أبدى الجيش السوداني مرونة في التواصل مع وساطة عرضتها دولتي تركيا وليبيا حسب ما نقلت وكالة سبوتنيك الروسية، الإثنين المنصرم، وذلك على لسان وزير الخارجية السوداني المكلف السفير علي الصادق.
وصرح وزير الخارجية المكلف علي الصادق للوكالة الروسية بأن الحكومة السودانية تدرس الوساطة التي عرضتها أنقرة وطرابلس للرد عليها بالموافقة النهائية خلال الفترة القادمة، مع العمل على تقييم المبادرة.
باحث: يتحمس الجيش والدعم السريع لقبول وساطة تركيا وليبيا
ولم تفصح أنقرة عن وساطتها المشتركة مع طرابلس، لكن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية السوداني هو الذي كشف للرأي العام وجود مبادرة تركية ليبية فيما يتعلق بوقف الحرب في السودان.
جاء عرض الوساطة التركية والليبية بعد زيارة نفذها قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان إلى طرابلس الأسبوع الماضي، حيث عقد مباحثات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، ثم أعقب ذلك زيارة قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو إلى طرابلس، وعقد إجراءات مماثلة مع الدبيبة.
ورغم حرص وزير الخارجية المكلف علي الصادق على إعادة تعريف المفاوضات بين الجيش والدعم السريع بناءً على "منصة منبر جدة" التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، لكن الباحث السياسي محمد كمال يرى أن الوساطة الليبية التركية هي في الأساس مبادرة أنقرة وقدمتها عبر طرابلس حليفتها لاعتقادها أنها قد تكون جزءًا من خارطة الطريق في السودان، دون الوضع في الاعتبار مستقبل الحكم المدني.
وما يزال الجيش والدعم السريع بمعزل عن أي تقارب فيما يتعلق بالتفاوض رغم الأنباء التي راجت الأسبوع الماضي عن اقتراب المحادثات في منبر جدة خلال آذار/مارس الجاري بعودة الوفدين المفاوضين إلى منبر جدة.
فيما أكد مسؤول دبلوماسي أمريكي زار أديس أبابا الأسبوع الماضي عدم وجود مؤشرات على نجاح المفاوضات في الوقت الحالي لأن الجيش والدعم السريع غير مستعدان، لذلك فإن واشنطن ترى حسب المسؤول الدبلوماسي أن هناك الكثير ينبغي فعله لدفع الطرفين المتحاربين، وهما على قناعة بأهمية الحل السلمي إلى المفاوضات حتى يتفقا على وقف إطلاق النار.
ويقول الباحث السياسي محمد كمال، إن الجيش والدعم السريع ربما ينخرطان في مبادرة تركيا وليبيا، خاصة وأنهما إذا حصلا على ضمانات قوية من أنقرة قد يتفقان على وقف إطلاق النار تأسيسًا على منبر جدة، مع وجود عملية تشبه تقاسم السلطة في سودان ما بعد الحرب بين طرفي الحرب فقط.
وأردف: "التفاوض وفق وساطة تركية ليبية يتيح للجيش والدعم السريع تقاسم السلطة، أخشى القول إن هذا هو ما يسعى إليه الطرفان في السودان. وإذا حصل الجنرال دقلو على ضمانات من تركيا، فإنه لن يتردد في إبرام اتفاق مع الجيش بما يشبه الاتفاق الثنائي بضمانات تركية".
ولدى تركيا دور قديم وجديد في السودان، وخلال العام 2017 زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العاصمة الخرطوم، وتوجه رفقة الرئيس المعزول عمر البشير آنذاك إلى سواكن على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد، وحصل على امتياز ترميم المناطق الأثرية هناك. هذا التوجه السوداني الذي شعرت حياله بعض دول الجوار بالاستياء، لم يكتب له النجاح لأن الثورة الشعبية أطاحت بالبشير في العام 2019.
وتركيا وليبيا، سيما حكومة الدبيبة، لديهما تقارب بناءً على خلفية الحزبين الحاكمين، وتجد الحكومة القائمة في البحر الأحمر هذه الوساطة كمخرج ربما من تطاول أمد الحرب والنأي عن ضغوط المجتمع الدولي.
ويرى المحلل السياسي أحمد مختار، أن الوساطة التركية الليبية لم تظهر ملامحها حتى الآن، كما أن تصريح وزير الخارجية السوداني بالتأسيس على منبر جدة يعني أن التفاوض سيكون على إكمال ما تبقى من نقاط خلافية بين الجيش والدعم السريع.
وأردف: "الوساطة التركية الليبية عمومًا قد لا تتطرق إلى العملية السياسية مثل توجهات الإيقاد والاتحاد الأفريقي بأهمية إطلاق عملية سياسية موازية لوقف إطلاق النار في منبر جدة، إذا حدث ذلك والجيش والدعم السريع".
ويقول مختار إنه مهما كانت درجة انخراط الجيش والدعم السريع في مبادرة تركيا وليبيا، فإنهما لا يمكن أن يتجاوزا العملية السياسية التي يقف وراءها الاتحاد الأفريقي والإيقاد والولايات المتحدة الأميركية.
وزاد مختار قائلًا: "إذا حدث وقف إطلاق النار في جدة أو أي منبر آخر سيعقبه عملية سياسية لضمان تأسيس الحكم الانتقالي المدني في السودان".
ومنذ اندلاع الحرب في السودان لم تظهر أنقرة وطرابلس تحركات ذات شأن فيما يتعلق بالأزمة السودانية، لكن بعد مرور (11) شهرًا على القتال فإن هذه الوساطة قد تكون مؤشرًا على وجود قناعة لدى الجيش والدعم السريع على أهمية منح فرصة لمحادثات غير مباشرة تتاح فيها حرية اتخاذ القرار أو إخماد المخاوف.
ويقول مصدر دبلوماسي سابق في الاتحاد الأفريقي لـ"الترا سودان"، إن الوساطة التركية الليبية بعقد مفاوضات غير مباشرة بين الجيش والدعم السريع ستجد الاستجابة سريعًا من الطرفين، لأنها تتم بطريقة عملية جدًا ويمكن لهما أن يتحدثا عن النقاط الخلافية التي تعطل حدوث اختراق في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية بحرية كاملة.
دبلوماسي سابق لـ"الترا سودان": أحرز الجيش والدعم السريع تقدمًا في منبر جدة، وتم إرجاء النقاط الخلافية إلى وقت لاحق؛ الوساطة التركية الليبية ربما تريد تسوية هذه الخلافات بالتواصل مع الجانبين وطرح الحلول التوافقية
وأضاف الدبلوماسي: "في تموز/يوليو 2023 أحرز الجيش والدعم السريع تقدمًا في منبر جدة، وتم إرجاء النقاط الخلافية إلى وقت لاحق؛ الوساطة التركية الليبية ربما تريد تسوية هذه الخلافات بالتواصل مع الجانبين وطرح الحلول التوافقية، وستنجح أنقرة في ذلك، على أن يتوجه الطرفان لاحقًا إلى منبر جدة لإكمال النقاط الفنية وتوقيع وقف إطلاق النار".