09-سبتمبر-2024
آثار الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم

25 شخصًا على الأقل هم حصيلة القتلى من المدنيين بمدينة سنار على خلفية قصف مدفعي من قوات الدعم السريع، أمس الأحد، مع إصابة نحو 80 شخصًا جراء وقوع القذائف في سوق صغير وسط البلدة الخاضعة لسيطرة الجيش.

ناشط: الإفلات من المحاسبة شجع الدعم السريع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات

فشلت قوات الدعم السريع في الشهرين الماضيين في السيطرة على مدينة سنار، بعد أن زحفت إلى مدينة السنجة، عاصمة الولاية، نهاية حزيران/يونيو الماضي. بشكل مفاجئ، وجدت قوات حميدتي نفسها في قلب سنجة دون مقاومة عسكرية تُذكر، فيما ذهبت التقارير إلى أن الدعم السريع استخدم التمويه من جبل موية إلى سنجة.

شكلت سيطرة الدعم السريع على نحو خمس محليات في ولاية سنار تحولًا كبيرًا في مسار الحرب في هذا البلد، خاصة وأن هذه العملية تسببت في خروج مشاريع زراعية كبيرة من الموسم بسبب النهب والتشريد الذي طال نصف مليون شخص.

قصف عشوائي

جاءت "مجزرة سنار"، أمس الأحد، لتضيف معاناة جديدة إلى عشرات الآلاف من المدنيين في سنار، الذين ما زالوا يلتمسون الحياة بشق الأنفس يوميًا بسبب انعدام الضروريات مثل المياه، والكهرباء، والدواء، والغذاء، والطرق الآمنة.

في الموقع الذي تعرض للقصف المدفعي في السوق الصغير وسط سنار، لا توجد منشأة عسكرية، وفق حديث ماجدة السيد، العاملة الإنسانية في ولاية سنار.

وتقول لـ"الترا سودان" إن توجيه ضربة عسكرية للسوق هو خطة الدعم السريع لدفع الناس إلى النزوح وخلق الفوضى، كما درجت في الفاشر وأم درمان، وما تزال تتمادى في عملياتها، فيما وجد الجيش نفسه عاجزًا عن توفير الحماية للمدنيين.

تشير ماجدة السيد إلى أن الجيش ضحية للجنرالات الذين كانوا يتعاونون مع حميدتي في السنوات الماضية. لذلك، ما يحدث حاليًا هو نوع من العجز، وقدرة الدعم السريع على صنع الفعل وترك رد الفعل للجيش.

وتقول إن قوات الدعم السريع بدأت تتعامل برد الفعل مع الضربات الجوية. فعندما تلقت غارات جوية في السوكي اليومين الماضيين، ردت بالقصف المدفعي، أمس الأحد، على السوق الرئيسي في سنار.

نزوح قسري لنصف مليون

أدى توسع رقعة المعارك العسكرية وسيطرة الدعم السريع على خمس محليات في ولاية سنار، نهاية حزيران/يونيو الماضي، إلى نزوح حوالي نصف مليون شخص إلى الولايات المجاورة في ظروف إنسانية حرجة. كما يتعرض عشرات الآلاف من المدنيين في مدينة سنار، التي تقع تحت سيطرة الجيش، إلى حصار من الدعم السريع بإغلاق الطرق البرية ومنع مرور القوافل الإنسانية. وبعد احتجاز دام قرابة الشهر، سمحت هذه القوات تحت ضغوط دولية بوصول القوافل إلى سنار الأسبوع الماضي.

ناشط في المجال الإنساني: قوات الدعم السريع لا تُراعي قواعد الاشتباك وحماية المدنيين

دفعت مؤشرات نقص مريع في الطعام وسط المدنيين في سنار المتطوعين إلى إنشاء المطابخ الجماعية في الأحياء السكنية بالاعتماد على تمويل الأفراد من أبناء المدينة في الخارج. كما تمكن فريق هندسي، قبل أسبوعين، من استعادة الكهرباء بتشغيل إحدى الماكينات في سد سنار المخصص لتوليد الطاقة.

