10-يونيو-2024
قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو أثناء تمرده على الجيش في العقد الأول من الألفية ومعه مسلحون من المليشيا

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو خلال فترة تمرده على السلطات السودانية التي استعانت به في حربها في إقليم دارفور

قوات الدعم السريع التي قننها برلمان البشير عقب أن كانت قوات رديفة للجيش في العام 2013، تقاتل نفس الجيش اليوم في السودان، والذي يصفها في خطاباتها بأنها "مليشيا إرهابية" بعد أن خرجت عن طاعته. هذا الجيش هو نفسه من كان قادته يكيلون السباب لكل من يتعرض لهذه القوات المثيرة للجدل، بل واعتقل وسجن وعاقب الكثير من القادة السياسيين والناشطين إرضاء للدعم السريع.

ولكن قتال الدعم السريع ضد الجيش أيضًا نقل الفظاعات البشعة التي كانت ترتكبها هذه القوات بحق السودانيين في إقليم دارفور المنكوب منذ عقود، إلى نطاق أوسع من السودانيين الذين يذوقون فعائل آلة البطش المدمرة للدولة -تقرأ الغولة- السودانية لأول مرة. مارست قوات الدعم السريع في حربها هذه المستمرة منذ عام شتى أنواع الانتهاكات والجرائم بحق المدنيين في مختلف مدن السودان، ومن لم تستطع أن تصله في مكانه مشيًا أتته بالطيران المسير. وصلت هذه الانتهاكات لحد الإبادة الجماعية في دارفور مثلها مثل الجزيرة.

شهدت قرى الجزيرة في الفترة الماضية حملة ممنهجة من هذه القوات تضمنت تهجير وإفقار وتشريد المدنيين

شهدت قرى الجزيرة في الفترة الماضية حملة ممنهجة من هذه القوات تضمنت تهجير وإفقار وتشريد المدنيين. ارتكبت قوات الدعم السريع مجازر مروعة في قرى التكينة وودالنورة والجترة ومناطق الحلاوين وعمق ودمدني. ونهب منسوبوها كل ما وقعت عليه أيديهم، حتى استبدل الناس السيارات بالكارو للتنقل لأن الجزيرة انعدمت فيها هذه المركبات سوى في قبضة الدعم السريع.

الجيش السوداني يصف قوات الدعم السريع بـ"المليشيا المتمردة". هذا الوصف بدأ الجيش في استخدامه بعد اندلاع الحرب، ومن قبل ذلك قادة هذا الجيش كانوا يصفونها بالقوات النظامية التي تقاتل معهم في خندق واحد. الجيش السوداني في متاهته صنع هذه القوات وسلحها وأشرف على تدريبها، ومن ثم أطلق لها العنان لتعمل آلتها في الشعب السوداني، وعندما فرغت منه انقلبت على الجيش لأنها لم تبقِ سواه.

وتحتج الدعم السريع ومن يدعمونها من المدنيين على من يصفها بالمليشيا بأنها قوة نظامية أجازها برلمان منتخب بقانون محدد. كما تنفي عن نفسها الممارسات الإرهابية الممنهجة في عموم أراضي السودان، مدعية في الوقت ذاته أن من يقوم بالانتهاكات هم متفلتون تعمل على حسمهم، مشددة على أنها تلتزم بالقانون الدولي الإنساني. في المقالة التالية سأناقش هذه النقاط دون التطرق للطرف الآخر الذي يحمل خصائص مشابهة، ولكنه يختلف جذريًا من حيث النشأة والولاء والقوانين والتكتيكات، كما لن أتطرق للموقف السياسي من قوات الدعم السريع، وما إذا كانت تخوض حربًا عادلة في السودان الذي دمر تمامًا في خلال عام من القتال.

ما هي المليشيا

الدعم السريع تسخر من وصفها بالمليشيا من قبل نفس قادة الجيش الذين استعانوا بها في حربهم التي استغرقت العقد الأول من الألفية في إقليم دارفور. تحتج أيضًا قيادة هذه القوات بأنها على عكس المليشيات لديها قانون للقوات النظامية وتراتبية عسكرية بنمر وكل شيء رسمي مثل الجيوش النظامية. 

