08-يونيو-2024
غبار وأتربة في ظل ارتفاع درجات الحرارة بالسودان

يواصل منخفض الهند الموسمي في التأثير على الأجواء هذه الأيام في السودان. يتداول مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي وحسابات ساخرة مقاطع فيديو تظهر كيف أن المياه من الحنفية لوحدها دون تسخين كافية لصنع الشاي، حيث تصل درجات الحرارة المحسوسة أكثر من (50) درجة مئوية طوال ساعات النهار.

أطباء وناشطون أيضًا يحذرون من الآثار القاتلة لدرجات الحرارة العالية التي يتسبب بها منخفض الهند الموسمي في السودان

أطباء وناشطون أيضًا يحذرون من الآثار القاتلة لدرجات الحرارة العالية التي يتسبب بها منخفض الهند الموسمي في السودان، لا سيما أقصى الشمال. وعلى خلفية إصابة العديد من السودانيين المغادرين إلى مصر عبر البر، لضربات شمس، انطلقت دعوات لتوقف الناس عن السفر عبر البر وأسوان والصحراء خلال هذه الفترة.

أهم معالم الطقس

التقارير الصادرة عن الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية (حكومية)، تقول إن أهم معالم الطقس في السودان خلال أيار/مايو وحزيران/يونيو تتمثل في منخفض الهند الموسمي الذي يغطي معظم أنحاء البلاد. يتسبب منخفض الهند الموسمي في ارتفاع جنوني لدرجات الحرارة، وتكثر خلاله حالات الطوارئ الصحية المرتبطة بالحر.

بالنسبة للهيئة العامة للأرصاد الجوية، فإنه من المتوقع أن توالي درجات الحرارة العظمى ارتفاعها في البلاد. التقارير تقول إن الطقس سيظل حارًا نهارًا في جنوب و غرب السودان، إلى حار جدًا في شمال، شرق وأواسط السودان. وتسجل مدينة دنقلا في أقصى الشمال درجات حرارة تقترب من الخمسين في القياس، ولكن تزيد عن ذلك درجات الحرارة المحسوسة التي تتأثر بالرياح ونسبة الرطوبة وغيرها من العوامل.

منخفض الهند الموسمي بالتضافر مع العامل الآخر المتمثل في الفاصل المداري أيضًا يدفعان إلى تغيرات مفاجئة وغريبة في الطقس، حيث تثور العواصف الترابية التي تلحق بها الرعود والأمطار، مضيفة إلى مخاطر المناخ التي تعقد الوضع في السودان الذي يشهد حربًا ضارية تسببت في أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم اليوم.

وكان مواطنون قد نقلوا عن مقتل عدد من الأشخاص في ريفي ولاية كسلا أقصى شرقي البلاد، وذلك خلال عاصفة ترابية ضخمة "هبوب" تحولت إلى عاصفة رعدية عصفت بالمنازل المعمولة بالمواد المحلية البسيطة، وحصدت حياة ستة أشخاص مساء الأربعاء المنصرم.

يتأثر شرق السودان بشكل مختلف بهذه العوامل، فمدينة بورتسودان وعموم ولاية البحر الأحمر مناخها المشابه لطقس البحر الأبيض المتوسط، يلتهب في هذه الفترة من الصيف، ويزيد اشتعاله الرطوبة العالية التي تحملها الرياح من البحر إلى الولاية الصخرية شحيحة الأشجار، والتي تستضيف مئات الآلاف من النازحين من العاصمة والولايات المتأثرة بالحرب. ويعيش أعداد كبيرة من النازحين في مراكز إيواء مزدحمة تفتقر للخدمات الأساسية من مياه وكهرباء.

منخفض الهند الموسمي

منخفض الهند الموسمي الذي لا يؤثر على السودان وحده، سمي بهذا الاسم لأنه يبدأ في التشكل في شبه القارة الهندية. يتشكل هذا المنخفض الجوي في نيسان/أبريل من كل عام.

بحسب المركز العربي للمناخ، منخفض الهند الموسمي هو عبارة عن ضغط حراري منخفض مركزه شمال غرب الهند يمتد غربًا إلى دول الخليج العربي وإيران ليبلغ قبرص وأحيانًا يصل امتداده إلى إيطاليا وشمال غرب افريقيا وأحيانا حتى الأطلسي.

 هذا المنخفض يتسبب في ارتفاع درجة الحرارة في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام و العراق لتتجاوز في بعض المناطق مثل شمال السودان وجنوب مصر ومناطق في العراق وإيران (50) درجة مئوية خلال فترة الصيف. وتقول مصادر إن منخفض الهند الموسمي يسجل قيم ضغط جوي منخفضة قد تصل خلال شهر تموز/يوليو إلى أدنى من (995) ملليبار.

