06-يونيو-2024
تشييع شهداء مجزرة قرية ود النورة

تشييع شهداء مجزرة قرية ود النورة (مقاومة مدني)

كشفت تنسيقية لجان المقاومة بمدينة ودمدني مزيد التفاصيل عن المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات الدعم بقرية ود النورة نهار الأربعاء، الخامس من حزيران/يونيو 2024.

عشرات السكان من ود النورة قتلوا جراء هجوم الدعم السريع على القرية

وقالت لجان مدني إن "عشرات السكان" من ود النورة بمحلية "24 القرشي" في ولاية الجزيرة، قتلوا جراء هجوم الدعم السريع على القرية، والتي تقع غرب مدينة العزازي، مع نهاية مشروع الجزيرة وبداية حدود ولاية النيل الأبيض.

مجزرة بالأسلحة الثقيلة

تقديرات أولية لمجموعة "نداء الجزيرة" تشير إلى مقتل أكثر من (200) شخص جراء استخدام قوات الدعم السريع للأسلحة الثقيلة في الهجوم على ود النورة، والذي استمر من الصباح الباكر واستغرق طوال ساعات النهار.

واضطر الأهالي في ود النورة لاستخدام الأسلحة الصغيرة والبيضاء للدفاع ضد هجمات الدعم السريع. ويقول القيادي في "تيار المستقبل"، معمر موسى محمد إن الهجوم هو الثاني لقوات الدعم السريع على القرية.

معمر موسى الذي ينشط في مجموعة "نداء الجزيرة" التي تعمل على حشد الدعم ورصد الانتهاكات في ولاية الجزيرة، قال لـ"الترا سودان" إن "مليشيا الدعم السريع" هاجمت القرية من قبل وقتلت عددًا من المواطنين خلال نهبها للأسواق، ومن ثم انسحبت. وبحسب موسى بدأت الدعم السريع الهجوم الثاني على قرية ود النورة في الساعة الخامسة من فجر اليوم الأربعاء، وذلك بالقصف باستخدام الأسلحة الثقيلة قبل اجتياح القرية بالكامل.

وبحسب شهادة القيادي في نداء الجزيرة معمر موسى محمد، حاول سكان القرية المقاومة بالأسلحة الخفيفة، ولكن في حوالي السادسة صباحًا تمكنت قوات الدعم السريع من اجتياح القرية، في ظل تجمع للسكان على حدودها. 

استباحة قوات الدعم السريع للقرية

استباحت قوات الدعم السريع القرية بالكامل، ونهبت السوق المركزي وممتلكات المواطنين في المنازل. وبحسب تقديرات معمر موسى، فإن أكثر من (80) بالمائة من قتلى القرية لم يلقوا حتفهم في أي اشتباكات أو مقاومة مع القوة المهاجمة، بل "نُظمت إعدامات ميدانية وتصفيات عقب الاجتياح"، حد قوله. وأضاف: "مؤكد عندي وفق معلومات متطابقة أن بعض القتلى ذبحوا ذبحًا بالسكين على يد منسوبي الدعم السريع".

تؤكد أقوال معمر موسى عن القصف بالأسلحة الثقيلة مقاطع فيديو بثتها لجان المقاومة. تظهر المقاطع استخدام قوات الدعم السريع الأسلحة المضادة للطائرات والدروع في الهجوم على قرية ود النورة. حسابات متخصصة في تحليل البيانات من المصادر المفتوحة أكدت أن اتجاه نيران الدعم السريع الظاهرة في المقاطع التي بثتها لجان المقاومة هو على القرية التي تعد إحدى القرى الكبيرة نسبيًا في المنطقة.

لجان المقاومة أكدت أن الهجوم كان بغرض السلب والنهب، مؤكدة أن تعداد الضحايا ما يزال جارياً، وسط انقطاع شبكات الاتصال والإنترنت في القرية ومعظم مناطق الجزيرة.