ولكن ما هي المليشيا؟ المليشيا هي عبارة عن قوة عسكرية تتكون عادة من مدنيين مسلحين لا يتبعون للجيوش النظامية للدول. تتشكل المليشيا في العادة في ظل ظروف عدم الاستقرار والفراغ الأمني، ففي الظروف الطبيعية تحتكر الدول العنف، وذلك بالتعريف للدولة في الأنظمة المعاصرة. عند تكوينها، تهدف المليشيات إلى تحقيق مصالح محددة، عبر الهجوم أو الدفاع. في العادة، تعمل المليشيات على تعزيز سيطرة جماعة معينة أو زعيم سياسي. وربما نقطة الاختلاف الأساسية بين المليشيات والقوات النظامية تكمن في عدم خضوع الأولى للقيود القانونية والتنظيمية التي تفرضها التشريعات على الجيوش، وهذا يعزز قدرات المليشيات في العمل بحرية أكبر ولكن بمسؤولية أقل تجاه القوانين الدولية وحقوق الإنسان.

أسست نواة قوات الدعم السريع في السنوات الأولى من القرن الحالي، حيث ضمت سلطات الإنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين المحليين في دارفور إلى قوات حرس الحدود

أسست نواة قوات الدعم السريع في السنوات الأولى من القرن الحالي، حيث ضمت سلطات الإنقاذ عشرات الآلاف من المدنيين المحليين في دارفور إلى قوات حرس الحدود، لتساعد في المجهود الحربي للجيش في حربه ضد الحركات المسلحة التي كانت تكتسب زخمًا في ظل الإبادة الجماعية التي شرع فيها نظام البشير. قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" نفسه صرح من قبل وفي أكثر من سانحة أنه كان مدنيًا، يقود مليشيا صغيرة لحماية بضائعه في التجارة الحدودية. صارع حميدتي لضمه بشكل رسمي لقوات الدولة، بلغ به هذا الصراع حد التمرد عليها حتى أعطي ما أراد من قبل الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي سمى حميدتي "حمايتي".

كانت التاكتيكات المرعبة لقوات الدعم السريع هي السبب في صعود قادتها وترقيهم تحت مظلة جهاز الأمن والمخابرات الوطني سيئ الصيت والسمعة. وصل حميدتي في سنوات معدودة هو وقادة الدعم السريع إلى أعلى الرتب العسكرية في سنوات معدودة، الأمر الذي يقول الكثير عن هذه القوات وماهيتها. وبذلك حققت قوات الدعم السريع شرطين من شروط التعريف بأنها "مليشيا"، حيث تشكلت في ظل ظروف عدم الاستقرار والفراغ الأمني في إقليم دارفور أثناء حرب الإبادة الجماعية الضارية التي قادتها حكومة المؤتمر الوطني في غرب السودان. وهي كانت تعمل في ذلك الوقت لتحقيق مصالح محددة للنظام، وتعزيز سيطرته في الغرب، والإبقاء على البشير، الزعيم السياسي من الجيش السوداني الذي أتى إلى الحكم على ظهر مركبة عسكرية، وغادره إلى السجن على ظهر مركبة أخرى.

الاستعانة بمليشيات الدعم السريع كان الهدف منه توظيف نفس التكتيكات المروعة التي نراها في حرب السودان اليوم، والمرتبطة بتاريخها الدموي في حرب دارفور. لم تكن تخضع هذه القوات لأي من القوانين المقيدة للجيوش النظامية، وعملت بحرية ووحشية مطلقة في الإقليم الذي فقد أكثر من ثلاثمائة ألف من أبنائه خلال سنوات، فيما عرف لاحقًا باسم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. هذه المقتلة الكبرى دفعت المحكمة الجنائية الدولية لاستصدار عشرات مذكرات الاعتقال بحق قادتها من الجيش ومن المدنيين، وعلى رأسهم عمر البشير ووزير دفاعه ومؤسس المليشيا الزعيم القبلي موسى هلال، والذي قاده في آخر الأمر حميدتي نفسه إلى السجن بعد معركة مستريحة التي اقتتل فيها القائدان المحليان بمليشياتهم القبلية.

