شمالي السودان تقع جزر الكاسنجر ذات الطبيعة الساحرة على بعد (420) كيلو مترًا شمال العاصمة الخرطوم، وهي تتبع لمحلية مروي. يبلغ عدد سكان جزر الكاسنجر ما يقارب الـ(90) جزيرة، بمساحة تصل حتى (26) هكتار، ويوجد في إحداها ضريح الشيخ حاج الماحي وعدد من المزارات الدينية الأخرى كأحد آثار التراث الثقافي الديني في السودان.
وتمتد جزر الكاسنجر من سد مروي وحتى مدينة نوري، وتحمل الجزر عددًا من الأسماء من بينها مساخة، سودري، وجزر ود بشارة، وتتنوع مظاهر الطبيعة بالكاسنجر والتي تتمايز ما بين الشلالات والأشجار التي تمتد على الشواطئ النيلية ذات الرمال البيضاء، وذلك بجانب البحيرات وصخور الجرانيت. ويعتبر فصل الشتاء هو الوقت الأنسب لزيارة جزر الكاسنجر، بحيث ينحسر النيل فيها سامحًا للشلالات بالظهور.
تعني جزر الكاسنجر باللغة النوبية الممر الضيق، ويمكن وصفها بأنها المكان الذي يجمع بين الطبيعة البكر والتاريخ الثري
وتعني جزر الكاسنجر باللغة النوبية الممر الضيق، ويمكن وصفها بأنها المكان الذي يجمع بين الطبيعة البكر والتاريخ الثري. وبالرغم من ضعف الإمكانيات، إلا أن جزر الكاسنجر تعتبر واحدة من الوجهات السياحية المميزة في السودان وفي المنطقة بشكل عام، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بتجربة سياحية فريدة تمزج بين جمال البيئة الطبيعية والتراث الثقافي.
وتشير تقارير إلى أن عدد السكان في جزر الكاسنجر يبلغ سبعة آلاف، ويعتمد أغلبية السكان على الزراعة بشكل أساسي، إضافة إلى أعمال الرعي وصيد الأسماك. وتنتج الجزر عددًا من المحاصيل بما فيها الفاصوليا والفول السوداني والخضروات بأنواعها المختلفة.
رحلات سياحية
قبل اندلاع الحرب، نظمت جهات سياحية رحلات إلى جزر الكاسنجر ،تقول روزان صالح لموقع "الترا سودان"، وهي من المهتمين بزيارة المناطق السياحية - تقول إن الجزر تبدو مهجورة فيما عدا جزيرة عباس التي زارتها، وأكدت خلال حديثها أنها تحتوي على منتجع سياحي، ومجهزة بشكل يمكن وصفه بالجيد لاستقبال السياح.
وتحدثت روزان عن جمال جزر الكاسنجر الساحر، وأشارت إلى موقعها الإستراتيجي لقربه من المناطق الأثرية في البلاد، المتمثلة في مروي أرض الأهرامات ومنطقة نوري.
وفي السياق، أجرت مقارنة بين السياحة في كل من السودان ومصر والتي تحمل حضاراتها ملامح متشابهة حسب ما تفيد، وتؤكد روزان التي زارت مناطق سياحية في مصر أيضًا، أن السياحة هنالك مفعلة بشكل أفضل من السودان، بحيث يبلغ سعر التذكرة لدخول الأهرامات في مصر ما بين (450) إلى (650) جنيهًا مصريًا، ولا تزال المناطق الأثرية في السودان تعاني من سوء الخدمات، وعدم اهتمام السلطات بها بالرغم من أنها يمكن أن تشكل أحد أهم الموارد الاقتصادية للبلاد.
ملامح الحياة
تشير التقارير إلى أن هنالك عدد من الجزر لم تطأها قدم حتى الآن، فيما بدأت الرحلات السياحية الداخلية تنشط في المنطقة بالجهود الأهلية، بحيث تعود ملكية هذه الجزر إلى الأهالي هناك، فيما كانت قبل استقلال البلاد في العام 1956 مملوكة للإنجليز، وانتقلت ملكيتها للأهالي فيما بعد.
ويقول مواطنون إن المنطقة تعاني من سوء الخدمات، الأمر الذي دفع الكثير من الأهالي لهجرها والانتقال إلى العاصمة الخرطوم من أجل الحصول على فرص أفضل في الحياة، فيما يمتهن الأهالي هناك الزراعة التقليدية والتي تركز على إنتاج الخضروات بمختلف أنواعها وبعض الحبوب، وتنتشر في جزر الكاسنجر زراعة أشجار النخيل التي تشتهر بها الولاية الشمالية في السودان.
مشروع سياحي
نشر باحث في مجال السياحة دراسة تتعلق بعمل مشروع سياحي، ويهدف المشروع إلى ربط المعالم السياحية المميزة شمالي السودان بطريقة مبتكرة، وذلك من خلال تطوير السياحة على نهر النيل، والذي أصبح يحظى بسيط واسع في منطقة الكاسنجر. وذلك بجانب الاستفادة القصوى من طبيعة المنطقة وتنظيم نشاطها، واستدعى ذلك الاعتماد على التخطيط السياحي كعلم متخصص للوصول إلى أفضل النتائج.
