29-يوليو-2024
أطفال سودانيون

أكثر من نصف النازحين في السودان هم من الأطفال

في ظل احتدام المعارك في السودان بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وبعد فشل عدة محاولات محلية ودولية لإيقاف الحرب في البلاد، يلوح في الأفق بريق أمل من المعلمين السودانيين الذين أطلقوا حملة كبرى، السبت المنصرم، لإيقاف الصراع الدامي في البلاد ووضع حد لمعاناة السودانيين.

المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، لـ"الترا سودان": تهدف الحملة إلى تجميع أكبر قدر من الرافضين للحرب، للضغط على طرفي النزاع لإيقافها

وتهدف الحملة إلى إبراز صوت المعلمين الرافض للحرب والمطالب بالسلام. واعتبر بيان لجنة المعلمين السودانيين، الذي اطلع عليه "الترا سودان"، أن قطاع التعليم من أكثر القطاعات تأثرًا بهذه الحرب، وأن المعلمين هم الأقدر والأجدر لقيادة حراك الشعب الرافض للحرب في السودان.

وبحسب البيان، فإن الحملة انطلقت السبت 27 تموز/يوليو 2024، وتستمر حتى تحقيق الغاية، وفقًا لفعاليات متعددة ومتنوعة. ودعا البيان للمشاركة في الحملة الساعية لإيقاف الحرب في السودان.

الخطوة المقبلة

أكد المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، انطلاق حملة المعلمين الكبرى لوقف الحرب في السودان، تحت شعار "المعلمون دعاة سلام وبناة حضارة". وأضاف أن الحملة وجدت تجاوبًا واسعًا من كل قطاعات الشعب السوداني: "أحزاب سياسية، نقابات، كيانات مهنية، منظمات مجتمع مدني، وشخصيات وطنية".

وقال الباقر في حديثه مع "الترا سودان" إن الحملة تهدف إلى تجميع أكبر قدر من الرافضين للحرب في جانب واحد، للضغط على طرفي النزاع لإيقافها، وتوصيل صوت الشعب السوداني للمجتمعين الدولي والإقليمي لحثهم على اتخاذ موقف أكثر جدية في سبيل وقف الحرب. وأوضح أن الحملة ستستمر في برنامج الحشد الإعلامي، ثم الانتقال إلى مرحلة الفعاليات العملية للحملة من تشبيك، ومذكرات، وفعاليات على الأرض.

وأشار المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين إلى أن اللجنة ستعقد مؤتمرًا صحفيًا خلال الأسبوع الجاري لتوضيح ملامح الحملة، مضيفًا أن الخطوة المقبلة هي تجميع الرافضين للحرب والضغط على الأطراف لترك المماطلة والتسويف لإيقاف الحرب.

جسم غير سياسي

وتواجه لجنة المعلمين اتهامات بالعمل السياسي فوق العمل المطلبي، لا سيما في ظل الأوضاع الصعبة التي يواجهها المعلمون الذين توقفت مرتباتهم منذ حتى ما قبل الحرب. عطلت الحرب العملية التعليمية في البلاد، وشردت المعلمين الذين من بقي منهم داخل البلاد صار يبحث عن عمل بديل يسد به رمقه.

المعلم في مدرسة أبو بكر الصديق بمدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض، سامي أبو زيد، أكد أن اللجنة ظلت تناضل وتكافح من أجل حقوق المعلمين، بما في ذلك مجانية التعليم وجودته. وأشار إلى أن اللجنة كانت صاحبة المبادرة الأولى لتوحيد الأجسام المهنية في جسم واحد، مما أدى إلى تسمية "تجمع المهنيين السودانيين"، مؤكدًا أن هذا التجمع غير مسيّس وجميع مطالبه تتعلق بإطار عمل التعليم.

معلم: حملة المعلمين لوقف الحرب أمر مهم وقد لاقت قبولًا ورواجًا كبيرًا وسط السياسيين والمعلمين والمواطنين

وقال أبو زيد في حديثه مع "الترا سودان" إن اللجنة ليست جسمًا سياسيًا، وأن حملة المعلمين لوقف الحرب أمر مهم وقد لاقت قبولًا ورواجًا كبيرًا وسط السياسيين والمعلمين والمواطنين، لافتًا إلى أن الحرب أثرت على جميع القطاعات، لكن التأثير الأكبر كان على قطاع التعليم، مما أدى إلى تأخير الطلاب سواء كانوا نازحين أو غير نازحين.

