أثارت عودة القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني محمد طاهر إيلا، لغطًا كبيرًا في الساحة السياسية والاجتماعية في إقليم شرق السودان، وبين الفاعلين السياسيين عمومًا. وأشار نُشطاء ومحللين إلى احتمالية أن يكون السبب وراء عودته خارجيًا لا علاقة له بما يدور داخل السودان والإقليم عمومًا، في حين أكد بعضهم إمكانية مشاركته وتأثيره "بقوة" على الوضع السياسي الحالي، على خلفية الحشود الغفيرة التي اجتمعت من أجل الترحيب بعودته.
لجان بورتسودان تُدين
وكانت لجان المقاومة ببورتسودان قد رفضت الترتيبات التي كانت قد أُقيمت لاستقبال القيادي في حزب المؤتمر الوطني والوالي الأسبق لولاية البحر الأحمر، وآخر رئيس وزراء لحكومة البشير محمد طاهر إيلا. وأدان بيان صادر عن لجان مقاومة بورتسودان، صرف ميزانيات ضخمة لاستقبال من وصفوه بـ"المجرم الهارب من العدالة"، مشيرين إلى حجز حساباته وحسابات أبنائه من قبل لجنة إزالة التمكين.
لجان المقاومة ببورتسودان: لعودة تأتي في ظل الأمان الذي وفرته السلطة الانقلابية لقيادات وفلول نظام الإنقاذ
ولفت البيان إلى أن العودة تأتي في ظل الأمان الذي وفرته السلطة الانقلابية لقيادات وفلول نظام الإنقاذ، وأن هذه العودة تأتي في غطاء القبلية و إقحامها في المشهد السياسي مجددًا، وهو ما رفضته لجان المقاومة وأشارت إلى أنه يهدف لـ"هتك النسيج الاجتماعي" بالولاية.
ونوه البيان إلى وجود تسويف يثار حوله وإذاعات بامتلاكه للحل وإمكانية تأثيره في المشهد السياسي لصالح النظام البائد ودول المحور، متناسين الأزمات التي كانت تعيشها الولاية في فترة ولايته من أزمات مياه و كهرباء وغيرها - وفقًا للبيان.
وأكدت لجان مقاومة بورتسودان رفضها لهذه الممارسات، مشيرة إلى وجوب تطبيق القانون وتحقيق العدالة على الجميع، وبالتحديد كل من تحوم حوله "شبهات الفساد واختلاس المال العام".
وأكد عضو لجان مقاومة بورتسودان عمر طارق، جميع ما أورده البيان، وتابع في تصريح لـ"الترا سودان": "لو تقبل المجتمع المحلي شخصية كمحمد طاهر إيلا؛ فـالانهزام للانقلاب سيغدو أمرًا واقعًا، وسيفتح تقبل هذه الشخصية الأبواب لتمكين الإدارات الأهلية من جديد، ما سـيعيدنا للمربع الأول قبل سقوط الدكتاتور".
ونفى طارق وجود انشقاق في اللجنة أو مشاركة أي تنسيقية في استقبال إيلا، وقال إن من رفعوا الشعارات باسم لجان الديوم الجنوبية هم من اتباع نظام الإنقاذ، مشيرًا إلى بيان صادر عن اللجنة ورد فيه: "تابعتم اليوم في حفل ترحيب الهارب من القانون المدعو محمد طاهر إيلا وجود شعارات ترحيبية ممن يدعون أنهم يمثلون شرفاء حي يثرب بالديوم الجنوبية، ولكن هيهات على هؤلاء الفلول وهم يلوحون بأيديهم الخبيثة لتلطيخ سمعة الحي التي كانت وستظل خنجرًا مسمومًا في خاصرة كل الطغاة .. نعتبر أن هؤلاء المجموعات لا يمثلون إلا أنفسهم".
الدور الخارجي وراء الزيارة
ونوه الناشط في قضايا شرق السودان خالد محمد نور، إلى أن الحشود المحتشدة حاليًا من أجل الترحيب بمحمد الطاهر إيلا ذات طابع قبلي بإمتياز، معبرًا عن أن الطابع القبلي كان جليًا عبر اللافتات المنشورة.
وأشار نور إلى أن لجان المقاومة رصدت طبيعة الملابسات، وأشارت إلى أن الاحتفاء برئيس الوزراء السابق لحكومة الإنقاذ المُطاحة من قبل الشعب هو أمر غير سليم، وأقر نور بأن الحشد كبير فعلًا، وعلل لذلك بأن هذه هي طبيعة الحشود القبلية، والتي شهدت قبلًا في مؤتمر سنكات، وشمبوب بكسلا واستقبال الأمين داؤود.
