أظهرت مؤشرات دولية هذا الأسبوع تحولات في المشهد تلاحق قوات الدعم السريع. ويوم الجمعة، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2024، قامت منصة "إكس" بإغلاق الحسابات الرسمية لهذه القوات وقائدها. وقبل ذلك، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على العقل الاقتصادي لقوات حميدتي، القوني حمدان دقلو، الشقيق الأصغر للجنرال الذي يقاتل الجيش منذ عام ونصف.
من العقوبات الأميركية على العقل الاقتصادي للدعم السريع إلى التراجع الميداني، مرورًا بخطاب حميدتي، قد تكون جميعها مؤشرات خسارة الحلفاء الإقليميين
علقت وزارة الخزانة الأميركية على العقوبات الصادرة بحق القوني قائلةً إنه عرض حياة مليوني شخص في الفاشر للخطر بنقل الأسلحة إلى قوات الدعم السريع وعقد الصفقات التجارية، خاصة مع اعتلائه واجهة العمليات الاقتصادية لشقيقه حميدتي المقرب منه.
كما صنفت منصة "فيسبوك" قوات الدعم السريع وقائدها تحت عبارة "جماعة خطرة"، ولا يمكن البحث عن هذه القوات أو قائدها على هذه الشبكة الاجتماعية دون ظهور تحذير منها، كما يقيد فيسبوك المنشورات المساندة لها.
قبل أن تتطور هذه الأمور التي تزعج قوات الدعم السريع، كان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، الذي زار نيويورك الشهر الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد حصل على وعود من مسؤولين أميركيين بالضغط على الإمارات لوقف تسليح قوات حميدتي.
وكأنها صفعة موجهة لقوات الدعم السريع، أعلن مجلس السلم والأمن حاجة الاتحاد الأفريقي لفتح مكتب في بورتسودان، مقر الحكومة المدعومة من الجيش، ما يعني اعترافًا ضمنيًا بالجيش كمؤسسة عسكرية وفق ما ذهبت إليه تحليلات الدبلوماسيين. في ذات الوقت، ألمح مجلس السلم والأمن إلى إمكانية رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، داعيًا إلى اتباع نقاشات بناءة في هذا الصدد.
يعتقد المحلل الدبلوماسي عمر عبد الرحمن أن المجتمع الدولي في طريقه لـ"توجيه صفعة" لقوات الدعم السريع، لأن القرائن تشير إلى أنها بلا مستقبل في القارة الأفريقية، التي تعتمد على الجيوش الوطنية في ظل توجهات القارة لمكافحة الإرهاب، سواء كانت الأنظمة عسكرية دكتاتورية أو ديمقراطية.
ويرى عبد الرحمن في حديثه لـ"الترا سودان" أن فرض عقوبات على شقيق حميدتي، الذراع الاقتصادي لقوات الدعم السريع القوني حمدان دقلو، بواسطة الخزانة الأميركية، إلى جانب إغلاق منصة "أكس" حساب القوات على الشبكة الاجتماعية الأكثر موثوقية مقارنة بالشبكات الاجتماعية الأخرى، كونها نخبوية، يظهر رغبة المجتمع الدولي في إنهاء سطوة هذه القوات.
مُنيت قوات الدعم السريع بخسائر ميدانية هذا الأسبوع، بخسارة مدينتي السوكي والدندر وجبل موية في ولاية سنار، مع بقاء محلية سنجة تحت سيطرة خجولة لهذه القوات، وهي محاصرة من جميع الاتجاهات، ما يجعل عملية فقدانها مسألة وقت لصالح الجيش حسب مجريات الوضع العسكري.
العمليات العسكرية للجيش، التي انطلقت في 26 أيلول/سبتمبر 2024، أظهرت (18) شهرًا من بقاء القوات المسلحة خلف ستار التجهيزات السياسية والدبلوماسية والعسكرية لكبح تقدم قوات الدعم السريع، وفقًا لمراقبين سياسيين. فمن قوات كانت محاصرة في العاصمة الخرطوم، أصبحت حاليًا في وضع الهجوم على قوات حميدتي.
