عادت تصريحات مساعد القائد العام وعضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق ركن ياسر العطا لتصدر المشهد العسكري والسياسي من جديد، وذلك على خلفية انتقادات عنيفة وجهها لأصوات مطالبة بـ"هيكلة" المقاومة الشعبية التي تقاتل مع الجيش في الخطوط الأمامية ضد الدعم السريع.
التصريحات المتبادلة تبدو وكأنها نتيجة خلاف بين الجنرالين
وقال العطا في إفطار بمدينة أم درمان حيث يتولى مسؤولية المعارك العسكرية ضد الدعم السريع، إن "الحديث السلبي" حول المقاومة الشعبية مرفوض. قائلًا إن المقاومة الشعبية عملت على إرسال ست كتائب في معارك أم درمان ومواقع تحرير الإذاعة والتلفزيون والأحياء المأهولة بالمدنيين من قبضة الدعم السريع، منتصف الشهر الماضي.
ومضى العطا إلى توجيه انتقادات علنية للمسؤولين بالدولة، والذين يتخذون من بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة مقرًا للحكومة، وقال إن مفاصل الدولة التي تشمل البنك المركزي ووزارة الإعلام "تكتظ بالجنجويد [الدعم السريع]" في أول حديث لمسؤول رفيع يكشف معلومات خلال الحرب دون أن يدلي بالمزيد من التفاصيل.
وتحدث ياسر العطا عن ضعف التسليح بالنسبة للشرطة في أم درمان على الرغم من الحاجة إلى حماية المواقع المستردة بواسطة الجيش من "المليشيا المتمردة" -على حد قوله- وكأن هذا التصريح يوجه إلى قيادات عليا في القوات المسلحة، وقد يشمل أعضاء مجلس السيادة الانتقالي والذي يتخذ من مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية مقرًا له منذ بداية الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023.
وجاءت تصريحات العطا بعد أقل من أسبوع على زيارة عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للجيش الفريق ركن شمس الدين كباشي الذي دعا إلى "ضبط" المقاومة الشعبية ووضعها "تحت إمرة القوات المسلحة". وشدد كباشي على منع حمل السلاح لأعضاء المقاومة الشعبية و"المستنفرين" خارج المعسكرات. وفي خطاب قدمه من مدينة القضارف خلال تخريج قوات حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، منع كباشي حمل "الشعارات المكتوبة" للواجهات السياسية في معسكرات الجيش، وقال إن من يريد ممارسة السياسية عليه أن يكون بمعزل عن القوات المسلحة.
فُسرت تصريحات الكباشي على أن المقصود هي التيارات السياسية التابعة للنظام البائد، كونها أعلنت تأييدها مباشرة للجيش وانخرطت بعض عناصرها في القتال في صفوف القوات المسلحة في الحرب ضد الدعم السريع، إلى جانب كتائب مسلحة لديها توجهات معلنة عن موالاتها لنظام.
وتذهب التفسيرات إلى أبعد من ذلك بتقسيم الكباشي وياسر العطا بين تيارين؛ الأول يقود خيار التفاوض والجهود السلمية لوقف الحرب، بينما الثاني يقود تيارًا رافضًا للتسوية مع الدعم السريع وهو من أنصار الحسم العسكري، لكنها تبقى مجرد تكهنات نظرًا لطبيعة المؤسسة العسكرية التي لم يحدث فيها "انشقاق بائن" منذ تكوينها.
ويقول الباحث السياسي محمد كمال لـ"الترا سودان"، إن التصريحات المتبادلة بين الكباشي والعطا، خاصة حول المقاومة الشعبية، لا يمكن استبعاد وجود اختلاف في وجهات النظر بين الجنرالين، لكنها تبقى اختلافات قيد الاحتواء لطبيعة المؤسسة العسكرية التي دائمًا ما تمضي إلى الأمام بطي الخلافات حتى لو على حساب تقاعد طرف قد يشكل خطورة على تماسكها.
ويرى كمال أن تصريحات العطا حول وجود "الجنجويد" في مفاصل الدولة، خاصة البنك المركزي ووزارة الإعلام، حديث مردود إليه، لأن تواجد عناصر تابعة للدعم السريع إما تقصير من العطا نفسه، أو أن وجودهم طبيعي كونهم مواطنين سودانيين ممن يحق لهم تقلد الوظائف طالما أنهم لا يمارسون أنشطة معادية للدولة والجيش.
ويعتقد كمال أن تصريحات الكباشي حول "ضبط المقاومة الشعبية" تأتي للحفاظ على الاستقرار في الدولة، لأن تسليح المدنيين دون مراقبة سلوكهم أو توجهاتهم السياسية أو الاجتماعية قد يشكل خطرًا على المواطنين حتى في فترة بعد الحرب بتحولها إلى مجموعات خارجة على الدولة نفسها.
وتابع: "تصريحات الكباشي جاءت ضمن مسؤولياته في الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية وضبط المجموعات المسلحة خارجها، وهي من الأسباب التي أشعلت الحرب".
ولأول مرة منذ اندلاع الحرب تظهر على السطح تصريحات متبادلة بين جنرالات الجيش حول الأوضاع العسكرية والإدارية لتسيير الدولة، وفي العادة يفضل الجنرالات "الانحناء لعاصفة الخلافات"، لكن هذه المرة يبدو أن الأمور تسير إلى تطورات قريبة.
فيما يقلل الباحث في الشؤون الأفريقية عادل إبراهيم من التصريحات المتبادلة بين الجنرالين الكباشي والعطا، ويعتبرها مجرد "تنفيس في الهواء الطلق" لأن مجلس السيادة الانتقالي مضى في هيكلة المقاومة الشعبية من خلال تأسيس قانون جديد لضبطها، إلى جانب تعيين إدارة مدنية لتسيير شؤونها ومصادر تمويلها وضبط أفرادها.
باحث: تصريحات العطا تبدو وكأنه يرفض هيكلة المقاومة الشعبية
ويقول إبراهيم إن تصريحات العطا تبدو وكأنه يرفض هيكلة المقاومة الشعبية لأسباب قد يعلمها هو شخصيًا، على الرغم من أنه يعد أحد أميز الجنرالات في الجيش ولديه خبرة طويلة في إدارة فرق المؤسسة العسكرية.
ويعتقد إبراهيم أن ياسر العطا شخصية تميل إلى "التحالفات السريعة"، لأنه قبل الحرب كان دائمًا يصرح مدافعًا عن القوى المدنية وقيادات الحرية والتغيير، وقام بزيارتهم في سجن سوبا جنوب العاصمة حينما اعتقلوا بعد الانقلاب العسكري الذي يعد العطا أحد مهندسيه مع أعضاء المكون العسكري في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وأردف إبراهيم: "تصريحات العطا في أم درمان مساء الإثنين ارتجالية، وهو نوع من التنفيس عن عدم رضاه تجاه بعض السياسات التي تتخذها الدولة في بورتسودان، لكن لكل طرف دفوعاته التي قد تكون منطقية".