذين يصرحون في كل سانحة وبصريح العبارة عن دعمهم للمواقف المصرية في الواقع السياسي السوداني.

في وقت كشفت فيه مصادر لصحيفة "العربي الجديد"، أن مسؤولين مصريين أبلغوا بلينكن "استياء القاهرة بسبب تهميشها فيما يخص التعامل مع الأزمة السياسية في السودان"، يأتي ذلك في ظل تخوف مصري من التقارب السوداني الإثيوبي، والحديث عن توافق فيما يتعلق بقضية سد النهضة عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم، والتي أعقبتها زيارة بلينكن للقاهرة مع تسارع للأحداث في السودان يشي بتحولات كبيرة قادمة على المستوى المحلي والتأثير الجيوسياسي المهم للسودان في المنطقة، والذي يتمظهر بجانب سد النهضة في التأثير الروسي على دول الجوار عبر حلفائها في السودان -والحديث يدور هذه الأيام عن الترتيب لانقلاب في أفريقيا الوسطى من السودان- وكذلك مسألة الإتجار بالبشر والهجرة غير النظامية، وملف الإرهاب، وهي أمور في غاية الأهمية بالنسبة للمجموعات الغربية الفاعلة في السودان وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤكد أن هذا التدافع الدولي ليس في مصلحة السودان، فالقوى السياسية والأطراف المحلية تستقوي على بعضها البعض بالقوى الدولية والإقليمية والتي تسعى لتحقيق مصالحها في السودان، والأخطر من ذلك أنها تصفي حساباتها عبره، وهو الأمر الذي يبدو أكثر وضوحًا في المواقف من المبادرة المصرية وزيارة آبي أحمد، ففي الوقت الذي ترفض فيه قوى الحرية والتغيير المبادرة المصرية واصفة إياها بصريح العبارة بأنها "منبر للثورة المضادة"، يؤكد قياديون بالكتلة الديمقراطية شروعهم في الترتيبات للمشاركة في ورشة القاهرة، في ظل مقاطعتهم لمؤتمرات المرحلة النهائية من العملية السياسية المبنية على الاتفاق الإطاري، وذلك بعد تراجعهم عن تصريحات للقيادي سليمان صندل عقب اجتماع مع "حميدتي"، بأنهم توصلوا لاتفاق "بنسبة (95)% مع أطراف الإطاري"، واقترابهم من التوقيع على الاتفاق جنبًا إلى جنب مع المجلس المركزي وغيره من القوى السياسية في السودان.

في خلال كل هذه المبادرات يستمر الوضع الانقلابي في السودان في ظل أوضاع طاحنة تمر بها البلاد وغياب الإجابات على أسئلة الشارع

وفي خلال كل هذه المبادرات الدولية التي سبقتها العديد من المبادرات المحلية، تتواصل الاحتجاجات التي تقودها لجان المقاومة والمجموعات الشبابية الرافضة للحكم العسكري في السودان وسط قمع أمني أودى بحياة العشرات، كما يستمر الوضع الانقلابي الذي نتج عن قرارات تشرين الأول/أكتوبر 2021، في ظل غياب رئيس وزراء أو حتى موازنة معلنة، وأوضاع اقتصادية طاحنة تهدد بمزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والأمني الذي ظلت تشهده البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة، دون الإجابة حتى الآن على أسئلة الشارع ومطالبه في "الحرية والسلام والعدالة".