09-أكتوبر-2024
حركات مسلحة في دارفور

تلعب الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش دورًا محوريًا في المعارك الجارية في إقليم دارفور

انفراج نسبي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، اليوم الأربعاء 9 تشرين الأول/أكتوبر 2024، عقب وصول قوافل تجارية إلى قلب المدينة على خلفية المعارك التي دارت بين القوات المسلحة بالتحالف مع القوات المشتركة ضد قوات الدعم السريع، وفتح مسارات آمنة مكنت الشاحنات من بلوغ هذه المدينة التي تعرضت إلى حصار غير مسبوق منذ مطلع نيسان/أبريل الماضي.

ثلاث مناطق تمر عبرها القوافل التجارية نحو الفاشر، سيطرت عليها القوات المسلحة والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح

ساعد وصول الشاحنات إلى قلب المدينة التي غرقت في فوضى مطولة جراء المعارك الحربية والمواجهات المسلحة بين الجيش و"المشتركة" والمتطوعين من جهة، ضد قوات الدعم السريع من جهة، في حصول المواطنين على السلع الاستهلاكية بأسعار منخفضة بعض الشيء عن الشهور الماضية، وفقًا لما تقول حواء التي تتابع الأوضاع الإنسانية وتعمل مع غرف الطوارئ.

انخفاض الأسعار

القوات المشتركة هي تحالف للحركات المسلحة التي وقعت اتفاقًا مع الحكومة الانتقالية التي قادها المدنيون في العام 2020 في عاصمة جنوب السودان، جوبا. بموجب هذا الاتفاق حصل قادتها على قسمة السلطة، وخلال الحرب قررت التحالف مع الجيش لقتال الدعم السريع عقب إعلانها الحياد في الشهرين الأولين للحرب.

ارتفعت الأسعار خلال الشهور الماضية في الفاشر على نحو غير مسبوق، وقفز سعر جوال السكر، على سبيل المثال، إلى (330) ألف جنيه. كما ارتفع كيس الدقيق زنة (25) كيلوغرامًا إلى (85) ألف جنيه. تزامن الغلاء مع شح السيولة النقدية، وتبادل بعض المواطنين النقود مقابل التحويل الإلكتروني المالي بنسبة وصلت إلى خصم (40%).

تقول حواء في حديث لـ"الترا سودان" إن العمل في السوق الرئيسي بمدينة الفاشر تأثر بالاشتباكات وسقوط القذائف الصاروخية التي تطلقها في الغالب قوات الدعم السريع. ومع ذلك، قاوم المواطنون الوضع المعيشي القاسي لشهور طويلة وصمدوا داخل المدينة، ولا زالوا يأملون في انخفاض الأسعار، ونشاط الأسواق، وتحسن حركة المواصلات.

ناشطة: "وصلت عشرات الشاحنات التجارية الساعات الماضية، والناس يشعرون بالارتياح

أضافت هذه المتطوعة: "وصلت عشرات الشاحنات التجارية الساعات الماضية، والناس يشعرون بالارتياح. الأسعار انخفضت، مثلًا كيلو السكر انخفض من (3500) جنيه إلى (1800) في بعض الأحياء في الفاشر".

وتعبر حواء عن دهشتها من فشل المجتمع الدولي في إدخال المساعدات الإنسانية بانتظام إلى الفاشر من خلال إجراءات فعالة على الأرض بدلًا من إطلاق المناشدات، لأن الوضع الإنساني وصل في بعض الأحيان إلى مراحل خطرة جدًا، وفقد بعض الناس حياتهم بسبب الجوع وفقدان الرعاية الصحية.

في الفاشر، ومع اشتداد القصف المدفعي من قبل قوات الدعم السريع الأسابيع الماضية، أطلق مواطنون على أصوات المدافع اسم التطبيق البنكي "بنكك"، كلما تنامت إلى مسامعهم يرددون بالعامية السودانية "بنكك اشتغل"، في إشارة إلى بداية أصوات المدافع.

وترى حواء أن إغلاق الطرق وحصار قوات الدعم السريع على المدينة خلال الشهور الماضية، إلى جانب قلة المعروض من السلع الأساسية، أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية.

تحتفظ المجتمعات في مدينة الفاشر منذ حقب طويلة بالمزارات التاريخية، من بينها قصر السلطان علي دينار، الزعيم الديني والأهلي في إقليم دارفور، والذي اشتهر بإرسال الكسوة إلى الكعبة الشريفة في الأراضي المقدسة. تأثرت هذه المواقع، التي تعد من المناطق السياحية واستقبلت الآلاف من السودانيين والأجانب خلال السنوات الماضية، بالعمليات العسكرية وطالها الإهمال. وفي بعض الأحيان كان من الصعب توفير الحماية لهذه المزارات، وفق شهادات المواطنين.

