مرة أخرى جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في زيارته للعاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي، طلب موسكو بشأن إنشاء "قاعدة عسكرية روسية" في داخل الحدود السودانية على البحر الأحمر.
وقال مسؤولان سودانيان لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، إن "الجيش السوداني أنهى تقييمًا لاتفاق مع روسيا لإنشاء قاعدة بحرية روسية في البلاد".
وقال المسؤولان اللذان فضلا حجب اسميهما، إن "الاتفاقية بانتظار تشكيل حكومة مدنية وجسم تشريعي لإجازتها قبل دخولها حيز التنفيذ".
باحث: المصالح الآنية تلعب دورًا والإرجاء إلى التشريعي مجرد مناورة مؤقتة
وأفادت المصادر لـ"أسوشيتد برس"، بأن "موسكو التزمت بأحدث مطالب السودان"، بما في ذلك "تزويده بالأسلحة والمعدات".
والاتفاق والتقارب الشديد بين الخرطوم وموسكو في عهد البشير، انتقلا إلى عهد الفترة الانتقالية التي شارك فيها المدنيون والعسكريون في السلطة الانتقالية، وذلك بالموافقة رسميًا على قاعدة عسكرية روسية في مدينة بورتسودان الإستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وينص الاتفاق على أن تحتفظ موسكو بالقاعدة لمدة (25) عامًا مع تمديد تلقائي لمدة (10) سنوات بحال لم يعترض أي من الجانبين.
وكان من المقرر أن تقوم موسكو بناء على الاتفاق، بإنشاء "مركز للدعم اللوجيستي" في بورتسودان، حيث يمكن إجراء "عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد". كما يسمح الاتفاق للبحرية الروسية بالاحتفاظ بما يصل إلى أربع سفن في وقت واحد في القاعدة، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية.
هذا الاتفاق الذي أثار قلق الولايات المتحدة والتي بدورها دفعت القادة السودانيين خاصة العسكريين إلى إلغائه والتراجع عنه، ومن ثم إلى الإعلان عن تجميد الاتفاقية العسكرية مع روسيا بما فيها القاعدة العسكرية، الأمر الذي نفته موسكو حينها.
وخرج لاحقًا رئيس أركان الجيش السوداني، محمد عثمان الحسين ليعلن في 2 يونيو/حزيران 2020 أن السودان بصدد مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا، بما فيها إنشاء القاعدة العسكرية شمالي مدينة بورتسودان.
وجاء رد الطرف السوداني على القاعدة الروسية مرتبطًا بموافقة المجلس التشريعي الذي لم يكون بعد، سيما في فترة ما بعد الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، فيما تحاول موسكو الاستفادة من صعود العسكريين إلى المشهد لإحداث تقارب -كما يقول الباحث السياسي محمد الهادي البشرى لـ"الترا سودان"- والذي يرى أن "السودان غير مؤهل لإقامة قاعدة عسكرية روسية إلا في حالة الفوضى والاضطرابات، لأن أي حكومة منتخبة لديها مؤسسة فعالة لن توافق على هذا الطلب". ويعتقد الهادي أن موسكو تحاول دفع العسكريين إلى قبول القاعدة الروسية في البحر الأحمر.
وكان المدنيون في مجلس السيادة الانتقالي في العام 2020 قد مارسوا ضغوطًا على العسكريين لإنهاء مشروع القاعدة الروسية في البحر الأحمر، مشيرين إلى أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي السوداني، ذلك بجانب الضغوط الأمريكية على الحكومة الانتقالية التي تطمح في التقرب من الغرب.
وقال عضو مجلس سيادة سابق من الشق المدني مشترطًا حجب اسمه لـ"الترا سودان"، إن "إلغاء مشروع القاعدة الروسية في البحر الأحمر لم يكن من جانب العسكريين؛ نحن في الشق المدني قاتلنا للوصول إلى هذا القرار" - بحسب تعبيره.
وأردف: "نحن رأينا أن القاعدة الروسية تخدم الأهداف الخاصة بموسكو في نهب موارد البلاد من الذهب، كما أن روسيا لديها في أفريقيا سجل حافل بتقويض الديمقراطيات".
وتابع: "دول الإقليم المطلة على البحر الأحمر تعارض القاعدة الروسية، وشارك السودان في مؤتمرها نهاية العام الماضي، وهو مؤتمر مخصص لإبطال التحركات الروسية في البحر الأحمر".
وكان نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو زار روسيا في شباط/فبراير 2022، بالتزامن مع الحرب الروسية في أوكرانيا ومكث هناك ثمانية أيام.
وعقب عودته من موسكو قال دقلو في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم ردًا على سؤال القاعدة الروسية، إن السودان يملك (730) كيلومترًا على ساحل البحر الأحمر، و"إذا كانت هناك دولة تريد بناء قاعدة عسكرية لا تضر أمننا القومي ومصالحنا لماذا نعارض ذلك؟".
جاء رد دقلو الرجل الثاني في السلطة السودانية بعد البرهان في ذلك الوقت مؤيدًا للطلب الروسي، لكن بعد مرور عام على تلك الزيارة فإن الرجل اليوم صار أكثر ميلًا للغربيين الداعمين للاتفاق السياسي الإطاري الذي يدعمه قائد قوات الدعم السريع.
ويقول عماد الدين حسين وهو باحث عن في الشؤون الأمنية والاستراتيجية لـ"الترا سودان"، إن "دقلو قد لا يكون متحمسًا إزاء القاعدة الروسية لأنه يريد التقارب مع الغربيين والولايات المتحدة، لذلك لا يمكنه الحديث مرة أخرى عن القاعدة الروسية في البحر الأحمر".
وأردف: "الأمر الثاني هو أن الولايات المتحدة رمت بثقلها في الشأن السوداني لأسباب رئيسية متعلقة بتحجيم النفوذ الروسي في السودان وأفريقيا، والشهر الماضي غادر مسؤول أمني رفيع سوداني إلى واشنطن لبحث هذا الأمر مع البنتاغون".
ويرى عماد الدين حسين أن تحجج القادة السودانيين لروسيا بتحويل الأمر إلى المجلس التشريعي الذي لم يشكل بعد هو نوع من "الرفض الناعم" لطلب موسكو، لأن السودان عادة لا يتخذ القرارات المصيرية عبر البرلمان بل بمراسيم من جهاز الدولة بتأثير من العسكريين.
باحث عن في الشؤون الأمنية والاستراتيجية لـ"الترا سودان": يلعب تسليح الجيش السوداني دورًا في تحديد خياراته خاصة في ظل العقوبات الدولية
في ذات الوقت يقول حسين إن هناك بعض التطورات التي قد تجعل القادة العسكريين يعيدون النظر في موضوع القاعدة الروسية، من بينها التعاون بين البلدين في التسليح والمعدات الروسية، خاصة وأن الخرطوم تحت وطأة عقوبات دولية من مجلس الأمن.
وتابع: "قد تغير الخرطوم وجهتها نحو موسكو وفقًا لتطورات الأوضاع السياسية على الأرض، لأن المصالح الآنية هي التي تلعب دورًا في تحديد الخيارات".
وأضاف: "زيارة لافروف إلى الخرطوم في حد ذاتها مناورة سودانية، خاصة مع رغبة الولايات المتحدة في إبعاد النفوذ الروسي، ويبدو أن القادة السودانيين يطروحون شروطهم الخفية على واشنطن لتوطيد أركان العسكريين في السلطة، وهذا الأمر قد يكون محل نظر للولايات المتحدة، ولكن على حساب الديمقراطية بالطبع" - بحسب تعبيره.