مأساة في الجزيرة

وتشهد عموم مناطق ولاية الجزيرة انقطاعًا في خدمات الاتصالات منذ حوالي ستة أشهر. وكانت مصادر متطابقة قد أكدت أن قوات الدعم السريع أمرت الفنيين في شباط/فبراير الماضي بإيقاف المحولات الرئيسية لشركات الاتصالات المحلية. كما تعاني الولاية من تذبذب خدمات الكهرباء والإمداد المائي، في ظل انتهاكات مروعة لقوات الدعم السريع والجماعات المسلحة التابعة لها.

وقالت لجان مقاومة مدني في رصدها للأحداث بود النورة، إن السكان شيعوا الشهداء ودفنوهم بشكل جماعي في ميدان عام. وانتقدت تمركز القوات المسلحة داخل محلية المناقل المتاخمة، في ظل استمرار انتهاكات الدعم السريع بحق المدنيين في القرية.

ولفتت اللجان لاستخدام الدعم السريع المدفع الثنائي والمدافع الثقيلة في الهجوم على سكان القرية، كما أكدت نهب القوات المهاجمة لكل ما وقعت عليه أيديها أثناء الاجتياح.

ناشطون على مواقع التواصل بثوا مقاطع فيديو تظهر تشييع عشرات القتلى من المجزرة في ود النورة. وشيعت القرية قتلاها ودفنوا في مقبرة جديدة بميدان كبير وسط الأحياء السكنية.

وتصاحب هجمات قوات الدعم السريع على قرى ولاية الجزيرة أعمال نهب وقتل واسعة النطاق، تسببت في شح كبير في المواد الغذائية والأدوية والمحاصيل. تهدد هذه الهجمات بمفاقمة الفجوة الغذائية في ولاية الجزيرة التي تعد قلب السودان الزراعي، وتعتمد عليها البلاد بشكل كبير في إنتاج الحبوب والمحاصيل النقدية.

مجلس السيادة: جريمة نكراء

مجلس السيادة الانتقالي الذي يرأسه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وصف المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في قرية ود النورة بأنها "جريمة نكراء يندى لها جبين الإنسانية". وقال في بيان على خلفية الأحداث، إن الدعم السريع أقدمت على ارتكاب مجزرة بشعة في حق المدنيين العزل في قرية ود النورة بولاية الجزيرة، مؤكدًا أنه قد راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين الأبرياء.

وشدد مجلس السيادة في بيانه الذي اطلع عليه "الترا سودان"، على أن هذه الأفعال الإجرامية "تعكس السلوك الممنهج لهذه المليشيات في استهداف المدنيين ونهب ممتلكاتهم وتهجيرهم قسريًا من مناطقهم".

ودعا البيان المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لإدانة واستنكار هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها إعمالًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب.

رد قوات الدعم السريع

وفي أول ردة فعل لها على الأحداث، قالت قوات الدعم السريع إن "مليشيا البرهان وكتائب المجاهدين حشدت قوات كبيرة في ثلاثة معسكرات للعدو في غرب المناقل بمنطقة ود النورة بولاية الجزيرة بغرض الهجوم على قواتنا في جبل الأولياء"، وفق بيان اطلع عليه "الترا سودان".

أكد بيان الدعم السريع هجومها على القرية في تمام الخامسة من صباح الأربعاء، وادعى أن الهجوم استهدف "ثلاثة معسكرات غرب وجنوب وشمال منطقة ود النورة"، وقال البيان إن هذه المعسكرات "تضم قوات من مليشيا البرهان، وجهاز المخابرات، وكتيبة من كتائب الإسلاميين المعروفة بـ(الزبير بن العوام) إلى جانب مستنفرين"، حد قوله.

الدعم السريع قالت إن المعسكرات التي هاجمتها "تقع خارج ود النورة". وشددت قيادة قوات الدعم السريع أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تحركات أو تجمعات للعدو".