فتح مسارات بالقوة العسكرية

لماذا وصلت القوافل التجارية بطريقة مرنة إلى الفاشر؟ يجيب الباحث في شؤون إقليم دارفور عيسى دفع الله على هذا السؤال بالقول: "تمكنت القوات المسلحة والمشتركة والمتطوعون من فتح المسارات بالقوة العسكرية في منطقة بئر مزة وجديد السيل".

وأضاف: "سيطرت القوات المسلحة والمشتركة على بوابة مليط، وكل هذه المناطق تعتبر المسارات الرئيسية لوصول الشاحنات إلى الفاشر من الدبة بالولاية ودولة ليبيا عبر الصحراء".

باحث: القوات المسلحة و"المشتركة" والمتطوعون خاضوا معارك كسر العظام لفتح المسارات التي أغلقتها قوات الدعم السريع طوال الشهور الماضية

يرى دفع الله في حديث لـ"الترا سودان" أن القوات المسلحة و"المشتركة" والمتطوعين خاضوا معارك كسر العظام لفتح المسارات التي أغلقتها قوات الدعم السريع طوال الشهور الماضية، التي استخفت بنداءات ودعوات مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة.

دفع الحصار العسكري الذي فرضته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، والتي تؤوي نحو مليوني شخص، مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلستين خلال أيار/مايو وآب/أغسطس الماضيين، وشدد خلالهما على أهمية إنهاء الحصار العسكري على الفاشر بواسطة قوات الدعم السريع.

يقول عيسى دفع الله إن المعارك الضارية التي خاضتها القوات المسلحة خلال الأيام الماضية في صحراء شمال دارفور مكنت الشاحنات من الحصول على طرق آمنة، لأنها طيلة الشهور الماضية كانت تتعرض للاحتجاز أو النهب، ما أدى إلى توقف الحركة نهائيًا في بعض الفترات.

وقالت القوات المشتركة إنها، إلى جانب القوات المسلحة، أبطلت نحو (140) هجمة مسلحة نفذتها قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر خلال الفترة الماضية، واشتدت وتيرة الهجمات التي شنتها قوات حميدتي خلال أيلول/سبتمبر الشهر الماضي.

مصير الفاشر

تعتبر مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث وسعت القوات المسلحة نفوذها في المنطقة خلال الأسبوع الماضي بالتحالف مع القوات المشتركة. وتراجعت آمال قوات الدعم السريع في السيطرة على المدينة ووضع كامل تراب الإقليم تحت إدارتها العسكرية والسياسية.

يقول المتخصص في شؤون إقليم دارفور ضرار آدم ضرار لـ"الترا سودان" إن قوات الدعم السريع عجزت تمامًا عن إسقاط مدينة الفاشر وتشعر بالإحباط من فشل عشرات الهجمات العسكرية العنيفة.

متخصص في شؤون إقليم دارفور: قوات الدعم السريع تحولت من خانة الهجوم إلى خانة الدفاع

وأضاف: "المعارك التي دارت بين القوات المشتركة والقوات المسلحة والمتطوعين ضد قوات الدعم السريع في مناطق بئر مزة ومدو والصياح حطمت قوات النخبة التي تعتمد عليها قوات حميدتي، والتي من هناك اعتادت على التوجه نحو الفاشر".

ويرى ضرار آدم ضرار أن قوات الدعم السريع تحولت من خانة الهجوم إلى خانة الدفاع، والخوف من فقدان مدينة الجنينة ناهيك عن الفاشر. والنتيجة الحتمية لهجماتها المتواصلة في شمال دارفور وعاصمتها الرئيسية، هي نقل المعارك مرة أخرى لأول مرة منذ اندلاع الحرب إلى الجنينة.

وكانت قوات الدعم السريع قد عززت انتشارها العسكري وحركة الإمداد داخل مدينة الجنينة عقب توسع المعارك بين القوات المسلحة والقوات المشتركة والمتطوعين إلى ولاية غرب دارفور.

ذكر شهود عيان لـ"الترا سودان" أن قوات الدعم السريع وضعت مدافع ثقيلة في شوارع مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، ونشرت القناصات على الأسطح مع اقتراب المعارك من هذه المدينة، حيث تحاول القوات المسلحة و"المشتركة" استردادها، ومن بين الإجراءات التي اتخذتها تعيين حاكم جديد للولاية قبل أسبوعين.