22-أغسطس-2024
سيول وفيضانات

موسم أمطار فوق المعدل في معظم أنحاء السودان (أرشيفية)

يسرد السكان في محلية مروي والقرى التي غمرتها السيول والأمطار الأسبوع الماضي، أن مشاهد الفيضانات كانت تشبه أمواج "تسونامي"، حيث اندفعت المياه بقوة، مرتفعةً أمتارًا عن سطح الأرض، وحطمت الأبواب والنوافذ في المنازل المشيدة من المواد البدائية.

يشبه السكان بين أمواج تسونامي وسيول تنقاسي من حيث قوة اندفاع وارتفاع المياه عن سطح الأرض

بلدة تنقاسي من أكثر المناطق تضررًا في موسم الفيضان هذا العام، وفقد عشرات المواطنين منازلهم جراء تدمير كلي لم يترك سوى بعض الأبواب التي قاومت الفيضانات بلا جدران.

فيضانات السودان شكلت ثالوث الأزمة مع الحرب والنزوح، ويمكن إضافة الأزمة الاقتصادية. يقول المواطنون إن الأزمات تكالبت عليهم في وقت واحد.

حتى البيوت التي شُيدت من المواد المتينة مثل الأسمنت والحديد والطوب لم تصمد أمام قوة اندفاع السيول في شمال السودان، والتي جعلت نحو (27) ألف شخص بلا مأوى.

قالت أمينة، التي تقيم قرب بلدة تنقاسي والتي هددت السيول قريتها أيضًا، إن أزمة الفيضانات غير منظورة للرأي العام لأن المعلومات التي نُشرت تعد نسبة ضئيلة من مأساة كاملة. وأشارت إلى أن السيول والفيضانات ما تزال مصدر قلق للسكان شمال السودان على خلفية تحذيرات من نشرات الطقس التي توقعت عودة الأمطار إلى الإقليم الأسبوع القادم. وتقول هذه المواطنة إن الأمطار تشكل خطرًا على المنازل المشيدة من المواد المحلية، كون مواطني شمال البلاد لم يختبروا البقاء في مناخ ممطر صيفًا أو شتاءً.

وفي قرية "سركمتو" بالولاية الشمالية، التي غمرتها الفيضانات، قدمت منظمة "صدقات" مخيمات لنحو (120) عائلة فقدوا منازلهم بالكامل، كما قدمت منظمات وطنية ومتطوعون قوافل إنسانية تمثلت في الغذاء والدواء.

في بلدة تنقاسي كان الوضع كارثيًا عندما اجتاحت الفيضانات المنازل في وقت متأخر من الليل، قبل شروق الشمس، وأدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل.

لم تتحدث الحكومة القائمة عن حجم المأساة ولم توضح خططها حول الإجلاء، واعتمد السكان المحليون على الجهود الذاتية للخروج من الأزمة في وقت يعاني فيه الآلاف من انعدام المأوى والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية.

مواطن من مدينة مروي: المياه غمرت قرى بأكملها

قال محمد عبد الرحمن من سكان مدينة مروي لـ"الترا سودان": "إن المياه غمرت قرى بأكملها. لم نتمكن من إنقاذ حتى الماشية والأصول، كما فقد بعض الناس الوثائق الثبوتية بعد أن انهارت المنازل وتبللت بالمياه. إن ما حدث في شمال السودان كارثة إنسانية لم تجد التدخلات الإنسانية الحكومية اللازمة، كما أن الحرب والنزوح غطوا على كل شيء".

وتابع: "أدت الفيضانات أيضًا إلى نزوح آلاف السكان في البحر الأحمر وشمال البلاد، ومن لم ينزح بسبب الحرب نزح بعد أن دمرت السيول منزله".

المناطق التي غمرتها السيول والفيضانات والأمطار الغزيرة شمال البلاد تضم مئات المناجم من الذهب، كما تتركز فيها الملوثات المعدنية مثل "الزئبق" و"السيانيد" جراء النشاط المحموم لاستخراج الذهب من الأودية والصحارى لعشرات الآلاف من المعدنين التقليديين، إلى جانب شركات التنقيب الحاصلة على امتيازات التنقيب من السلطات الحكومية.

رغم الثروات المعدنية التي تتركز في هذه المناطق، لكنها تشكو من قلة التنمية. وبينما جرى تشييد سد مروي في العام 2009، كان نصيب السكان المحليين عشرات القرى النائية في أقصى شمال ولاية نهر النيل. فيما لا يزال الأهالي المتضررون من السد يرفضون هذا الخيار، خاصة في مناطق المناصير، ويقولون إن هذه الأراضي الخصبة التي نتجت عن تكون بحيرة سد مروي ملك للسكان المحليين، ولا يجب أن يُهجروا قسرًا.

في ظل التغيرات المناخية، فإن استمرار مناجم الذهب والتعدين شمال السودان دون اتخاذ تدابير التخلص من الملوثات المعدنية سيضع أبرز ولايتين من حيث المساحة في السودان على المحك، جراء التلوث البيئي وتسرب المواد الكيميائية المستخدمة في استخلاص الذهب من الصخور إلى التربة ومصادر المياه والحيوانات، بما في ذلك نهر النيل الذي يمر عبر الولايتين.