لا يزال الاتفاق الإنساني متعثرًا بين القوات المسلحة والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، إثر وصول الطرفين إلى نقطة خلاف بربط توزيع الإغاثة بالاتفاق على وقف العدائيات وفقًا لمقترحات قدمتها القوات المسلحة.
عاملة في الحقل الإنساني: الوضع لا يحتمل محادثات إنسانية ذات صبغة سياسية
نهاية الشهر الماضي زار نائب قائد الجيش وعضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، عاصمة جنوب السودان جوبا والتقى قائد الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو.
لقاء الكباشي والحلو جاء بوساطة جنوب سودانية منذ ثلاثة أسابيع، تحرك خلالها المستشار الأمني توت قلواك لجمع الطرفين على طاولة واحدة، هذا التقارب لم يكن مفاجئًا كون الطرفين أظهرا تحالفًا غير معلنًا بمدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان نهاية العام الماضي، عندما تحالف الجنود من الطرفين لقتال الدعم السريع التي هاجمت البلدة.
تشمل المحادثات المتعلقة بالعمليات الإنسانية بين الجيش والحركة الشعبية شمال ولايات جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق، وتقول تقارير إن المدنيين في هذه المناطق يواجهون اسوأ كارثة إنسانية على الإطلاق.
ويأمل الجيش من خلال الاتفاق الإنساني مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو إبرام تحالف، وذلك لأن الحركة الشعبية لديها انتشار في جنوب كردفان، بالتالي منع تقدم الدعم السريع إلى المنطقة، فهذه التجربة التي تعتقد القوات المسلحة أنها نجحت مع بعض الحركات المسلحة التي تحالفت مع الجيش في الجزيرة والخرطوم والفاشر، ربما تُنقل إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق وغرب كردفان مع الشعبية.
وتقول المسؤولة السابقة في منظمة دولية نهلة حسن، إن العمليات الإنسانية في جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق لن تكون بمعزل عن الاتفاق السياسي بين الجيش والشعبية، لأن الطرفين بحاجة إلى الثقة في عدم استخدام هذه العمليات لأغراض عسكرية، بالتالي القوات المسلحة من خلال المحادثات مع عبد العزيز الحلو تعتزم الوصول إلى مرحلة التحالف.
بالمقابل أظهرت تصريحات أدلى بها أعضاء وفد الحركة الشعبية شمال في جوبا خلال الجلسة الافتتاحية مع وفد القوات المسلحة، نوعًا من الرضا تجاه السياسات القادمة من الدولة المركزية.
ورفضت الحركة الشعبية شمال تجزئة الحلول للقضايا الإنسانية في السودان، في إشارة إلى عدم ربط وقف العدائيات مع العمل الإنساني، وتعتقد أن جميع مناطق السودان بحاجة إلى المساعدات الإنسانية بمعزل عن الحديث حول وقف العدائيات.
ويرى المحلل السياسي مصعب عبد الله أن موقف الحركة الشعبية شمال يعتبر منطقيًا، لأن الإغاثة لا يمكن ربطها بأي اتفاق يحمل صبغة سياسية أو عسكرية، إلا إذا كان الجيش سيعمل على تعميم الاتفاق في جميع أنحاء البلاد، وتوقيع وقف العدائيات مع الدعم السريع أيضًا.
ويرى عبد الله في حديث لـ"الترا سودان" إن المدنيين بحاجة إلى وقف العدائيات، وإنشاء الممرات الآمنة في جميع المناطق، بالتالي تمكين المدنيين من مغادرة المناطق الساخنة، لذلك يجب ضمان شمولية اتفاق وقف العدائيات لا حصره على منطقة واحدة.
وأردف: "عندما يتم إسكات البنادق، يمكن لوكالات الأمم المتحدة أن تقوم بتوزيع الإغاثة".
ويرى مصعب عبد الله أن المجتمع الدولي أخطأ حينما ربط العمل الإنساني بطاولة المفاوضات في منبر جدة، ومن النادر أن تجد دولة ما تربط العمل الإنساني بالمفاوضات، لأن المطلوب حسب ما تقتضي مسؤولية الطرفين المتصارعين التنسيق مع وكالات الأمم المتحدة حول الممرات الآمنة ومناطق مرور المساعدات الإنسانية، وتوقيت الدخول حتى يتم في ذات الوقت وقف المعارك العسكرية بإعلان هدنة قصيرة.
وتقول الأمم المتحدة إن الحرب أجبرت (8.8) مليون شخص على النزوح داخليًا وخارجيًا، حتى منتصف أيار/مايو الجاري بينهم خمس ملايين شخص على حافة الجوع، أو بالفعل وصل البعض منهم إلى مرحلة الجوع.
وكان المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيريلو، أبدى عدم تفاؤله بشأن وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في السودان، وقال إن الضمانات لتنفيذ هذه العمليات في مناطق سيطرة كل طرف غير موجودة.
وتقول المسؤولة السابقة في منظمة دولية نهلة حسن لـ"الترا سودان"، إن الحديث عن العمليات الإنسانية استغرق وقتًا طويلًا، وحتى المناطق الآمنة لم يحصل المدنيون على المساعدات الكافية، وتصل إليهم مساعدات شحيحة.
وترى نهلة حسن أن مناطق كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق وحتى سنار لا تحتمل الجلوس لفترات طويلة على طاولة المفاوضات، وتقول إن مسؤولية الحكومة السودانية إطعام جميع السودانيين في الوقت الحالي، طالما أن الحرب أوقفت الحياة العامة لم يعد المواطن يتمكن من الخروج للزراعة وجني الحبوب والخضروات، كل شئ توقف في البلاد.
وكانت مفوضة العون الإنساني في المكتب الاتحادي بمدينة بورتسودان، أكدت أن الحكومة لديها مسؤولية توزيع الإغاثة في جميع المناطق، بما في ذلك مناطق سيطرة الدعم السريع لأن هذه هي مسؤولية الدولة تجاه الشعب.
القوات المسلحة من خلال المحادثات مع عبد العزيز الحلو تريد أن تضمن إدخال الإغاثة إلى ثلاث ولايات
فيما يقول المحلل السياسي مصعب عبد الله، إن القوات المسلحة تدخل التفاوض مع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو من موقف مختلف عما كان عليه الوضع قبل الحرب، بالتالي إما أن تضطر إلى تقديم تنازلات أو أن تنحني للعاصفة وتوافق على المقترحات المقدمة من وفد الشعبية.
ويعتقد عبد الله أن القوات المسلحة من خلال المحادثات مع عبد العزيز الحلو تريد أن تضمن إدخال الإغاثة إلى ثلاث ولايات، مع التأكيد على توفر الثقة في الحركة الشعبية شمال، وفي ذات الوقت ضمان استقرار هذه المناطق ومنع وصول الدعم السريع إليها، أو استخدامها للحصول على السلاح والعتاد.
ويرى عبد الله أنه طوال المفاوضات التي جرت بين الدولة المركزية والحركة الشعبية شمال، لم تحدث اختراقات كبيرة سوى بعض النقاط المتفق عليها خلال فترة ما قبل الحرب، بالتالي خلال هذه الفترة العصيبة يجب أن تعلم القوات المسلحة أن فقدان العاصمة السودانية والإمكانيات السياسية والاقتصادية عوامل تقلل من قوتها على طاولة المفاوضات.