تحول مستشفى النو في أم درمان إلى ساحة لتكفين الموتى مساء الخميس، إثر قصف مدفعي على مناطق الثورات في محلية كرري الخاضعة لسيطرة الجيش، ووصول عشرات الضحايا إلى المستشفى الحكومي في المنطقة.
القصف المدفعي أودى بحياة (22) مدنيًا في محلية كرري
وأطلق المتطوعون في مستشفى النو نداءات الاستغاثة مساء الخميس لاحتياجات تتعلق بتكفين الضحايا وتضميد إصابات العشرات في ذات الوقت.
يسرد عامل متطوع في مستشفى النو في أم درمان في حديث مع "الترا سودان" الوضع في المستشفى الساعات الماضية، وحتى صباح اليوم الجمعة ويصفه بـ"المأساة"، وقال إن عدد الضحايا يفوق الـ (22) مدنيًا والعدد الكلي ما بين (40) قتيلًا ومُصاب".
وتابع: "لم نتمكن من تنويم المصابين على حمالات المرضى، افترشوا الأرض وكان يتم علاجهم بواسطة الأطباء والعاملين الطبيين، مشاهد البكاء التي رأيتها كانت صادمة للغاية لناس فقدوا عائلاتهم بالكامل أو الأطفال".
وزاد بالقول: "القذيفة حينما تسقط على المنازل تقضي على حياة العائلة بأكملها لذلك المأساة مضاعفة". القاذفات الصاروخية التي انهمرت على أحياء الثورات في محلية كرري الخاضعة لسيطرة الجيش، يقول المواطنون إن مصدرها قوات الدعم السريع التي تحاول تهديد استقرار المدنيين، خاصة مع إعلان القوات المسلحة البدء في إعمار سوق أم درمان.
الأسبوعان الماضيان صعدت الدعم السريع من وتيرة القصف المدفعي على محلية كرري وأحياء أم درمان القديمة والثورات، ويقول مراقبون عسكريون إن الدعم السريع لديها منصات لإطلاق المدافع من الخرطوم بحري الواقعة على الضفة الشمالية من النيل.
القصف المدفعي الذي وصفه المواطنون بأنه الأعنف من نوعه مساء الخميس، لم يمنح سائق "توك توك" أو "الركشة" فرصة بالابتعاد عن دائرة الخطر في ساحة عامة في الثورات، ولقي حتفه على الفور كما أُصيب شخص يرافقه وأحدثت القذيفة حفرة نصف قطرية بطول مترين.
وأضاف العامل المتطوع في مستشفى النو لـ"الترا سودان": "الجميع كانوا يعملون في المستشفى بما في ذلك المواطنين، لأن الوضع وصل درجة عالية من مستويات الطوارئ، لقد نزف المصابون دماء كثيرة وبعضهم فارق الحياة أمام أعيننا، لم نكن نملك شيئًا نقدمه سوى أن نلعن الحرب".
وتزامنت مجزرة محلية كرري مع مجزرة قرية "ود النورة" بولاية الجزيرة، الأمر الذي صعد من سخط الرأي العام على قوات الدعم السريع المتهمة بالوقوف وراء المجزرتين اللتين أودتا بحياة أكثر من (220) مواطن.
ويقول الجيش إنه يعمل على اتخاذ تدابير تمنع تجدد القصف المدفعي على محلية كرري، من خلال هجوم بري نوعي نفذته على الدعم السريع في الخرطوم بحري عبر جسر الحلفايا الأسبوع الماضي.
وتوعد قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بالرد القاسي على الدعم السريع والداعمين السياسيين من "تقدم" خلال زيارته إلى مدينة المناقل القريبة من قرية "ود النورة" التي شهدت المجزرة.
بالمقابل تتصاعد الانتقادات ضد البرهان بسبب تطاول أمد المعارك خاصة في ولاية الجزيرة، وعدم إحراز الجيش تقدم ميداني منذ آذار/مارس الماضي، مع اتساع رقعة الانتهاكات التي ترتكبها الدعم السريع، طبقاً للجان مقاومة ودمدني بولاية الجزيرة.
وتعمل المستشفيات في العاصمة الخرطوم بدعم من منظمات دولية وفي ظروف بالغة التعقيد وفق المتطوعين، كما أن التصعيد العسكري يهدد المستشفيات التي تعمل بطاقة استيعابية ضعيفة منذ الحرب التي أغلقت 80% منها منذ عام،لا سيما في العاصمة.
ويقول مدثر الذي يقيم في محلية كرري لـ"الترا سودان"، إن القصف المدفعي استمر لساعات الخميس، وكان عنيفًا للغاية، لم نشهد مثله في المنظور القريب، لابد من أن تعمل القوات المسلحة على إغلاق مصادر القصف.
وأردف: "كل ما حاول الناس استئناف حياتهم في المناطق الآمنة، تحيل القذائف الصاروخية حياتهم إلى جحيم، الأسبوع الماضي وصل رجل إلى مستشفى النو مبتور الساق بسبب قذيفة سقطت على متن عربة "توك توك"، الناس هنا يعانون من الآثار الوخيمة للقصف المدفعي على الأحياء المدنية، والعالم يشاهد أيضًا وكأنها لعبة الموت".
ومنذ سيطرة الجيش على مباني الإذاعة والتلفزيون والأحياء القديمة في أم درمان منتصف آذار/مارس الماضي، شهدت العمليات العسكرية المباشرة بطءًا ميدانيًا، فيما اعتمد الطرفان على القصف المدفعي والعمليات النوعية المحدودة.
ويقول مراقبون إن القوات المسلحة التي لديها خطط لاتساع رقعة المناطق الآمنة، عليها السيطرة على الأحياء التي تحتفظ بها الدعم السريع بقوات تطلق القذائف من منصات ثابتة منذ شهور، خاصة في الخرطوم بحري أو مناطق الصالحة أو أمبدات، بما في ذلك جنوب الخرطوم أيضا الواقعة على الضفة الجنوبية من النيل الذي يفصلها عن أم درمان.
وبدأت القوات المسلحة عمليات محدودة في بعض أحياء الخرطوم بحري منذ الشهرين الماضيين، وإذا ما مضى في اتساع دائرتها قد تتمكن من السيطرة على منصات المدافع التي تؤرق المدنيين في محلية كرري، وفقًا للمراقبين العسكريين.