يعبر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي عن قلقهم من الحدود بين السودان ومصر، وتدفق اللاجئين الفارين من القتال الدائر في بلدهم، إلى جانب الحدود مع ليبيا والسودان؛ هذه العوامل ستدفع المسؤولين في بروكسل للتوجه إلى القاهرة لعقد مباحثات مع السلطات المصرية، وتقديم مساعدات اقتصادية قيمتها ثمانية مليارات دولار.
باحث: إذا كان الاتحاد الأوروبي قلقًا بشأن حدوده يتعين عليه العمل على وقف الحرب في السودان من خلال الأدوات الدبلوماسية الفعالة
ووفقًا لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في تقريرها الأربعاء، حول اتفاق التدفقات النقدية المزمعة من قبل الاتحاد الأوروبي، فإن هناك حزمة مساعدات مزمعة، تقدر بأكثر من ثمانية مليارات دولار لمساعدة الاقتصاد المصري، وسط مخاوف من أن تؤدي الصراعات في السودان إلى تفاقم المشاكل المالية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وإثارة المزيد من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
وطبقًا لمسؤول أوروبي مشارك في المحادثات، فإن الأوروبيين "قلقون بشأن الحدود بين السودان ومصر حيث يدخل السودانيون البلاد، والحدود بين مصر وليبيا، حيث يغادرون".
وقال المسؤول الأوروبي: "عندما يتعلق الأمر باللاجئين من أجزاء أخرى من العالم، خلاف أوكرانيا، فإن المسؤولين الأوروبيين يتجاهلون الانتهاكات ويوالون شراكاتهم مع الحكومات القمعية".
فشل السياسات
باحثة في قسم شؤون اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، لورين سيبرت، دعت في مقال بعنوان (وفيات اللاجئين السودانيين في عرض البحر تسلط الضوء على فشل سياسات الاتحاد الأوروبي)، لإعطاء الأولوية لعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط عوضًا عن ما سمته "التوجه المفلس أخلاقيًا وقصير النظر"، المتمثل في قيام الاتحاد الأوروبي بتمويل حكومات شمال أفريقيا لتعزيز السيطرة وكبح تدفقات المهاجرين.
وناشدت لورين الاتحاد الأوروبي ليتولى زمام المبادرة في توفير الممر الآمن للخروج من السودان وغيره من مناطق الصراع.
ودفعت الحرب نحو نصف مليون سوداني إلى اللجوء في مصر خلال (11) شهرًا من القتال بين الجيش والدعم السريع، إلى جانب مليوني سوداني يقيمون في مصر قبل الصراع المسلح.
ويخشى الاتحاد الأوروبي من أن يؤدي الصراع المسلح في السودان إلى تدفقات اللاجئين السودانيين على أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من ليبيا ومصر، ولذلك قرر مسؤولون في بروسكل التوجه إلى القاهرة لمنع هذه المخاوف.
حلول فاترة
وتقول نهال أحمد، الباحثة في قضايا الهجرة، إن الاتحاد الأوروبي بدلًا من العمل على حل جذور الأزمة من خلال إسكات البنادق في السودان، اتجه نحو حلول "فاترة وسهلة" ظنًا منه أن مصر قد تتمكن من الإبقاء على اللاجئين السودانيين على أراضيها من خلال الإجراءات الأمنية لحراسة المياه الاقليمية.
وترى نهال أحمد في حديث لـ"الترا سودان"، إن إجراءات الاتحاد الأوروبي بمساعدة بعض الدول للإبقاء على اللاجئين في نطاقها لن تكون ناجعة، ومن يودون الذهاب إلى أوروبا يفعلون ذلك غض النظر عن المخاطر.
وتفرض مصر رسوم الإقامة على السودانيين الذين وصلوا إلى أراضيها بطرق غير نظامية، وبلغت هذه الرسوم حوالي ألف دولار، وذلك في حال عدم الحصول على بطاقة اللجوء من مكتب مفوضية اللاجئين التابع إلى الأمم المتحدة.
وقال سودانيون دخلوا إلى الأراضي المصرية بطرق "غير نظامية" كما تصفهم السلطات، إن الهيئات الحكومية المسؤولة عن توفيق أوضاع اللاجئين تشترط دفع ألف دولار لتوفيق أوضاعهم، أو انتظار إجراءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تواجه مكاتبها ضغطًا كبيرًا من طالبي اللجوء خاصة من السودان، ويستغرق الحصول على بطاقة اللجوء عدة أشهر.
حراسة الصحراء
وفي الأشهر الأخيرة جراء فرض قيود صارمة على منح التأشيرة للسودانيين في المعبر الحدودي شمال البلاد بمدينة وادي حلفا، ومدينة بورتسودان شرق البلاد، اضطر آلاف السودانيين للوصول إلى مصر عن طريق الاستعانة بالشاحنات التي تنقل المسافرين عبر طرق صحراوية، وصولًا إلى المناطق الحدودية في مصر، وهناك يتوجه طالبوا اللجوء إلى المفوضية التابعة للأمم المتحدة لتقديم الطلب وتوفيق الوضع القانوني.
ويقول محمد عثمان الباحث السابق في منظمة هيومن رايتس ووتش، لـ"الترا سودان"ن إن الاتحاد الأوروبي اختار الطريق الخطأ لمنع تدفقات اللاجئين إلى أوروبا، وربما لاعتقاده أن هذا العبء كان يقع على قوات الدعم السريع التي عقدت صفقة سرية مع المسؤولين في بروكسل لـ"حراسة الصحراء" أمام اللاجئين السودانيين والأفارقة، ومنعهم من الذهاب إلى أوروبا. لدرجة أن هذه القوات كانت تقوم بوضع الشبان والفتيات على شاحنات عسكرية وتقوم بنشر مقاطع فيديو وهي تتباهى بذلك.
وتابع: "لا يكترث الاتحاد الأوروبي لأي شيء من هذا القبيل، هو فقط قلق لتأمين حدوده من المهاجرين غير النظاميين. لكن يتعين عليه منع الصراعات في السودان من خلال الأدوات الدبلوماسية لا الخيارات الأمنية".
محمد عثمان: تأثير الاتحاد الأوروبي على حرب السودان بشكل إيجابي يكاد يكون منعدمًا تمامًا
ويرى عثمان أن تأثير الاتحاد الأوروبي على حرب السودان بشكل إيجابي يكاد يكون منعدمًا تمامًا، والسؤال الذي يطرح نفسه: "إلى متى سيعمل الاتحاد الأوروبي وفق سياسات كبح الحدود؟".
يستدرك عثمان بالقول: "على بروكسل أن تعيد النظر في سياسات غلق الأبواب أمام المهاجرين. عليها أن تذهب هناك إلى هذه البلدان الوالغة في الصراعات والفقر وتسألهم: ماذا يريدون؟ ستسمع الكثير هناك".