في نيامي عاصمة النيجر هذا البلد الواقع غربي أفريقيا، تتنامى مشاعر معاداة تجاه فرنسا وسط الشبان الذين أعلنوا تأييدهم للانقلاب العسكري على حكومة محمد بازوم التي انتخبت في تموز/يوليو 2021.
فرنسا على وشك أن تخسر كل شيء لأنها لم تكترث بملايين الفقراء الذين كانوا يجلسون خلف سياج بازوم الذي لم يفتح النوافذ على ما يبدو لمشاهدة مدن الفقر
تطرح الأسئلة في النيجر وفي أروقة منظمة "الإيكواس" المناهضة للانقلاب بشأن رفض الشبان في النيجر لحكومة بازوم ودعمهم الانقلاب العسكري الذي أطاح بالشرعية، الإجابة تكمن في انعدام العدالة الاجتماعية وارتفاع البطالة وسط الشباب وشعورهم بأن حكومة بازوم "نخبوية ومتحالفة مع باريس".
في 26 تموز/يوليو الماضي، أعلن الجيش في النيجر عن استلام السلطة واحتجاز الرئيس محمد بازوم وعائلته ووضعهم قيد الإقامة الجبرية. وبينما تتمسك الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة الإفراج عن الرئيس الشرعي وعائلته، تبذل فرنسا قصارى جهدها لضمان وصول صانعي القرار في منظمة "الإيكواس" إلى مرحلة تضييق الخناق على الجيش للتخلي عن السلطة، فيما تبدو مهمة المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارًا بـ"الإيكواس" شبه مستحيلة مع ظهور علامات على تراخي قبضة واشنطن تجاه الديمقراطية وتقديمها الاستقرار وأن ينأى هذا البلد عن التعامل مع روسيا عوضًا عن التمسك بديمقراطية قد لا تعود مجددًا.
في خضم مشاورات "الإيكواس" بشأن خيار التدخل العسكري في النيجر، أرسلت الخارجية الأمريكية إلى نيامي عاصمة النيجر سفيرة جديدة لم تسلم أوراق اعتمادها معللةً ذلك بعدم اعترافها بالسلطة القائمة هناك، في الوقت الذي تود فيه الولايات المتحدة الأمريكية "الإبقاء على خطوط التواصل مع الجيش". كما أن وكيلة الخارجية الأمريكية التي زارت نيامي هذا الشهر نقلت إلى الجيش رسائل في غاية الأهمية من بينها أن واشنطن قد لا تبدي حماسًا لخطة "الإيكواس" للتدخل العسكري في النيجر.
حتى نيجيريا الدولة المجاورة لهذا البلد تبدو غير متحمسة للخيار العسكري، بينما تعتقد "الإيكواس" أن نيجيريا قد تكون لها دور في أزمة النيجر لجهة أنها أحد أكبر مصدري الطاقة الكهربائية إلى هناك بنسبة (80%) من الاستهلاك الكلي.
لا تزال فرص إحياء الدبلوماسية قائمة في أروقة منظمة "الإيكواس" التي تضم (12) دولة في غرب أفريقيا، فقدت ثلاث دول منها عضويتها –وآخرها النيجر بسبب الانقلاب العسكري– وقبلها مالي وبوركينا فاسو، ما يثير مخاوف واشنطن من أن روسيا ربما تقف وراء صعود العسكريين إلى السلطة في تلك البلدان.
ربما عقدت الآمال بأن يقف المتظاهرون المؤيدون لمحمد بازوم بالمرصاد في وجه الجنرالات الطامحين إلى السلطة، لكن هذا لم يحدث في سوى أوقات متفرقة لم تكن ذات تأثير يذكر، بينما تجمع عشرات الآلاف معلنين دعمهم للجيش تسوقهم المرارات والغبن الاجتماعي جراء تحول حكومة بازوم وداعميها إلى "نخب سلطوية موالية لفرنسا" التي تحصل من بلادهم على اليورانيوم والذهب والاستثمارات، وتدير ظهرها لمئات الآلاف من الفقراء والمعدمين.
في الوقت نفسه، سيكون أمام داعمي الانقلاب في النيجر مهمة شاقة إزاء التأثير الروسي على الجيش واستمالته ولا سيما مع انتشار فاغنر الروسية في البلدان المجاورة وتحول ثرواتها من فرنسا إلى روسيا.
قد لا يكون "الصك" الممنوح من الشبان للعسكريين في النيجر على "بياض". وهناك اختبار لمدى قدرتهم على انتشال المجتمعات من الفقر والهجرة غير النظامية إلى أوروبا والغرق مع أحلامهم في البحر المتوسط.
تريد الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل غض الطرف عن الانقلاب العسكري مع مرور الوقت ضمان عدم ميل العسكريين في النيجر نحو روسيا. ومن هذا المنطلق ربما تتعثر "الإيكواس" في تحقيق رغبة فرنسا الملحة لإعادة شرعية بازوم، ولا سيما إذا توصلت التفاهمات السرية بين واشنطن والعسكريين إلى تكوين حكومة انتقالية مدنية وتنظيم انتخابات في نهاية المطاف.
تبدو فرنسا هنا وهي على وشك أن تخسر كل شيء، لأنها لم تكترث بملايين الفقراء الذين كانوا يجلسون خلف سياج بازوم الذي لم يفتح النوافذ على ما يبدو لمشاهدة مدن الفقر.