يرى إيهاب السر، الناشط في العمليات الإنسانية في السودان، أن استهداف الأسواق والأحياء السكنية المأهولة بالمدنيين بالقذائف الصاروخية يأتي ردًا من قوات الدعم السريع على الغارات الجوية التي تستهدف تجمعاتها، مشيرًا إلى أن العمليات العسكرية ستؤدي إلى تقسيم البلاد، مع الوضع في الاعتبار أن قوات الدعم السريع لا تُراعي قواعد الاشتباك وحماية المدنيين. والدليل هو النزوح المستمر من مناطق سيطرتها، حيث إن حتى المجتمعات الموالية لها لا تستطيع البقاء مع هذه القوات.

الإفلات من العقاب

بينما يتهم عثمان أحمد، وهو ناشط سياسي من مدينة سنار، قوات الدعم السريع بتحويل الولاية إلى منطقة خالية من مظاهر الحياة من خلال الهجمات العسكرية على القرى والأحياء السكنية لغرض النهب وترويع المدنيين.

ويقول عثمان أحمد لـ"الترا سودان" إن قوات الدعم السريع لاحقت مئات الآلاف من المدنيين في ولاية الجزيرة، الذين نزحوا من الخرطوم والمدن الأخرى، ثم طاردتهم إلى ولاية سنار.

ويلفت أحمد إلى أن الخطط العسكرية للدعم السريع تتمحور في الوصول إلى إقليم النيل الأزرق، المتاخم للحدود الإثيوبية، والسيطرة على مجرى النيل الأزرق، ثم التلاعب بالعلاقات الإقليمية والتحكم في بعض مقاليد الأمور.

وأردف: "إطلاق قذائف على السوق، مطلع الأسبوع، مثل يوم الأحد وفي وقت الظهيرة، يعني استهداف المدنيين وترويعهم ودفعهم إلى النزوح وخلق الفوضى في مناطق الجيش، وبالتالي وضع المزيد من الضغوط على القوات المسلحة".

وقال عثمان أحمد إن المستشفى الذي استقبل المصابين يعمل بالحد الأدنى لأن الإمدادات غير متوفرة بينه وبين الولايات المجاورة، خاصة القضارف، مشيرًا إلى أن مدينة سنار وصلت إلى مرحلة الغوث الإنساني عبر الإسقاط الجوي بفعل حصار الدعم السريع.

السيطرة على النيل الأزرق

يرى عثمان أحمد أن تعثر مفاوضات جنيف واستمرار الحرب حفّزا قوات الدعم السريع للتقدم نحو مدينة سنار، رغم صعوبة هذه الخطة من الناحية العسكرية، بسبب وجود قوات كافية من الجيش في المدينة والتغييرات التي أجريت على مستوى القيادة.

وتابع: "مع ذلك، علينا أن لا نتجاهل أن الدعم السريع ينوي السيطرة على الشريط الممتد على طول النيل الأزرق من الخرطوم إلى الجزيرة مرورًا بسنار وإقليم النيل الأزرق. هذه المؤشرات يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار من قيادة الجيش".

ناشط سياسي: قوات الدعم السريع، ضمن مساعيها للانتشار على طول النيل الأزرق، ترتكب الانتهاكات ولا تلقي بالًا للمجتمع الدولي

يقول عثمان أحمد إن قوات الدعم السريع، ضمن مساعيها للانتشار على طول النيل الأزرق، ترتكب الانتهاكات ولا تلقي بالًا للمجتمع الدولي، الذي تخلى عن إدانتها، سيما بعد مقاطعة القوات المسلحة لمفاوضات جنيف.

فيما يقول الناشط في العمليات الإنسانية إيهاب السر إن قوات الدعم السريع لديها قدرة على الإفلات من العقاب على مر السنوات، سواء بحماية الدولة سابقًا أو بالمساعدات الإقليمية عبر الطرق الدبلوماسية في الوقت الراهن.