28-أكتوبر-2024
العاصمة القومية الخرطوم

العاصمة الخرطوم

يطلق مدنيون عالقون بين نيران الحرب في أحياء الديوم الشرقية والغربية وسط العاصمة الخرطوم، على موقع يوفر مياه الشرب بشكل يومي "حفرة الموية". تقع "حفرة الموية" تحت أسفل بناية، والسبب في ذلك يعود إلى أن المواطنين الذين يعيشون بين نيران المعارك والمناطق الساخنة، خاصة الخرطوم، يحصلون بشق الأنفس على المياه، وقادتهم الصدفة إلى اكتشاف المكان الذي وفر الحل للمئات من سكان الحي.

انقطعت المياه والكهرباء عن الخرطوم منذ عام ونصف، ويعيش المدنيون الحياة بشق الأنفس

انقطعت المياه والكهرباء عن الخرطوم منذ عام ونصف، ويعيش المدنيون الحياة بشق الأنفس، ولحقت بهما شبكة الاتصالات في شباط/فبراير 2024، لذلك يضطر المواطنون إلى تدبير شؤونهم بالاعتماد على القليل المتاح من هذه الخدمات، وسط مناطق تنتشر فيها قوات الدعم السريع الشهيرة بالبطش.

 تروي سوزان التي بقيت في منزلها في الخرطوم لعام ونصف، مع استمرار الحرب، قصة "حفرة الموية" في أحياء الديوم، بحيث اعتادت على تدبير شؤون عائلتها بجلب المياه في الصباح الباكر من هذا الموقع، أو الشراء من العربات التقليدية "الكارو".

تقع "حفرة الموية" أسفل عمارة في حي الديم، اكتشفها المواطنون عن طريق الصدفة، حيث شاهدوا المياه ترتفع من أسفل إلى أعلى من خطوط أنابيب قديمة للشبكة التي تقدم الخدمة، وفق سوزان. لا أحد يعرف مصدر المياه، لكنهم من يستفيدون من الخدمة المجانية، يقولون إنها تنساب عبر الشبكة القديمة التي تقع في العمق، الأمر الذي يساعد على انحدار المياه من منطقة إلى أخرى، حتى تصل إلى موقع "حفرة الموية".

تحول تقاطع باشدار في أحياء الديوم، والذي اشتهر بتوافد الشبان والفتيات لبداية حركة المواكب الاحتجاجية نحو القصر الرئاسي في قلب الخرطوم، قبيل اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، إلى سوق يرتاده المدنيون لشراء الخضروات والخبز، وتبادل المحافظ الإلكترونية مقابل النقود، بخصم يصل إلى 30%. أي بيع مائة ألف جنيه مودعة في المحفظة الإلكترونية بقيمة 70 ألف جنيه. ويضطر المواطنون لذلك، لأن هناك أزمة سيولة نقدية في الخرطوم، وأصبح السوق الموازي ينمو بقوة، مستغلًا غياب البنوك وقلة حركة الأموال المتداولة.

أما في محل تقديم خدمات الإنترنت عبر "ستارلينك"، فيقف المواطنون في بعض الأحيان في الطابور لتصفح الإنترنت مقابل ثلاثة آلاف جنيه للساعة الواحدة، ويتواصلون خلالها مع العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء، أو مجرد معرفة أخبار المعارك، وعما إذا كانت الحرب قد اقتربت على النهاية.

يتجنب مرتادو محلات الإنترنت الفضائي الخوض في أخبار المعارك العسكرية أو أخبار قوات الدعم السريع، لأن جنود حميدتي ينتشرون قرب المحال التجارية، وأغلبهم يعمل في هذا السوق بشكل أو بآخر، حتى بيع السيولة النقدية يتم تحت إشرافهم وتغذية الأسواق العاملة بالأوراق النقدية.

أزمة السيولة النقدية تعود إلى توقف البنوك في الخرطوم منذ عام ونصف، وعدم وجود حركة مصرفية منظمة لضخها في الأسواق، إلى جانب عدم وجود معايير بشأن الاقتصاد في مناطق سيطرة الدعم السريع، التي تعثرت في إنشاء سلطة سياسية واقتصادية.

من شوارع كانت تضج بحركة السيارات والمواطنين، إلى منطقة بالكاد يصل إليها المئات خلال اليوم لشراء الضروريات والاحتياجات، هكذا بدت مناطق الديوم والصحافة بعد (18) شهرًا من الحرب، وسيطرة قوات الدعم السريع على غالبية مساحة مدينة الخرطوم.

يمتد الشارع الرئيسي من الصحافة قرب الميناء حتى عتبة القصر الرئاسي، وتسيطر قوات الدعم السريع على هذه المسافة بالكامل، بحيث تنتشر فيها مع تقدم طفيف للجيش من ناحية القيادة العامة.

المحلات المزدهرة والمخابز والشركات والعيادات العلاجية، توقفت عن العمل منذ الأسبوع الأول للقتال منتصف نيسان/أبريل 2023، ولا توجد آمال في عودتها قريبًا مع انتشار قوات حميدتي، حيث يشك المدنيون في نواياها طيلة الوقت، ولا يمكن الحصول على ضمانات بعدم تعرضها للمواطنين. تقول سوزان، وهي تعبر عن حزنها لتوقف الحياة في الخرطوم، المدينة التي ترعرعت فيها منذ طفولتها.

تعكس روايات سوزان تحول حياتها في مدينة كان السخط الشعبي يتصاعد فيها عند انقطاع الكهرباء، واليوم تذهب إلى سوق صغير لشراء بضعة شموع للحصول على الإنارة في الظلام مع انعدام الكهرباء، والمطالبة بها نوع من الترف في هذا الوقت

المرة الأولى التي شاهد فيها سكان هذه الأحياء توقف حركة الشارع كانت صباح الثالث من حزيران/يونيو 2019، حينما انتشرت قوات الدعم السريع بالتزامن مع فض اعتصام القيادة العامة، الذي أدى إلى مقتل مئات المتظاهرين السلميين. شكل حميدتي تحالفًا مع قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في ذلك، قبل أن يتحولا إلى خصمين لدودين منذ عام ونصف.

تقول سوزان: "في ذلك اليوم شعرنا بالرعب مع انتشار قوات الدعم السريع وعناصرها المدججة بالسلاح تضرب المواطنين بالسياط، وتطلق الرصاص على المارة في الشارع في وقت مبكر من الصباح. لم نكن نعتقد أن ما حدث كان مقدمة للحرب التي أفرغت العاصمة من الحياة".

تعكس روايات سوزان تحول حياتها في مدينة كان السخط الشعبي يتصاعد فيها عند انقطاع الكهرباء، واليوم تذهب إلى سوق صغير لشراء بضعة شموع للحصول على الإنارة في الظلام مع انعدام الكهرباء، والمطالبة بها نوع من الترف في هذا الوقت. "نحن عندما نحصل على مياه الشرب لا نتمنى أكثر من ذلك"، تضيف هذه الفتاة.