تستمر هذه التعريفات لملاحقة مليشيا حميدتي حتى اليوم، وهو كان قد صرح بنفسه أن الذين يرتكبون الجرائم المروعة بحق المدنيين في ولاية الجزيرة هم من "قوات الفزع"، في إشارة لمفهوم الفزع القبلي الذي تعتمد عليه الحواضن الاجتماعية التي تغلب على صفوف الدعم السريع، في حروبها المحلية ونزاعاتها الدامية في دارفور.

إرهاب الدعم السريع

منذ اللحظة الأولى للحرب السودانية استهدفت قوات الدعم السريع المدنيين بشكل مباشر، أو على الأقل لم تكترث لحياتهم. في ولاية الجزيرة وفي إقليم دارفور وحتى العاصمة الخرطوم، استخدمت الدعم السريع العنف الشديد تجاه المدنيين لتحقيق أغراضها السياسية في الاستيلاء على السلطة، أو كما تقول دعايتها الرسمية: القضاء على الفلول. ارتكبت مذبحة في حق المساليت في ولاية غرب دارفور، وتقصف حتى اللحظة الأحياء السكنية ومعسكرات النزوح في مدينة الفاشر لإخلائها من السكان ومن ثم السيطرة عليها مثل بقية الولايات في الإقليم الذي يشهد مذبحة كبرى مشابهة للمذبحة التي ارتكبتها هذه القوات بالتعاون مع الجيش في "الألفينات" كما يسميها السودانيون.

تقتحم هذه القوات قرى الجزيرة قرية قرية وتنهب الممتلكات وتقتل المقاومين وتغتصب وحتى تسبي النساء، ضمن وسائلها في بث الرعب في نفس كل من تسول له نفسه المساس بسلطتها المطلقة غير المقيدة بأي قوانين في مناطق سيطرتها. قبل أيام ارتكبت واحدة من أبشع المذابح في منطقة ود النورة بولاية الجزيرة، وقتلت ما يقارب المئتي شخص بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى السكاكين. أتت هذه الحملة على القرية ضمن طموحات الدعم السريع في التوسع باتجاه مناطق سيطرة الجيش القليلة المتبقية في ولاية الجزيرة، حيث يرى مراقبون أن الغرض من ذلك تأمين عبورها وظهرها الذي قد يكون مكشوفًا إذا تركوا المدنيين في حالهم بهذه القرى.

إن هذا هو الإرهاب بالتعريف، استخدام العنف والتهديدات لأغراض سياسية أو دينية أو أيلوجية، عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية، ونشر الخوف والرعب لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو الاحتفاظ بها. كل ذلك دون التقيد بأي قانون من القوانين سوى قانون القوة الباطشة.

اقتحام المستشفيات والمرافق الطبية وتهديد الكوادر الصحية أيضًا يأتي ضمن الأساليب غير التقليدية التي تعتمد عليها المليشيات الإرهابية لتحقيق انتصارات سريعة لا يعيقها القانون الإنساني الدولي ولا حتى الأعراف المحلية. وبالأمس، أوقفت أطباء بلا حدود المستشفى الأخير في فاشر السلطان عقب تسلل مليشيين إلى داخلها وقتل مرضى واختطاف مرافقين.

تأسست قوات الدعم السريع في عام 2013 كفرع من جهاز المخابرات السودانية، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي. وقد لعبت دورًا كبيرًا في النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث اتهمت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

الدعم السريع مليشيا إرهابية

قوات الدعم السريع توسعت بسرعة كبيرة في السودان لتصبح جيشًا موازيًا بقوة عسكرية ذات هيمنة وبطش. ومنذ تأسيسها، على الرغم من أنها على الورق تتبع للسلطات النظامية القائمة في البلاد، إلا أنها تعمل كقوة مستقلة إلى حد كبير، ولها أجندتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة، والتي تدور جميعها حول العرق وزعمائها في "آل دقلو".

لهذه القوات تركيبة غير نظامية مرتبطة بأصلها المليشي، وتتمتع ببنية تنظيمية وعملياتية منفصلة عن أي قوى نظامية داخل سياق الدولة السودانية

لهذه القوات تركيبة غير نظامية مرتبطة بأصلها المليشي، وتتمتع ببنية تنظيمية وعملياتية منفصلة عن أي قوى نظامية داخل سياق الدولة السودانية. تتكون الدعم السريع أيضًا من أفراد ينتمون إلى قبائل ومجموعات إثنية محددة في السودان، وتعمل دون أي مراعاة للقانون المحلي والعالمي.

