منذ تفجُر الصراع في السودان، أضحى الملايين من المواطنين وسط نيران المعارك التي خلقت أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة أنها الأسوأ في العالم، و حذرت المنظمة من نقص حاد في الغذاء في السودان، حيث أفادت منظمة إنقاذ الطفولة، أن أكثر من (230) ألف طفل وأم قد يموتون بسبب الجوع، وأن حوالي (25) مليون آخرين يحتاجون إلى الحماية والمساعدات الإنسانية.
تباعد وجهات النظر جعل الوساطة تعلق المفاوضات لإجراء المزيد من المشاورات
فيما شكلت المفاوضات التي جرت خلال الأيام الماضية بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو بعاصمة جنوب السودان جوبا، بارقة أمل للسودانيين المحاصرين في ولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق، إلا أن تباعد المواقف جعل الوساطة تعمل على تعليقها لمزيد من المشاورات، ليبدأ بعدها تبادل الاتهامات بين الطرفين.
و قال وزير الدفاع يس إبراهيم إن وفد الحركة لم يقدم أي مسودة ليتم التفاوض حولها، ولم يتضمن رده على مقترح الحكومة القضايا الجوهرية المتعلقة بإيصال المساعدات، و أصر على إقحام قوات الدعم السريع في عملية التفاوض، بجانب تقديمه لمقترح يتنافى مع مبادئ الأمم المتحدة، وأشارت فيه لإمكانية توقيع اتفاق أحادي مع الوكالة، وردت الحركة الشعبية وقالت إن الحكومة قدمت مقترحات بفتح جسر جوي لإرسال مساعدات للفرقة 14 كادوقلي، و الفرقة 22 بابنوسة، وأن بقية المقترحات عبارة عن تدابير أمنية ولجان فنية عسكرية لإدارة القوات المشتركة التي ستقوم بحماية المطارات .
وقال الناطق باسم الوفد المفاوض للحركة، جاتيقو اموجا، إن مقترحهم بإشراك كل أطراف الحرب في اتفاق وقف العدائيات، حتى لا يوقف أي طرف عملية إيصال المساعدات الإنسانية .
وبين هذا الصراع يعيش مواطنو المناطق المحاصرة أزمة إنسانية حادة، حيث حذر المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو، من اقتراب خطر المجاعة الكاملة على السودانيين، وطالب خلال تغريدة على حسابه في موقع "إكس" قوات الدعم السريع بفك الحصار عن الفاشر، وأن يسمح الجيش بإدخال المساعدات الإنسانية برًا و بحرًا وجوًا، واستدل بيريلو بتقارير أممية تتحدث عن أن أكثر المناطق التي ستتأثر بالمجاعة هي كردفان الكبرى ودارفور الكبرى وأجزاء من ولاية الخرطوم.
فيما وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، خلال كلمته بمجلس حقوق الإنسان المنع المتعمد من دخول الإغاثة في مناطق النزاع في السودان "بجريمة الحرب"، وأضاف "المنع المتعمد على ما يبدو لوكالات الإغاثة من الوصول الآمن ودون عوائق إلى داخل السودان، يُشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وقد يرقَي إلى مستوى "جريمة حرب". وقال تورك: "مع اضطرار أكثر من ثمانية ملايين إلى النزوح داخل السودان وإلى البلدان المجاورة، فإن هذه الأزمة تقلب البلاد رأسًا على عقب، وتهدد بشدة السلام والأمن والأوضاع الإنسانية في أنحاء المنطقة بأكملها"
إغلاق الطرق
فيما تواصل الحكومة السودانية والدعم السريع في تبادل الاتهامات بشأن منع إدخال المساعدات، و حددت الحكومة مسارات دخول الإغاثة إلى السودان عبر مناطق (بورتسودان- عطبرة- مليط- الفاشر)، والمسار من جمهورية مصر عبر طريق البحر الأحمر وصولاً إلى العاصمة الإدارية بورتسودان، فضلاً عن معبر وادي حلفا-دنقلا، ومسار من جمهورية جنوب السودان عن طريق النقل النهري، والطريق البري من مدينة الرنك إلى كوستي.
من جانبه رفض الدعم السريع مقترح الحكومة، وطالب بإدخالها عبر مناطق سيطرته، حيث عبرت شاحنات من منظمة الأغذية -بضغوط دولية- بمدينة أدري التشادي، ووصلت لمدينة الجنينة، التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع دون أن يتم استهدافها من الطيران الحربي.
فيما أبلغت وزارة الخارجية السودانية الأمم المتحدة رسميًا بموافقة حكومتها على استخدام معبر "الطينة" التشادي إلى مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، لدخول المساعدات الإنسانية المحددة، منوهة إلى أن ذلك سيأتي بعد الاتفاق على الجوانب الفنية بين الحكومتين السودانية والتشادية، ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم (1591).