وبالحديث عن التأثير المتوقع لعودة إيلا، أفاد نور في حديث لـ"الترا سودان"، أنه لن يكون هنالك تأثير سياسي لوجود إيلا في شرق السودان، فالمعروف أنه شخصية صدامية وله صدامات عديدة ومشهورة مع سياسيين من نفس المكون الذي كان ينتمي له -حزب المؤتمر الوطني المحلول- ومع ناظر عموم قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك، بجانب خلافه الشهير مع أعضاء المجلس التشريعي بالجزيرة، والذي أنتهى بحل المجلس التشريعي للولاية. وأشار نور إلى وضوح استناد إيلا على دعم كبير من الإنقاذ من خلال حسمه لخلافاته بالسلطة المخولة له منها.
وتابع خالد محمد نور: "العامل الأهم والأكثر خطورة لزيارة إيلا في هذا التوقيت وهذه الظروف بالتحديد؛ هو الدور الخارجي، فطبيعة الأهداف المصرية التي سيشارك فيها محمد طاهر إيلا ووجوده الطويل في مصر وعودته في ظل هذه الظروف، من الممكن أن يُقرأ في سياق محاولات مصر والإمارات للتأثير على توجهات المجموعات القبلية في شأن قضية الموانئ بالتحديد"، ومضى بالقول: "من الوارد أن يحتوي إيلا الاحتقان القبلي من أجل توظيفه وخلق نوع جديد من التحالفات لصناعة نشاط في حركة الاستثمار في الموانئ ".
محاولة لإشاعة الإحباط بين الثوار
ومن جانبه يرى القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي وجدي صالح، أن المسالة لا تتعلق بالأموال فقط؛ وإنما تتعلق باستفزاز الشعب السوداني من خلال الاحتفالات.
وتابع صالح في حديث لـ"الترا سودان": "المسألة لا تتعلق بعودة إيلا أو عدم عودته إلى السودان، لكن الاحتفاء بهذه العودة هو محاولة لاستفزاز الثوار والثورة، ومحاولة لإدخال وإشاعة روح الإحباط بين الثوار".
ومضى بالقول: "الثوار لن يُحبطوا بمثل هذه الأفعال الصبيانية، ولن تؤثر عليهم، لأنهم على يقين بأن الثورة منتصرة ولن يقف في مواجهتها لا انقلاب أو فلول، ولن يعود الفلول لحكم الشعب السوداني مرة أخرى، ولن يقبل الشعب السوداني أن تحكمه سلطة انقلابية عسكرية.
عودة تمهد للانتخابات
وفي سياق مُتصل يرى الصحفي والمحلل السياسي المختص في قضايا شرق السودان محمد عثمان الرضي، أن عودة رئيس الوزراء السابق محمد طاهر إيلا للبلاد تحمل العديد من الرسائل، أولها ذات طابع سياسي تهدف لتجديد الولاء ونفض الغبار عن قواعد الحزب التي غاب عنها مدة أربع سنوات، والرسالة الثانية من حيث التوقيت والإقليم يشهد حالة من الاحتقان والاقتتال القبلي بشرق السودان.
وأشار الرضي لـ"الترا سودان"، إلى أن خطاب إيلا "تصالحي وتوافقي" يتمثل في رتق النسيج الاجتماعي وترتيب البيت من الداخل، وأن حديثه عن التمثيل السياسي في المناصب الدستورية وتقاسم السلطة والثروة لكل مكونات الإقليم قد وقع بردًا وسلامًا علي المواطنين - بحسب تعبيره.
صحفي ومحلل سياسي: إشادة إيلا بالقوات المسلحة في حقن الدماء طيلة الفترة الماضية كانت بمثابة مغازلة صريحة لكسب المكون العسكري
ونوه الرضي إلى أن ذكر دولة مصر في خطاب رئيس الوزراء السابق يمثل دلالة واضحة عن دور إقليمي مرتقب لمصر منفصلًا عن دولتي الإمارات والسعودية، ولفت الرضي إلى أن إشادة إيلا بالقوات المسلحة كانت بمثابة مغازلة صريحة لكسب المكون العسكري.
وأكد الرضي أن تزامن زيارة رئيس الوزراء الأسبق إيلا مع ظهور نائب رئيس الحزب المحلول المهندس إبراهيم محمود في قناة طيبة الفضائية للحديث عن الراهن السياسي؛ دلالة واضحة عن عودة الحزب بقوة تمهيدًا لمرحلة الانتخابات القادمة - حد قوله.