نشاط الرياح

يزيد من درجة الحرارة المحسوسة هذه الأيام نشاط الرياح، أحيانًا تصاحب ارتفاع درجات الحرارة رياح السموم القوية المعروفة في السودان، والتي تفاقم آثار التسخين على الجسم. وبحسب تقارير الهيئة العامة للأرصاد الجوية، تنشط الرياح الشمالية الشرقية متوسطة إلى عالية السرعة أحيانًا، المثيرة للغبار و الأتربة، في أجزاء متفرقة أنحاء السودان.

يتسبب الطقس المتقلب في توقعات بأمطار خفيفة في ولايات شرق وجنوب البلاد. كذلك تنتشر العواصف الترابية التي تحجب الرؤية أثناء النهار، وتصحبها الصواعق الخطرة على الأرواح.

تأثير الحر على حياة الناس

يحذر أطباء من أن التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال هذه الأيام يفاقم المخاطر الصحية المرتبطة بدرجات الحرارة. وتعد ضربة الشمس أو إعياء الشمس أكثر حالات الطوارئ القاتلة أثناء مناخ منخفض الهند الموسمي في السودان. ضربة الشمس لا تأخذ الكثير من الوقت لحدوثها، والنتائج المترتبة عليها وخيمة، تصل الموت في بعض الحالات.

ويحاول السودانيون التأقلم بشتى الطرق مع الارتفاع القاتل في درجات الحرارة مع الانقطاعات المطولة للتيار الكهربائي، ويعتمد الكثيرون على الملابس التقليدية الخفيفة مثل العراقي والجلاليب البيضاء التي تعكس أشعة الشمس. المساجد التي بها مولدات للطاقة الكهربائية أيضًا تشهد إقبالًا كثيفًا للرواد في غير أوقات الصلاة، ليستظل الناس بالظل البارد والهدوء والسكينة بعيدًا عن هجير الشمس.

ينصح الأطباء في مثل هذه المناخات بالإكثار من شرب المياه والتهوية الجيدة طوال الوقت. تفشل هذه المحاولات لدعم عمليات الجسم المقاومة للحرارة في ظل الرطوبة العالية لمدن البحر الأحمر، وهي المناطق الأشد تأثرًا بضربات الشمس بسبب الرطوبة العالية.

وفي الثالث من حزيران/يونيو الجاري، وجراء ارتفاع درجات الحرارة، وجه مدير عام وزارة التربية والتعليم بالولاية الشمالية، سيف الدين محمد عوض الله إدارات التعليم بالمحليات والوحدات وإدارات المدارس بكافة المراحل الدراسية في الولاية لإنهاء اليوم الدراسي بجميع المراحل بالولاية عند الساعة الثانية عشر ظهرًا وبداية اليوم الدراسي مبكرًا نسبة لارتفاع درجات الحرارة بالولاية.

في انتظار الخريف

في السنوات الأخيرة صارت بلاد السودان تشهد أجواء متطرفة للغاية. ينتظر الناس الخريف هذا العام على أحر من الجمر على الرغم من السيول والفيضانات التي غلبت على البلاد في المواسم السابقة وأحالت حياة الناس إلى جحيم. ولكن الحر هذا العام أعظم، فصار السودانيون كمن يستجير من الرمضاء بالنار. على أي حال، هناك جانب إيجابي واحد لموجة الحر القوية لمنخفض الهند الموسمي، فالناس تشرب الشاي مباشرة من الحنفية دون الحاجة إلى تسخين المياه.

تثير هذه الأجواء المتطرفة أسئلة المستقبل والمصير، ويزيد من ثقل هذه التساؤلات واقع الحرب والنزوح الذي تمر به البلاد. دمرت الحرب البنية التحتية للسودان، والاقتصاد المعطل بالقتال لا يسمح بأي أجندة تنمية كما صرح وزير المالية الاتحادي جبريل إبراهيم. تضارفت العوامل الطبيعية والتي من صنع الإنسان في قتل السودانيين وتخريب حيواتهم، وحتى العوامل الطبيعية يمكن اعتبارها ضمن مسؤولية الإنسان في تطويع الطبيعة لا تدميرها، أو على الأقل توفير سبل التحكم في الجو المحلي عبر المكيفات وتوفير المياه وهي مسؤولية الحكومات والقادة، أولئك الذين تركوا كل شيء ليتفرغوا للاحتراب.