أصبح الحصول على السلع الغذائية بالنسبة للمواطنين في السودان "مكلفًا للغاية"، حيث قفزت تكلفة معيشة عائلة واحدة من (500) ألف جنيه، ما يعادل (350) دولارًا أمريكيًا، إلى (850) ألف جنيه، ما يعادل (630) دولارًا أمريكيًا، وفق ما يقول مراقبون اقتصاديون.
قلص النازحون حصص الطعام للأطفال في مخيم كلمة بنيالا نتيجة ارتفاع الأسعار
في السوق الرئيسي بمدينة عطبرة عاصمة ولاية نهر النيل شمال البلاد، تُعرض المنتجات الواردة من مصر على قارعة الطرقات والممرات والمحلات التجارية التي تضاعف عددها خلال الحرب نتيجة وصول أكثر من (1.2) مليون شخص إلى الولاية بحثًا عن الأمان من المعارك العسكرية في العاصمة الخرطوم والجزيرة وكردفان وإقليم دارفور.
بالنسبة لمئات الآلاف من الأشخاص الذين لجأوا إلى ولاية نهر النيل، أصبح خيارهم الآن السفر خارج البلاد إلى دولة مصر عبر عمليات تهريب قد تكلف قيمة الشاحنة والسكن وتوفيق الوضع القانوني.
يقول الباحث الإقتصادي محمد أبشر لـ"الترا سودان" إن الأزمة الاقتصادية خرجت عن السيطرة خلال الحرب، ولا يمكن معرفة الاقتصاد إلى أين يسير، وحتى وزارة المالية لا تملك أجوبة، وما لم تتوقف الحرب فإن الوضع المعيشي سيكون كارثيًا.
ويقول أبشر إن وزارة المالية حاولت التعامل مع الاقتصاد من منظور "الطوارئ"، لكن هذا البرنامج يحتاج إلى تمويل خارجي ودولة تقوم بتعبئة الموارد المالية في الخزانة العامة، وهي أشكال من التحالفات بين البلدان تلجأ إليها الدول التي تخوض الحروب.
ويعتقد أبشر أن الإنفاق على الحرب وعلى الخدمات العامة لا يستقيم في وقت واحد، ولا يمكن تنفيذهما معًا بالنسبة لبلد مثل السودان كان قبل الحرب يعاني من شح الاحتياطي في النقد الأجنبي لدى البنك المركزي إلى درجة عجزه عن توفير مليار دولار.
في مخيم كلمة للنازحين الواقع في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، انعكست أسعار الغذاء على حياة النازحين، وأصبح الجوع من علامات المخيم حسب ما يقول مصدر محلي يقوم بتنسيق شؤون النازحين، حيث يعملون في ظروف بالغة التعقيد بسبب سيطرة الدعم السريع على المدينة.
وارتفع سعر جوال الدخن إلى (110) ألف جنيه، بينما في ولايات أخرى يتراوح بين (45) ألف جنيه و(55) ألف جنيه، مثلًا في ولاية سنار الواقعة تحت سيطرة الجيش.
الارتفاع الكبير لأسعار السلع الاستهلاكية والغذاء حرم غالبية الأطفال في مخيم كلمة بنيالا من الحصول على وجبات منتظمة، و تلجأ الأسر إلى تقليص الطعام أو الحرمان في بعض الأحيان، وفق ما يشرح هذا المصدر لـ"الترا سودان".
لا تنتظم القوافل التجارية في الوصول إلى مدينة نيالا، والتي تضم أكبر مخيمات النازحين، ويتجاوز عددهم نحو مليون مواطن نتيجة الوضع الأمني وانتشار العصابات المسلحة، إلى جانب فرض الدعم السريع رسوم عبور على الطرق.
ولا يمكن الاعتماد على المساعدات الإنسانية أو أولئك الذين يقيمون في أحياء نيالا في ظل وضع أمني مضطرب، وعدم ابتدار نقاشات جدية بشأن ممرات آمنة ومستدامة للشاحنات التابعة إلى وكالات الأمم المتحدة.
وأقام المواطنون صلاة عيد الفطر الأسبوع الماضي على عجالة في ساحة عامة، مع شعور متنام بعدم الأمان وفق ما يقول فيصل الذي تواصل مع "الترا سودان" عبر خدمة "ستارلينك"، وهي الأخرى مهددة بالتوقف في السودان لأسباب تقنية.
يضيف فيصل: "من الواضح أن الوضع في نيالا اسوأ مما كان قبل شهور من ناحية المعيشة والأمن، وكلاهما يبحث عنهما المواطنون حاليًا، ولكن لا يجدون شيئًا. حتى الأمل مفقود هنا".
وأضاف: "شراء الزيوت والبقوليات والخبز واللحوم أصبح من الترف هنا. الناس يكتفون بصنع وجبات قليلة لأن الموارد شحيحة ولا يمكنهم الخروج للزراعة بانتظام للوضع الأمني المتدهور. وبعض من يتلقون التحويلات المالية بإمكانهم شراء بعض الضروريات".
ولم تعلن وزارة المالية الاتحادية برئاسة جبريل إبراهيم عن أي إجراءات بشأن الوضع المعيشي في السودان خلال الحرب، وشدد خلال لقاء مع منظمة الفاو على أن السودان لم يصل مرحلة المجاعة.
يقول الباحث الإقتصادي محمد إبراهيم لـ"الترا سودان"، إن متوسط تكلفة المعيشة قفزت من (500) ألف جنيه إلى (850)ألف جنيه لشراء المواد الضرورية فقط لعائلة تتكون من أربعة إلى خمسة أفراد. وقال إن المواطنين قاموا بتقليص العديد من الاحتياجات مثل الألبان واللحوم والملابس والترفيه لمقابلة التكلفة المتصاعدة للمعيشة يوميًا بسبب سعر الصرف، وإغلاق الطرق بسبب الحرب والرسوم المفروضة على الطرق المغلقة، خاصة قوات الدعم السريع تسيطر على طرقات في إقليم دارفور وتزيد من معاناة السكان.
وأضاف: "رغم ارتفاع تكلفة المعيشة مقتربة من مليون جنيه، ما يعادل (800) دولار أميركي، لكن المواطن لا يملك (25)% من هذه التكلفة، ويعتمد على مواد غذائية قديمة ومنتهية الصلاحية تصل الأسواق في الخفاء".
باحث اقتصادي: وزير المالية جبريل إبراهيم جزء من الأزمة، لكن لا يتحمل المسؤولية الكاملة لها وحده، ويشاركه آخرون في وصول الأزمة إلى هذه المرحلة
ويرى إبراهيم أن وزير المالية جبريل إبراهيم جزء من الأزمة، لكن لا يتحمل المسؤولية الكاملة لها وحده، ويشاركه آخرون في وصول الأزمة إلى هذه المرحلة، من بينهم أعضاء مجلس السيادة الانتقالي كونهم لا يكترثون لمعاناة المواطنين، وتستمر الحرب في ظل "خزينة خاوية".
ويقول إبراهيم إن السودان بحاجة إلى مساعدة دولية من "دول صديقة"، والحصول على أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وإذا لم يحدث ذلك خلال هذا العام لا يمكن التكهن بما سيحدث لاحقًا وربما تعجز الدولة عن تمويل الحرب نفسها.