وكانت السلطات في الولايات الآمنة قد بدأت استئناف الدراسة تدريجيًا ابتداءً بالمدارس الثانوية. واجه هذا الاتجاه انتقادات لجهة أن الطلاب النازحين سيفقدون فرصتهم في التعليم، كما أن بعض المدارس تستخدم كمراكز إيواء للنازحين، فشرعت بعض الولايات في إهلاء هؤلاء المواطنين بالقوة، وترحيلهم إلى مراكز جديدة تفتقر للخدمات المتوفرة في المدارس من مياه جارية وكهرباء.

المعلم أبو زيد قال لـ"الترا سودان" إن عملية فتح المدارس في بعض الولايات دون غيرها لها تأثير ومخاطر كبيرة، مطالبًا بحل هذه المشكلة جذريًا، ويرى أن الحل يكمن في إيقاف الحرب لكي يستعيد التعليم وضعه الطبيعي ويسير في مساره الصحيح.

لجنة سياسية

الخبير التربوي عوض خليفة، صاحب مدارس عوض الدنقلاوي بولاية الخرطوم، انتقدت اتجاه لجنة المعلمين للعمل السياسي. وقال في حديثه مع "الترا سودان" إن لجنة المعلمين اتجهت إلى العمل السياسي بالكامل منذ إضراب المعلمين في 2022، حيث كانت مسيطرة على المشهد منذ ذلك الوقت. وأضاف أن المعلم يجب أن يكون شخصًا مهنياً، وأن أي تدخل سياسي في التعليم يفسد العملية التعليمية.

واتهم خليفة في حديثه مع "الترا سودان" عضو اللجنة الأستاذ أحمد ربيع بأنه دخل السياسة وأصبح مدير مستشفى المعلم، وكان سابقاً أستاذ فيزياء في مدارس خالد بن الوليد في حاج يوسف. وانتقد منصبه كمدير للمستشفى، مشيرًا إلى أنه ليس له علاقة بالطب وخبرته في الإدارة ضعيفة، متهمًا قادة لجنة المعلمين السودانيين بأنهم أصبحوا يبحثون عن المناصب السياسية.

وواجه أحمد ربيع انتقادات واسعة أثناء نشاطه السياسي ممثلًا للجنة المعلمين السودانيين، لا سيما أثناء التوقيع على الاتفاق السياسي بين المكون العسكري والقوى المدنية في العام 2019. كما أدار أحمد ربيع مستشفى المعلم ضمن محاصصات لم يُلعن عنها وقتها وأثارت الجدل وسط المتابعين.

خبير تربوي: قادة لجنة المعلمين السودانيين أصبحوا أسوأ وأشرس من حزب المؤتمر الوطني المحلول

وقال الخبير التربوي عوض الخليفة إن قادة لجنة المعلمين السودانيين أصبحوا أسوأ وأشرس من حزب المؤتمر الوطني المحلول، وأن التعليم حاليًا يتسم بالشِلَلِيَّات. وأكد أن ثورة ديسمبر التي كانت ترفع شعار "لا تعليم في وضع أليم" كانت ثورة مصالح، وأن التعليم أصبح أسوأ بوجودهم، مضيفاً أن لجنة المعلمين ليست شرعية ولا تمثل المعلمين.

وقال الخليفة إن الحرب حين اندلعت نزح معظم الناس إلى الولايات، وأن شريحة ضعيفة فقط دخلت المدارس، ولم تكن لديهم القدرة على استئجار المنازل نسبةً للجشع وطمع تجار الأزمات، فاضطروا للسكن في المدارس.

