السبت الماضي، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا عن الدور الإماراتي في حرب السودان من خلال مساندة قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش، وتشريد الصراع المسلح 13 مليون شخص، ووضع مصير 25 مليون شخص على المحك.
باحثة: حالة السودان يمكن أن نطلق عليها التشظي بسبب تعدد البنادق، ولا يمكن تفادي ذلك قبل ضمان استقلالية الجيش واصطفاف الأحزاب السياسية خلف بلادهم
التقرير الذي نشرته "نيويورك تايمز" الأميركية عبر مجموعة تقصي للأوضاع في تشاد، حول الدور الإماراتي في تعزيز إمكانيات قوات الدعم السريع الدفاعية والتسليح والإمداد وإجلاء الجرحى، جاء قبل أيام قليلة من انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث يتوافد زعماء ورؤساء الدول، من بينهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
ترغب الولايات المتحدة الأميركية في رؤية البرهان ضمن الزعماء والرؤساء في نيويورك، لدفعه نحو طاولة المفاوضات لوقف العدائيات. كما يشارك حاكم دولة الإمارات محمد بن زايد في الاجتماع، ومن المؤمل أن يلتقي حاكم الإمارات الرئيس الأميركي جو بايدن، وعلى الطاولة بينهما حديث بخصوص الوضع في السودان.
واشنطن تحرك المياه الراكدة
يقول دبلوماسيون إن بايدن سيثير أمام بن زايد موضوع السودان والاتهامات المتعلقة بإرسال بلاده الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، لا سيما مع رغبة واشنطن في تجفيف منابع السلاح المتدفق إلى الطرفين.
الحديث عن اجتماع بايدن مع محمد بن زايد جاء متزامنًا مع بيان أصدره البيت الأبيض الأسبوع الماضي، عبر فيه الرئيس الأميركي عن قلقه للنزاع المسلح في السودان، في أول تعليق له منذ بداية القتال، ما يعني أن واشنطن ألقت بكامل مؤسساتها الرئيسية في أزمة السودان.
الباحث في مجال السلام والديمقراطية، مجاهد أحمد، لا يرى أن هناك مؤشرات على إمكانية عقد لقاء بين البرهان ومحمد بن زايد في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة وأن واشنطن لم تلمح إلى إمكانية ذلك، وهي القادرة على تحقيق هذا اللقاء.
وأردف: "منذ آخر محادثة جمعت البرهان مع محمد بن زايد في اتصال هاتفي نسقته إثيوبيا، لم يجرِ الطرفان أي نوع من التواصل. لذلك، في رأيي، أن الوقت لم يحن بعد لعقد اجتماع مباشر بينهما".
بالمقابل، يعتقد مجاهد أحمد أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى هذا الخيار أو رتبت له ولم تفصح عنه مخافة عرقلة بعض الأطراف السياسية داخل السودان لهذه التطورات.
ويشير مجاهد أحمد إلى أن السودان بحاجة إلى عمل سياسي كبير يصل إلى مرحلة المشروع الوطني بتأسيس دولة جديدة على أنقاض الدولة القديمة التي لم تفارق خزانة الصراعات المسلحة. وهذا يتحقق من خلال التحالف بين جميع السودانيين من الحد الأدنى لتدارك الأزمة قبل أن ينزلق البلد إلى مرحلة التقسيم فعليًا بتطاول الحرب ولجوء المجتمعات إلى البحث عن بدائل لتأسيس نظامها الخدمي والاقتصادي والسياسي والقانوني.
وكان وزير المالية جبريل إبراهيم قد دعا إلى التفاوض مباشرة مع الإمارات، وقال إن وقف الحرب في السودان يرتبط بالتحدث مع أبوظبي.
تقارب بورتسودان وأبوظبي
يقول مصعب عبد الله، الباحث السياسي، لـ"الترا سودان": "إن ترتيب لقاء بين البرهان ومحمد بن زايد خلال وجودهما في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ممكن ووارد، خاصة مع تلميحات مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد".
ويرى عبد الله أن الصحف الأميركية سلطت الضوء على تدفق السلاح من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، وإلى قضية المستشفى الميداني للهلال الأحمر الإماراتي في تشاد، وأثارت الشكوك حول عملياتها الإنسانية التي لم تتجاوز 70 مليون دولار، فيما تنتظر أبوظبي من هذا البلد، الذي يطل على البحر الأحمر ويحتفظ القطاع الحكومي بأكبر الموانئ، مصالح بمليارات الدولارات وفق حديث مراكز استراتيجية مقربة من دوائر صناعة القرار في أبوظبي.
باحث: الدور الإماراتي في حرب السودان أصبح الحديث عنه علنًا أكثر من أي وقت مضى مع اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لأن واشنطن تسعى إلى تحقيق اختراق
ويعتقد عبد الله أن الدور الإماراتي في حرب السودان أصبح الحديث عنه علنًا أكثر من أي وقت مضى مع اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لأن واشنطن تسعى إلى تحقيق اختراق خلالها بإشراك البرهان ضمن جهود المجتمع الدولي وإمكانية إحداث تقارب بين الجنرال السوداني ومحمد بن زايد.
على الرغم من ذلك، يعتقد مصعب عبد الله أن التقارب بين البرهان ومحمد بن زايد صعب التحقق في الوقت الراهن إذا لم يصلا إلى طريق يوقف السلاح الذي يصل إلى أيدي قوات الدعم السريع.
