أصبحت التوترات سمة بارزة في منطقة القرن الأفريقي بين الدول، حيث تتحرك رمال المصالح للوصول إلى الموانئ وخوض "حرب المياه". وتبقى أزمة سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا ماثلة للعيان، فيما تبقى أديس أبابا القاسم المشترك.
باحث: السودان أقرب للانضمام إلى تحالف مصر وإريتريا والصومال الفيدرالية
في خطوة صُنّفت على أنها تسبق "وقت العمل على الأرض"، جرت قمة ثلاثية بين رؤساء إريتريا ومصر والصومال في العاصمة أسمرا، الخميس الموافق 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024. تركزت القمة على المضي قدمًا في تعزيز مؤسسات الدولة في الصومال الفيدرالية المناوئة لإثيوبيا.
جاءت قمة أسمرا نتيجة تطورات في منطقة القرن الأفريقي عقب اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة، وأبرمت معها مذكرة تفاهم في كانون الأول/يناير 2024 للوصول إلى المرافئ البحرية واستخدامها لأغراض النقل والتجارة والعبور. وقد وقع رئيس الوزراء آبي أحمد المذكرة في العاصمة أديس أبابا، والتزمت بالاعتراف باستقلال هذه المنطقة التي انفصلت أحاديًا عن الصومال. في ذات الوقت، نددت مقديشو بالمذكرة الموقعة بين الجانبين ووصفتها بأنها "غير قانونية".
إثيوبيا لا تمتلك موانئ على أراضيها، واعتمدت لسنوات على موانئ السودان وجيبوتي خلال بعض الفترات. كما لم تفلح مذكرات التفاهم التي أجرتها مع الخرطوم لاستخدام موانئ بورتسودان بسبب توتر العلاقات تارة بين البلدين، وعدم مواكبة الموانئ السودانية للتطورات في البنية التحتية.
تطورات عسكرية
الشهر الماضي، عقب هذه التطورات، أرسلت مصر طائرات عسكرية نقلت نحو ألف جندي مصري بكامل العتاد العسكري إلى الصومال الفيدرالية المناوئة لأديس أبابا، مبررةً ذلك بأنها تسعى إلى تعزيز الحماية لهذا البلد.
التعاون العسكري بين مصر والصومال الفيدرالية كان مفاجئًا، خاصة وأن البلدين لا يتجاوران على الحدود. لكن القاهرة وضعت في عين الاعتبار الصراع بين الصومال وإثيوبيا، خاصة وأن الأخيرة اعترفت بـ"إقليم أعلن استقلاله بشكل أحادي".
البيان الختامي للقمة: المشاورات جرت بين الرؤساء الثلاثة بشكل مكثف بشأن مسائل إقليمية ودولية مهمة
وذكر بيان في ختام القمة التي جرت في أسمرا، الخميس الموافق 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أن القمة التي جاءت بدعوة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، جمعت الأخير إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس حسن شيخ محمود رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية. وقال البيان إن المشاورات جرت بين الرؤساء الثلاثة بشكل مكثف بشأن مسائل إقليمية ودولية مهمة.
وأكد الرؤساء الثلاثة على ضرورة الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية للقانون الدولي باعتبارها الأساس الذي لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميين، خاصة الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة، والتصدي للتدخلات في الشؤون الداخلية لهذه الدول تحت أي ذريعة أو مبرر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي وخلق مناخ مواتٍ للتنمية المشتركة والمستدامة.
حماية حدود الصومال
اتفق البيان الختامي للرؤساء الثلاثة على تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانيات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكافة صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية، وصيانة وحدة أراضيه.
تأتي هذه التطورات مع ارتفاع التوتر بين مصر وإثيوبيا من جهة، وبين الصومال الفيدرالية وإثيوبيا من جهة أخرى، وبين إريتريا وإثيوبيا. وهذا يعني أن أديس أبابا هي المحور الرئيسي بالنسبة للدول الثلاث، حسب مراقبين دبلوماسيين.
يقول الخبير الدبلوماسي عمر عبد الرحمن لـ"الترا سودان" إن القمة التي جرت في أسمرا بين أفورقي والسيسي وشيخ حسن، الرئيس الصومالي، عززت الاتفاق لحماية الصومال وعدم الاعتراف بالمذكرة الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال في كانون الأول/يناير 2024.