وأضاف أن استمرار الحرب زاد من معاناة المواطنين والنازحين، خاصةً الذين يواجهون الظلم في الولايات وابتزاز أصحاب العقارات. ولفت إلى أن سعر إيجار المنزل في دنقلا وصل إلى مليار جنيه، وبعض المنازل إلى (800) ألف جنيه سوداني، لذلك لجأ النازحون إلى المدارس. فيما وصل سعر إيجار الغرفة الواحدة في الشهر إلى (600) ألف جنيه سوداني.

وأشار إلى وجود تنمر على الطلاب النازحين في المدارس من قبل زملائهم، وأعرب عن أسفه لأنهم ضحايا، وأن المعلمين لم يستطيعوا التعامل مع الطلاب النازحين بصورة تربوية وعلمية، وفرضوا عليهم الرسوم، مما أدى إلى ظلم كبير على الطلاب الوافدين.

أما مدير مدرسة الموهبة والتميز الثانوية بولاية القضارف، عبد الله محمد، فيقول إن المناداة بوقف الحرب عمل إنساني في المقام الأول نظرًا لأوضاع المواطنين السيئة. واعتبر أن ما تقوم به اللجنة هو من صميم العمل النقابي المهني، لأن حقوق المعلمين تضيع مع الحرب، فمثلًا لم تُصرف المرتبات لمدة عام بسبب الحرب، ولا يستطيع المعلم المطالبة حتى لا يُوصف بالخيانة.

مدير مدرسة الموهبة والتميز الثانوية بولاية القضارف لـ"الترا سودان": الحملة فرض عين على كل سوداني حتى لإنقاذ ما تبقى من وطن ومواطنين

ويرى محمد في حديثه مع "الترا سودان" أن الحملة فرض عين على كل سوداني لإنقاذ ما تبقى من وطن ومواطنين. لافتًا إلى أن المدارس أصبحت دورًا للإيواء نظرًا للأوضاع الإنسانية الخطرة، وحياة الإنسان مقدمة على التعليم وحتى على الصلاة إن لزم الأمر أن يحتمي الإنسان بالمسجد من الحرب، لذلك يحتاج الأمر إلى تخطيط يراعي هذا عند إعلان فتح المدارس.

وعن تأخير التعليم والظلم الواقع على الطلاب النازحين، يعتقد مدير مدرسة الموهبة والتميز الثانوية بولاية القضارف أن التعليم هو اللبنة الأساسية في بناء الدول، والتفريط فيه خطر عظيم، لذلك لا بد من الإسراع في العودة إلى التعليم. لافتًا إلى أن الظلم الواقع على الأطفال النازحين يمكن تلافيه بالتخطيط السليم وإدراجهم.

معاناة مركبة

يعاني قطاع التعليم بشكل كبير من الحرب الدائرة في البلاد بطرق متعددة. تدمير البنية التحتية للمدارس والمرافق التعليمية يعطل العملية التعليمية بشكل كبير، كما أن النزوح الجماعي للمعلمين والطلاب يؤدي إلى نقص الكوادر التعليمية وتشتت الطلاب، مما يؤثر سلبًا على استمرارية التعليم وجودته.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي انقطاع الرواتب في ظل الفوضى وعدم الاستقرار إلى زيادة صعوبة معيشة المعلمين وتقليل حافزهم للعمل. كما أن تحويل المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين يعطل العملية التعليمية ويحول دون استئنافها بسهولة.

نقص الموارد التعليمية بسبب صعوبة الوصول إلى المدارس وتوقف الدعم الحكومي أو الدولي يؤدي إلى نقص حاد في الكتب الدراسية والأدوات التعليمية

ونقص الموارد التعليمية بسبب صعوبة الوصول إلى المدارس وتوقف الدعم الحكومي أو الدولي يؤدي إلى نقص حاد في الكتب الدراسية والأدوات التعليمية، بينما تؤثر التبعات النفسية للحرب سلبًا على الصحة النفسية للطلاب والمعلمين، مما ينعكس على تحصيلهم الأكاديمي وسلوكهم داخل المدرسة.

كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تدهور كبير في قطاع التعليم، مما يؤثر على جيل كامل من الأطفال والشباب ويضع مستقبلهم في خطر. تحتاج البلاد إلى جهود مكثفة لإعادة بناء النظام التعليمي وضمان استمراريته وسط هذه الظروف الصعبة.