كما أنها تخدم أهدافًا سياسية محددة مرتبطة بالعشيرة وقادتها من آل دقلو، وتعزز نفوذ حميدتي الذي تدين له ولأخيه عبدالرحيم دقلو بالولاء المطلق، وتعمل على تأمين مصالحهما السياسية وهو ما قاد إلى الحرب الدامية في السودان، حيث صرح حميدتي بأنه بصدد القبض على قيادة الجيش وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، والاستيلاء على السلطة بالقوة في السودان.

في سياق الحديث عن المليشيات الإرهابية، فهي تتميز بعدم التقيد بالقوانين وقواعد الاشتباك التقليدية، وارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في السودان، حيث يقتل منسوبوها المدنيين دون وازع، ويرتكبون جرائم الاغتصاب بشكل منهجي، وينهبون كل ما تقع عليه أيديهم. إن استخدام العنف ضد المدنيين لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية هو تعريف دقيق للإرهاب. وإذا كانت هذه الأهداف مرتبطة بزعيم أسري ومجموعة مدنيين مسلحين لا يتبعون لأي جيش نظامي أو حتى يلتزمون بالقوانين والأعراف التي تحكم قواعد الاشتباك، فهي بالتالي مليشيا بالتعريف.

إن الهجمات العشوائية التي تهدف إلى إثارة الرعب وسط المدنيين وكل من تسول له نفسه مقاومة السلب والنهب والاغتصابات التي تقوم بها قوات الدعم السريع، لهي أكبر دليل على الطابع المليشي الإرهابي لهذه القوات. في دارفور وكردفان والجزيرة تواجد الدعم السريع هو كابوس حقيقي للأبرياء، لا سيما الشرائح المعرضة من نساء وكبار سن وأطفال.

أجندة سياسية منفلتة

من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يؤول إليه الحال بالنسبة لهذه القوات، لا سيما في ظل طبقات المرارات التي يحملها السودانيون تجاهها عقب عقود من القتل والتنكيل. إن الأجندة السياسية العنيفة لقوات الدعم السريع واستخدام العنف المفرط لتحقيق أهدافها السياسية لا بد وأن يواجه بمقاومة من داخل صفوفها قبل الضحايا. الفوضى المستمرة في نسيج الدولة السودانية وعدم الاستقرار المزمن هي البيئة المثالية لتقوية شوكة هذه المجموعة، وبالتأكيد هذه البيئة التي تحاول فيها قوات الدعم السريع فرض إرادتها بالقوة قادرة على خلق مليشيات أخرى، وحتى انقسامات داخل هذه المليشيا نفسها لانعدام القانون والآلية للسيطرة عليها.

التركيبة غير النظامية لقوات الدعم السريع وأهدافها السياسية المرتبطة بأشخاص بعينهم غض النظر عن أثر ذلك على المدنيين، هذه العوامل كما أنها كانت السبب في صعودها وتمكنها من مفاصل البلاد، هي أيضًا تحمل بذرة فنائها

ومن المؤكد أن الظروف التي سمحت بنشوئها مجرد أن تزول، سيكون لذلك دورًا مدمرًا على منسوبيها وصفوفها التي لن تتمكن من الاستمرار في وضع الاستقرار. التركيبة غير النظامية لقوات الدعم السريع وأهدافها السياسية المرتبطة بأشخاص بعينهم غض النظر عن أثر ذلك على المدنيين، هذه العوامل كما أنها كانت السبب في صعودها وتمكنها من مفاصل البلاد، هي أيضًا تحمل بذرة فنائها في الحالتين: انتصارها لأجندة "آل دقلو" دون بقية القادة والمتلفلتين الذين سيكونون كابوس هذه القوات بنفس الطريقة التي صارت به كابوس الجيش؛ أو في حالة هزيمتها وتشتت جمعها ما يعني أن المرارات والثأرات ستلاحق منسوبيها الذين نكلوا بإنسان السودان أينما حلوا.