وفي السياق، تقوم فكرة المشروع على جذب أكبر عدد من السياح وفقًا للخدمات والأنشطة المميزة التي سيتم توفيرها، وذلك بغرض تعزيز الاقتصاد الوطني وزيادة إمدادات العملة الأجنبية. وتعمل آليته بناءً على إنشاء روابط بين كل من جزر الكاسنجر ومروي ونوري وجبل البركل وجميع المزارات التاريخية والثقافية. كما يهدف أيضًا إلى توفير الفرص الوظيفية لأبناء المنطقة، وذلك لتقليل نسبة البطالة في السودان.
يهتم المشروع الذي يحمل اسم قرية "الكاسنجر السياحية" بعدد من الجوانب، بما فيها الجانب الثقافي، ويرمي إلى عكس ثقافة شمال البلاد، والتي تحمل حضارات ما قبل التاريخ، وذلك من خلال توفير أماكن لعقد المعارض الثقافية والاحتفالات التقليدية.
وفيما يخص الجانب الوظيفي، فإن تصميم مشروع سيكون مناسبًا لطبيعة المنطقة بشكل كبير، ويظهر ذلك من خلال الخدمات السياحية والترفيهية والتجارية والاقتصادية التي ستكون من الطراز الفاخر. واهتم المشروع بشكل خاص بالجانب الاجتماعي، والذي يهدف إلى توفير أكبر فرصة للتواصل الاجتماعي بين المجتمعات المحلية والمجتمعات الأخرى.
تحديات المشروع
بحسب الدراسة يواجه المشروع عددًا من التحديات، خاصة فيما يتعلق بتصميم أنظمة نقل سهل وجذاب، وذلك بجانب المحافظة على الطبيعة والعمل بقدر الإمكان على تقديم حلول مستدامة ومناسبة للبيئة خلال تصميم المشروع، فيما يواجه أيضًا تحديات فيما يتعلق بتضاريس الموقع وشاطئ النيل. ووجدت الدراسة أيضًا تحديات فيما يتعلق بتصميم هيكل يتناسب مع طبيعة الموقع الجغرافية وتوفير الإمداد للخدمات العامة للموقع.وأخذت الدراسة عددًا من القرى السياحية في المنطقة، كدراسة حالة مثل العين السخنة في مصر للوصول إلى أفضل صورة لمشروع قرية الكاسنجر السياحية.
وجدير بالذكر أن عدد السياح كان يمضي في ازدياد مضطرد من العام 2008 وحتى العام 2012 بحسب إحصائيات مقدمة من وزارة السياحة في البلاد، بحيث وصل عدد السياح في العام 2008 إلى (439.7) ألف زائر، فيما انخفض بشكل طفيف في العام 2009 إلى (420.2) ألف زائر، وواصل الارتفاع حتى وصل إلى (574.6) ألف زائر في العام 2012 حسب ما نشر في الدراسة، وتعتبر هذه الأرقام ضعيفة مقارنة بالبلدان السياحية الأخرى في المنطقة كمصر، والتي وصل عدد السياح فيها في العام الماضي إلى (14.9) مليون زائر.
الكاسنجر والحرب
عبثت الحرب السودانية التي اشتعلت في العام 2023 بعدد من المعالم الأثرية والمناطق السياحية في السودان، وآخرها كانت جزيرة مروي والتي تعتبر أحد مناطق التراث العالمية. فيما لم تسلم مدينة مروي شمالي السودان من المعارك، بل أنها كانت من المناطق المشتعلة في بداية الحرب في نيسان/أبريل من العام الماضي، ويعود ذلك إلى أهمية المنطقة العسكرية النابعة من وجود مطار مروي العسكري فيها، كما تشير تقارير.
ويعتبر مطار مروي العسكري أحد أكبر المطارات العسكرية في إفريقيا، بحيث تبلغ مساحته (18) كيلو مترًا، وصمم بشكل خاص لاستيعاب حركة سير الطائرات العسكرية الضخمة، ويمتاز بحركته التي لا تتوقف طيلة أيام العام، حتى في الأيام التي تشهد عواصف ترابية نتيجة تزويده بأنظمة حديثة متعلقة بالهبوط الآلي، فيما يستطيع أن يستقبل (10) طائرات دفعة واحدة.وتحتوي مدينة مروي على مطار آخر مدني، الأمر الذي يجعل منها عمقًا إستراتيجيًا للمعارك الحربية.
تبعد جزر الكاسنجر بضع كيلو مترات من مدينة مروي، الأمر الذي يجعلها مهددة باتساع رقعة الحرب إليها
وتبعد جزر الكاسنجر بضع كيلو مترات من مدينة مروي، الأمر الذي يجعلها مهددة باتساع رقعة الحرب إليها، لتنضم إلى قائمة طويلة من المناطق الأثرية والسياحية في السودان، والتي احتوت على أبنية حكومة قديمة كالقصر الجمهوري، والأسواق والمتاحف التي كانت تعكس الزخم الثقافي للسودان، وحكايات حضارات ما قبل التاريخ.