يرى عثمان محمد علي، الباحث السياسي، في حديثه لـ"الترا سودان" أن العقوبات الدولية قد تستهدف الجيش والدعم السريع، لكن هناك تفاصيل في الخفاء قد تقرب قوات حميدتي من عملية "نزع الأنياب" من خلال الصفقات السياسية مع الحكومة السودانية المدعومة من الجيش، باعتبارها الأكثر قدرة على التحرك الدبلوماسي عبر مؤسسات الدولة مع المجتمع الدولي.
وتابع: "لا أخفي أن التحول الميداني والدبلوماسي اختلف منذ زيارة قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لنيويورك نهاية أيلول/سبتمبر 2024، أثناء المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويقول عثمان إن السلطة الحاكمة، سواء في كابينة الإدارة السياسية أو العسكرية في بورتسودان، "براغماتية"، وهذا أمر موجود داخل أروقة المجتمع الدولي. لذلك فإن خطاب حميدتي كان "انهزاميًا" في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2024، خاصة هجومه على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتفاق الإطاري.
وأردف محمد علي: "مستوى الارتجال والشعبوية في الخطاب الأخير يوضح شعور قائد الدعم السريع بالمرارة تجاه أشياء حدثت وتحولات كبيرة، إما باقتراب قوى إقليمية من التخلي عنه وخفض المساندة الدبلوماسية واللوجستية، أو تحول على نطاق أوسع على مستوى الولايات المتحدة الأميركية".
بينما يقول عضو في الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية لـ"الترا سودان" إن التقديرات الدولية تختلف عن "العاطفة السياسية" لدى منظمات المجتمع المدني والأحزاب في السودان، لأن المجتمع الدولي يبحث عن مصالحه في أي بلد، طالما أن النظام الحاكم، سواء بقوة السلاح أو الديمقراطية النسبية، قد وفرها، فإن القوى الكبرى المهيمنة تغض الطرف عن الانتهاكات أو الشمولية.
لا يستبعد المصدر، الذي تحدث بشرط عدم نشر اسمه، وجود "صفقة ما" بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي خلال الحرب، رجحت كفة الجيش ميدانيًا ودبلوماسيًا على الصعيد الدولي. نلاحظ هذه التحولات من خلال بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي الأخير ومن خلال خطاب حميدتي، ما يعني أن التحالفات السياسية يجب أن تتجه إلى تقييم الأمور على الأرض دون التقيد بالخطابات القديمة، والمطلوب الحياد قولًا وفعلًا بالوقوف على مسافة واحدة من مناهضة الحرب وإلغاء الإعلان السياسي الموقع مع حميدتي في أديس أبابا خلال كانون الأول/يناير 2024، لأنه لم يعد عمليًا ولم ينفذه الدعم السريع ولم يلتزم به.
الولايات المتحدة تكترث لأمن البحر الأحمر أكثر من دعم التحول المدني الديمقراطي في السودان
يتابع المصدر متسائلًا: "لماذا يعتقد السياسيون أو الفاعلون في الشق المدني أن واشنطن حريصة على إنشاء ديمقراطية في السودان؟ الولايات المتحدة تكترث لأمن البحر الأحمر أكثر من دعم التحول المدني الديمقراطي في السودان".
واستدرك: "هذا لا يعني فقدان الأمل في جلب الديمقراطية إلى السودان، لكن ذلك يتطلب قوى وطنية قادرة على تقديم خطاب جديد للشعب السوداني، بدلًا من البقاء في خانة واحدة منذ عام ونصف، ومخاطبة همومه وأوجاعه وتجفيف دموع المواطنين جراء مآسي الحرب".
لإتاحة الفرصة لقوات الدعم السريع للرد على هذه التحليلات، استفسر مراسل "الترا سودان" قيادات من وفد التفاوض، لكن لم ترد على الأسئلة.