وذكرت “أن الحدود السودانية التشادية ظلت لفترة طويلة مسرحًا لأنشطة تهريب السلاح والبشر، وكل أشكال الجرائم العابرة للحدود، ما دفع البلدين إلى تشكيل قوات مشتركة لتأمينها”، مشيرة إلى أنه بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل/نيسان الماضي، صارت هذه الحدود خط الإمداد الأول بالسلاح والمؤن لقوات الدعم السريع.
يأتي ذلك بالتزامن مع اتهامات تواجهها الأطراف المتقاتلة في السودان بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، في وقت تقول فيه المنظمات الإنسانية، إن حجم المساعدات التي سُمح بدخولها ليست كافية، وأن طرفي الصراع يستخدمان المساعدات الإنسانية كسلاح خلال هذه الحرب، فيما يقول المحامي معزّ حضرة، إن منع المساعدات من أطراف الصراع يُعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وأضاف لـ"الترا سودان"، إنه بالإمكان فرض عقوبات على أي شخص يمنع إدخال المساعدات الإنسانية؛ لأن ذلك يعتبر جريمة حرب يعاقب عليها عبر المحكمة الجنائية الدولية، وهذا الأمر يُعد أيضًا مخالفًا للقانون السوداني المحلي بحسب المادة (186) من القانون الجنائي السوداني.
احترام التعهدات
وعلى الرغم من أن منبر جدة التفاوضي، وإعلان المبادئ الموقّع من طرفي الحرب، كان ينص على ضمان الطرفين لعملية إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق التي تحتاجها، إلا أنهما لم يلتزما بالتعهدات التي اتفقا عليها في جدة.
واعتبر الخبير في مجال حقوق الإنسان، المحامي إدريس النور، أن رفض طرفي الصراع إدخال المساعدات الإنسانية يعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وقد تُفرض عقوبات على جنرالات الحرب لمنعهم إدخال المساعدات التي خلقت أزمة إنسانية حادة في عدد من المناطق في السودان، وأضاف لـ ل"الترا سودان"، إن الاتفاقيات الأربع لعام 1949 تمنع حرمان المدنيين من الغذاء في أثناء النزاعات المسلحة.
وأضاف بأن المحكمة الجنائية الدولية لديها سلطات للتدخل، خاصة إذا كانت هناك جرائم حرب ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية، التي تحدث خلال النزاعات مثلما يحدث في الحرب بالسودان.
وبحسب الأمم المتحدة، شكلت سيطرة الدعم السريع في 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي على ود مدني ضربة كبيرة للعملية الإنسانية، حيث كانت المدينة مركزاً للمساعدات الإنسانية للفارين من الحرب في ولاية الخرطوم، والمناطق الأخرى.
في الوقت الحالي، يحذّر المجتمع الدولي قوات الدعم السريع من مهاجمة مدينة الفاشر، التي تحوّلت لمركز إيواء للآلاف من النازحين في إقليم دارفور، بجانب استخدام وكالات الأمم المتحدة لإدارة عمليات الإغاثة في مختلف المناطق إلا أن الدعم السريع يرفض الاستجابة لهذه الطلبات، حيث يواصل موجات هجومية على المدينة, ويقوم الجيش والحركات المسلحة بصدها حتى الآن.
المعاهدات والاتفاقيات الدولية تنص على فرض عقوبات على منع أطراف الحرب وصول المساعدات إلى المتضررين. و تشمل هذه العقوبات حظر الإمداد بالسلاح، وحظر الطيران، وصولًا للتدخل الأممي بموجب الفصل السابع لحماية المدنيين
فيما يقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد يوسف، إن منع المساعدات الإنسانية أثناء الحرب جريمة ضد الإنسانية، وتقع على عاتق طرفي الحرب في السودان مسؤولية حماية المدنيين، وضمان المساعدات الإنسانية دون تعطيل أو شروط، وذلك كما نصت عليه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، من ضمنها المادة (54) من الاتفاقية الرابعة لعام 1949 (Geneva Convention IV)، التي تنص على حق الأشخاص المدنيين في الحصول على المساعدة الإنسانية اللازمة، والمادة(18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تؤكد حق كل إنسان في الحصول على المساعدة الإنسانية عندما يكون في حاجة ماسة إليها، بجانب المادة (70) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف، وتنص على واجب الأطراف في النزاعات المسلحة بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
وأضاف يوسف لـ"الترا سودان" القانون المحلي لا يمكن من خلاله محاسبة من يتسببون في منع إدخال المساعدات الإنسانية، إلا أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية تنص على فرض عقوبات على منع أطراف الحرب وصول المساعدات إلى المتضررين. و تشمل هذه العقوبات حظر الإمداد بالسلاح، وحظر الطيران، وصولًا للتدخل الأممي بموجب الفصل السابع لحماية المدنيين.
مشيرًا لتجارب سابقة في فرض عقوبات على العديد من الدول، بسبب عدم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية أثناء النزاع، بما في ذلك السودان في عام 2003، من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسوريا في عام 2011 من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد أدانت الأمم المتحدة بشكل متكرر منع وصول المساعدات الإنسانية إلى السودانيين، ودعت جميع أطراف النزاع إلى السماح بإيصال المساعدات.