وتنفي الإمارات التقارير التي وردت في الصحف الأميركية حول وقوفها وراء حرب السودان من خلال تسليح قوات الدعم السريع، وتقول إنها قلقة من الأوضاع الإنسانية الحرجة في السودان وعلى استعداد لإرسال عشرات القوافل وتقديم المساعدات لهذا البلد المنكوب.
الفاشر زادت مخاوف التقسيم
الحديث عن مخاوف انقسام السودان يرتبط مع القلق الذي يبديه بعض السياسيين والناشطين في منظمات المجتمع المدني السودانية من سقوط مدينة الفاشر واستحواذ قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور. هذا يعني مؤشرات الانقسام بين مناطق معزولة تحكمها جماعات مسلحة، إلى جانب سيطرة القوات المسلحة على شمال وشرق البلاد، وأجزاء صغيرة من العاصمة الخرطوم والأبيض وكردفان والنيل الأزرق.
تضع إسراء الخير بعض السيناريوهات حول مستقبل السودان، وتقول إنه من الواضح أن الحرب قد تنتقل إلى حرب بالوكالة أي "الاصطفاف الدولي" خلف كل طرف حسب توجهات الطرفين المتصارعين.
تقول إسراء الخير، الناشطة في منظمات المجتمع المدني، لـ"الترا سودان": "إن الجيش يتمسك بالشرعية ولا يوافق على التفاوض مع قوات الدعم السريع من منطلق 'الندية' أو المساواة بينهما على الطاولة، وهذا منطقي إلى حد كبير، لكن في ذات الوقت عليه أن يظهر قدرًا من الاستقلالية في قراراته بوضع مسافة بينه وبين بعض التيارات السياسية 'الأيدولوجية' التي لديها تأثير بائن عليه، بمعنى كيف ترفض لأحزاب ومنظمات سياسية إقامة أنشطتها داخل البلاد وتسمح بتأسيس تيارات وتحالفات أخرى مثل ما حدث مؤخرًا".
وأردفت: "بعد أن تحدث نائب القائد العام شمس الدين الكباشي حول عدم استخدام منصات الجيش ومقاره للدعاية السياسية في آذار/مارس الماضي، شاهدنا مساعد القائد ياسر العطا الأسبوع الماضي وهو يتحدث من منصة تيارات سياسية معروفة ويوجه لها الشكر والثناء".
وترى بابكر في حديثها لـ"الترا سودان" أن هناك أحزابًا سياسية عريقة ضد قوات الدعم السريع، لكنها ليست على وفاق مع الجيش على مستوى القيادات العسكرية. وتعمقت الأزمة خلال الفترة الانتقالية بسبب تصرفات الجنرالات إزاء قضية فض اعتصام القيادة العامة. بالتالي المطلوب من جنرالات الجيش ردم هذا الشرخ. تقول هذه الباحثة إن تزايد طموح الجنرالات لتولي السلطة وعدم نقلها إلى المدنيين، وإعادة البلاد مرة أخرى 30 عامًا إلى الوراء وطمس معالم ثورة ديسمبر التي أطاحت بأعتى نظام دكتاتوري كان السبب في تشكيل قوات خارج نطاق الجيش وهي قوات الدعم السريع.
وتابعت: "تجنيب السودان ملامح التقسيم ينطلق بترتيب البيت الداخلي وتداعي الجميع لسد الباب أمام الخارج. وهنا أقصد جميع الأحزاب والتحالفات بما في ذلك تنسيقية 'تقدم'. على الجميع تدارك خطورة انقسام البلاد والوصول إلى مرحلة التشظي، لأن الانقسام لن يكون سلسًا بسبب تعدد البنادق في السودان".
دفع مراسل "الترا سودان" بذات الأسئلة لدبلوماسي سابق بوزارة الخارجية السودانية خلال الفترة الانتقالية حول إمكانية انعقاد لقاء بين البرهان ومحمد بن زايد، وتوقف الحرب وتجنيب السودانيين مشقة انقسام بلادهم.
يجيب الدبلوماسي قائلًا: "بعد مرور أكثر من 500 يوم على الحرب، يمكن أن نرى بعض المناطق قد خرجت من سيطرة الدولة المركزية لأن انهيار الخرطوم أدى إلى ظهور ملامح الانقسام. ومع ذلك، السودانيون يأملون في تدارك الأزمة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة".
دبلوماسي سابق: قوات الدعم السريع رغم حديثها عن المفاوضات ووقف الحرب، فإنها تتعامل مع الوضع في السودان دون مسؤولية
ويرى الدبلوماسي أن قوات الدعم السريع رغم حديثها عن المفاوضات ووقف الحرب، فإنها تتعامل مع الوضع في السودان دون مسؤولية. فلا يمكن أن تتحدث عن جلب الديمقراطية والحكم المدني وأنت متهم بالحصول على السلاح من دولة إقليمية.
ويعلق الدبلوماسي حول إمكانية عقد لقاء بين البرهان ومحمد بن زايد في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن الاتصالات الهاتفية التي جرت قبل ثلاثة أشهر كانت تستهدف عقد اللقاء بينهما، لكن الأمور لم تمضِ إلى الأمام، خاصة وأن القاهرة لم تلعب الدور الكبير في هذا الأمر.
وأضاف: "واشنطن قادرة على تحقيق ذلك، لكن هل سيتمكن البرهان من المضي قدمًا في عقد صفقة مع الإمارات لوقف الحرب وإنهاء معاناة 48 مليون سوداني ما بين اللجوء والنزوح والقتل والجوع؟".