خبير دبلوماسي: مصر هي مهندسة التطورات الأخيرة، وغازلت مخاوف إريتريا والصومال الفيدرالية بشأن توترات هذين البلدين مع إثيوبيا
ويعتقد عبد الرحمن أن مصر هي مهندسة التطورات الأخيرة، وغازلت مخاوف إريتريا والصومال الفيدرالية بشأن توترات هذين البلدين مع إثيوبيا، والتي تصل مرحلة القطيعة في بعض الفترات. ويضيف أن مصر تسعى إلى استعادة دورها كنصير استراتيجي للمجتمع الدولي في منطقة القرن الأفريقي بالتحالف مع دول صغيرة تعاني من مشاكل واضطرابات داخلية، مستغلةً تصدع الجبهة الداخلية في إثيوبيا بتمرد مليشيا فانو ضد نظام آبي أحمد.
وتابع: "تحرك مصر يستهدف تضييق الخناق على إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة، وجمعت البلدان التي لديها موقف من حكومة آبي أحمد". وأردف عبد الرحمن: "إثيوبيا أرسلت سفيرها إلى أرض الصومال، متجاوزةً مرحلة الاعتراف بها إلى بناء علاقات دبلوماسية. هذه الخطوة تثير الصومال الفيدرالية بالقلق الشديد، والتي سعت بدورها إلى البحث عن تحالفات إقليمية، ولم تجد أنسب من القاهرة وأسمرا لمساندتها مقابل مصالحها".
ذهبت مصر إلى تأمين علاقتها مع الصومال الفيدرالية بقيادة الشيخ حسن إلى درجة إرسال مدافع وأسلحة ثقيلة إلى الصومال الفيدرالية، حيث استقبل وزير الدفاع الصومالي سفينة تحمل العلم المصري وعلى متنها معدات عسكرية ثقيلة. وعلق وزير الدفاع الصومالي بالتزامن مع وصول السفينة المصرية قائلاً: "لا يمكن فرض الأوامر علينا بعد اليوم؛ نحن من نقرر من هم الأعداء ومن هم الحلفاء".
مجموعة مصالح
أثار توريد مصر للأسلحة الثقيلة إلى الصومال الفيدرالية قلق وزير الخارجية الإثيوبي، الذي أصدر بيانًا في أيلول/سبتمبر الماضي أكد فيه أن هذه التطورات ستؤدي إلى "زعزعة الأمن الهش في الإقليم، وقد ينتهي الأمر بأيدي الإرهابيين".
يوضح الباحث في الشأن الأفريقي عادل أحمد إبراهيم في حديث لـ"الترا سودان" أن التطورات الأخيرة بين مصر وإريتريا والصومال الفيدرالية، والتي تنطلق من شرعية الدولة المركزية المعترف بها دوليًا، قد تصل إلى مرحلة النزاع المسلح داخل "أرض الصومال" لمنع إثيوبيا من استخدام البحر المطل في هذا البلد غير المعترف به دوليًا.
باحث في الشأن الأفريقي: بالنسبة للرؤساء الثلاثة الذين اجتمعوا في أسمرا، هناك مصالح مشتركة بينهم تتمثل في تضييق الخناق على إثيوبيا
وأضاف: "بالنسبة لإريتريا، فإن لها توتراتها القديمة والمتجددة مع جارتها إثيوبيا. وبالتالي، بالنسبة للرؤساء الثلاثة الذين اجتمعوا في أسمرا، هناك مصالح مشتركة بينهم تتمثل في تضييق الخناق على إثيوبيا والحصول على تنازلات قبل أن تصل الأوضاع إلى مرحلة المواجهات العسكرية، والتي تمثل الخيار الأخير بالنسبة لجميع الأطراف".
ويعتقد إبراهيم أن التطورات بالنسبة لمصر تأتي في سياق "حرب المياه"، مع إصرار إثيوبيا على الملء الأحادي لسد النهضة، كما فعلت قبل أيام قليلة، مستغلةً انشغال السودان بالحرب الداخلية المستمرة منذ (18) شهرًا، وتوقف المفاوضات حول السد بين الدول الثلاث.
ويرى إبراهيم أن السودان هو أقرب الدول للانضمام إلى تحالف مصر وإريتريا والصومال، في ظل استمرار أزمة الفشقة وسد النهضة بينه وبين إثيوبيا. وقد أعلن السودان موقفه من مذكرة التفاهم التي وُقعت بين إثيوبيا و"أرض الصومال" في كانون الأول/يناير 2024، ودعا إلى احترام سيادة هذا البلد.