09-مايو-2024
النفاج في السودان

تسببت الحرب في تحويل المنازل في العاصمة الخرطوم، إلى "ممرات للجنود"، سيما في أم درمان، في تلك الأحياء التي تخضع لسيطرة الدعم السريع. وقال مواطنون إن الجدران التي تفصل بين المنازل، قام الجنود بهدمها وفتح ممرات للانتقال بين عدة منازل في وقت واحد.

المنازل ممرات بديلة

وقال "العجب" الذي يقطن حمد النيل في أم درمان، لـ"الترا سودان"، إن غالبية منازل أم درمان الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، تم هدم الجدران وفتح ممرات بين المنازل لغرض التنقل أثناء الهجوم المضاد أو الضربات الجوية.

وأضاف: "يمكن للشخص أن يدخل عشرة منازل متلاصقة عبر هذه الجدران المفتوحة في مساحة تكفي لتمرير الشخص، حتى لو كان يحمل أسلحة ثقيلة على كتفه، لذلك تعمد جنود الدعم السريع خلق هذه الممرات للتجول بين المنازل".

منازل متجاورة مشرعة على بعضها البعض عبر نفاجات قديمة وأخرى جديدة فتحتها القوات

نالت بعض أحياء أم درمان الجزء الأكبر من ظاهرة الممرات الداخلية  للجنود التابعين للدعم السريع لضمان الحركة بمرونة خلال المعارك العسكرية، وفق ما يقول عبود الذي يقطن في شارع الوادي، ووصل من منطقة تسيطر عليها هذه القوات.

بالمقابل يقول عبود إن العصابات أيضًا قامت بحفر الجدران لفتح ممرات بين المنازل لأن أغلبها كانت خالية من السكان وتوفرت لديهم دوافع السرقة. قائلًا إن الناس حينما يعودون سيشاهدون الجدران وقد شُقت وأصبح الوصول إلى منزل جارك لا يتطلب الدخول عبر الباب الرئيسي بل عبر هذا الممر الذي يسمى بـ"النفاج" شعبيًا في السودان.

وخلال الحرب أصبحت أحياء كاملة شبه خالية من السكان في العاصمة الخرطوم، ودفع انعدام الغذاء وتوقف الأسواق وخدمات المياه والكهرباء ملايين المواطنين إلى النزوح داخليًا أو خارج البلاد.

النفاج في السودان

ويعتبر النفاج بعضًا من الإرث السوداني الذي حرص على التكافل بين الجيران، والنفاج هو فتحة صغيرة في الجدار الفاصل بين منزليين متجاورين بحيث يفتح باب النفاج بين البيوت للسماح بالزيارة والتواصل دون الحاجة للخروج إلى الشارع والمرور عبر الأبواب الأمامية. ودرج السودانيون على السكن في المنازل الأرضية التي تحتوي على الفناء والمساكن، وتفصل بين المنازل المتجاورة جدران قصيرة، وحتى تشييد المباني ذات الطوابق المتعددة الحديثة جرى تصميمها بنفس طريقة التجاور بين المباني بينما جدرانها خلال الحرب هُدمت وتحولت إلى ممرات.

تكاد العاصمة الخرطوم أن تكون شبه خالية من المارة، خاصة في الشوارع الرئيسية والأسواق والمؤسسات الحكومية

تكاد العاصمة الخرطوم أن تكون شبه خالية من المارة، خاصة في الشوارع الرئيسية والأسواق والمؤسسات الحكومية، يتحرك بضعة أشخاص خلال النهار، أما في الليل فإن الوضع يصبح أكثر قسوة.

وأدت الحرب إلى نزوح (8.6) مليون شخص داخليًا وخارجيًا، أغلبهم في السودان يعيشون وضعا إنسانيًا مزريًا حسب تقارير المنظمات الإنسانية المحلية العاملة في مراكز الإيواء.

يقول حسين الذي يقطن جنوب الخرطوم، لـ"الترا سودان"، إن غالبية المنازل مشرعة الأبواب، خاصة تلك التي تعرضت إلى النهب وتركها اللصوص دون أن يغلقوها، حيث كل زائر جاء إليها حمل ما خف وزنه وارتفع سعره في الأيام الأولى لاندلاع القتال بينما تولى جنود من الدعم السريع نهب السيارات والأجهزة الكهربائية.

وأضاف: "في الشهور الأخيرة ومع خلو المنازل من الأثاثات والأجهزة أو شيء يمكن سرقته، أصبحت بعض العصابات تنزع النوافذ والأبواب ومراوح السقف لبيعها في الأسواق المنتشرة بالعاصمة والتي لا تخضع لسلطة أو شرطة تحقق في المسروقات".

نهب وتخريب

لا يمكن التكهن بنهاية الحرب في ظل تباعد المواقف التي تجمع بين الأطراف المتحاربة وارتفاع المعارك العسكرية، وفي ذات الوقت لا يمكن الوثوق إن كان المواطنون سيعودون إلى منازلهم قريبًا.

"حطموا غرفتي ومحتوياتي بعثروا الأشياء التي احتفظت بها منذ سنوات لم يتركوا موقعًا في المنزل بحثًا عن المال أو الذهب. لم نكن نملك في منزلنا هذه الأشياء؛ كنا نملك مبخرة توضع إلى جانب أواني القهوة وخزانة خشبية نضع عليها الأواني المنزلية وأدوات الطبخ، جمعناها لسنوات طويلة ولكن كل شيء انتهى الآن". بهذه العبارات تُلخص إكرام المقيمة في حي المعمورة شرق العاصمة مأساة الحرب التي حولت حياتهم إلى جحيم.

مواطنة: النفاج يقام بالمحبة بين الجيران، وليس بالهدم قسرًا بواسطة جنود يحملون آلات الموت وحصد الأرواح بالرصاص

تضيف إكرام في حديثها لـ"الترا سودان" عن ظاهرة ممرات الجنود بين منازل المواطنين، إنها قد تكون النفاجات المعروفة بين السودانيين، لكن الفرق أن النفاج يقام بالمحبة بين الجيران، وليس بالهدم قسرًا بواسطة جنود يحملون آلات الموت وحصد الأرواح بالرصاص.

ورغم شعورها بالحزن على ما آلت إليه الأوضاع سواء في منزل عائلتها بالخرطوم أو استمرار الحرب موصدة الباب أمام أمل العودة إلى الحياة الطبيعية لملايين السودانيين، إلا أن إكرام ترى أن بارقة الأمل دائمًا ما تلوح في نهاية المطاف، وهي تعتقد أن اللحظات التي انتظرها السودانيون قد اقتربت من الوصول.