يذكر أن قيادة الدعم السريع كانت قد أقرت في وقت سابق بارتكاب انتهاكات بولاية الجزيرة، نسبتها إلى من وصفتهم بـ"المتفلتين". وقالت إنها تتعامل مع البلاغات عن الجرائم التي ترتكب بولاية الجزيرة بـ"الجدية والحسم اللازمين".

وقال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع في شباط/فبراير الماضي، إن قيادة القوات فور تلقيها بلاغات بالانتهاكات في ولاية الجزيرة، وجهت لجنة حسم التفلتات والظواهر السالبة وقيادة القوات بولاية الجزيرة، بالتحرك الفوري إلى القرى والتعامل الحاسم مع المتفلتين واستخدام كافة الوسائل التي تضمن أمن وسلامة المواطنين والوقوف على الشكاوى ومعالجتها فورًا.

وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على هذا البيان، تستمر الانتهاكات المروعة بولاية الجزيرة، والتي تشهد واحدة من أقسى الفصول في تاريخها، حيث تحصي لجان المقاومة أكثر من ألف قتيل وسط المدنيين منذ اجتياح قوات الدعم السريع للولاية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في ظل أعمال نهب وقتل وسرقات وانفلات كبير في الأمن بالولاية الواقعة في وسط البلاد.

المؤتمر السوداني يدين

حزب المؤتمر السوداني الذي يعد أبرز التنظيمات ضمن تحالف قوى الحرية والتغيير، أدان مجزرة ود النورة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. وقال في بيان له اطلع عليه "الترا سودان"، إن الهجوم أسفر عن "ارتكاب مجزرة حقيقية وجريمة بشعة". مؤكدًا أن القوة المهاجمة قامت بعمليات سلب و نهب واسعة لممتلكات وسيارات الأهالي.

المؤتمر السوداني: ندين هذه الجريمة البشعة التي ولغت فيها قوات الدعم السريع، وكل جرائمها في إقليم الجزيرة منذ سيطرتها على معظم جغرافيته

المؤتمر السوداني ترحم في بيانه على أرواح المدنيين بقرية ود النورة، وأضاف: "ندين هذه الجريمة البشعة التي ولغت فيها قوات الدعم السريع، وكل جرائمها في إقليم الجزيرة منذ سيطرتها على معظم جغرافيته". ودعا قيادة هذه القوات إلى التوقف عن ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات في حق الأبرياء العزل في إقليم الجزيرة وغيره.

وشدد المؤتمر السوداني الذي يشارك في تنسيقية "تقدم" التي وقعت على إعلان سياسي مع الدعم السريع مطلع العام - شدد على أنه لا مناص في جرائم وانتهاكات حرب 15 أبريل من إجراء حكم القانون والمثول أمام منصات العدالة لكل منفذيها.

قرية ود النورة

قرية ود النورة المنكوبة هي واحدة من أكبر القرى بالمنطقة، وتكاد تكون مدينة قائمة بذاتها ضمن محليات ولاية الجزيرة، حيث تحتضن القرية سوقًا كبيرًا يجمع القرى المجاورة، وهي مقر لعدد من الشركات الزراعية ومعاصر الزيوت.

بالقرية مستشفى ومجموعة من المراكز الصحية والبيطرية، فضلًا عن قسم للشرطة وعدد من مدارس الأساس الحكومية ومدارس ثانوية حكومية وخاصة. في قرية ود النورة أيضًا محطة تنقية مياه وعدد كبير من المساجد. وتربط ود النورة طرقات سفرية بولاية النيل الأبيض والعاصمة الخرطوم. وتعتمد اقتصاديًا على الزراعة والتجارة.

الشهادات منذ صباح الأربعاء الباكر تقول إن هجوم الدعم السريع لم يقتصر على ود النورة وحدها، حيث شهدت الجترة المجاورة هجمات مشابهة وعمليات تهجير من قبل قوات الدعم السريع. وقال مصدر  محلي لـ"الترا سودان" إن هذه القوات ما تزال متمركزة بالقرب من المنطقة.