منزل مشيد بالطوب الأحمر بحي طرفي في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، بالكاد تغطي أسقفه سطح المنزل وتظهر بعض التشققات على السقف والجدران، ومع ذلك فإن إيجاره الشهري يبلغ نحو مليون جنيه سوداني – أي ما يعادل (900) دولار أمريكي.
يشعر الفاعلون السياسيون بأن العالم نسي السودان وبأن هذا البلد قد يتحول جراء الحرب إلى سور شاهق خلفه فوضى عارمة
تبدو آمال النازحين الذين فروا من الحرب في العاصمة الخرطوم إلى "ود مدني" بالجزيرة – تبدو محطمة أمام تجربة مريرة من سداد الإيجارات الباهظة لمساكن عادية إلى جانب شراء مواد البقالة لطهي الطعام، فالثقافة الاجتماعية السائدة هنا لا تفضل الاعتماد على المعونات الإنسانية ولا تنتظرها.
متى ستتوقف الحرب؟ سؤال يطرحه مروان (25 عامًا) وهو تخرج حديثًا في الجامعة، قبيل اندلاع الحرب بأشهر قليلة، ومع ذلك فهو يائس من الحصول على الإجابة عن سؤاله؛ فالشواهد لا تدل على نهاية قريبة للقتال – بحسبه.
ما الذي سيجعله سعيدًا كل يوم؟ سؤال آخر ظل يطرحه هذا الشاب على نفسه يوميًا، ولتبديد الملل يلعب كرة القدم أحيانًا أو يذهب إلى السوق الرئيس لشرب القهوة على المقاعد المنتشرة في الطرقات وفقًا لإفادته لـ"الترا سودان".
عندما وصل مروان إلى هذه المدينة قبل خمسة أشهر، وبعد أن عاصر الحرب في الخرطوم نحو شهر، كان يدري أن منطقة نزوحه ربما توفر له الأمان من الرصاص والقذائف الصاروخية وأصناف أخرى من الأسلحة تظهر بين الحين والآخر، حسب ما يقول. وتابع: "بالطبع لا يمكن أن أتوجه إلى مصر من دون رؤية واضحة"، متسائلًا عن كيف سيحصل على دخل شهري ثابت ومنتظم يسدد به إيجار الشقة ويؤمن به معيشته، وربما بناء طموح جديد في الدراسة في مجال آخر.
ومصر البلد المجاور للسودان يفضلها السودانيون لسهولة الانتقال عبر الطريق البري شمالي البلاد، ومع ذلك وضعت القاهرة قيودًا كبيرة على تأشيرات دخول السودانيين إلى أراضيها منذ منتصف حزيران/يونيو الماضي.
غالب النازحين مثل هذا الشاب يعيشون في المدن التي نزح إليها الملايين من المناطق المتأثرة بالحرب ولا سيما العاصمة الخرطوم. وتشير التقديرات إلى أن (69%) من النازحين –البالغ عددهم (5.25) ملايين شخص– من الخرطوم.
لقد تجمد سوق العمل في السودان في الأعوام الأخيرة، ولم يعد لملايين الشبان والفتيات من أولئك الذين درسوا الجامعات أمل في الحصول على عمل بسهولة، كما أن العمل في القطاع العام وفق الرواتب الحالية لم يعد ذا جدوى اقتصادية.
تنمو الأسواق الصغيرة في المدن السودانية متحديةً ظروفًا اقتصاديةً قاهرة لتأمين الحياة لملايين الأسر التي غادرت منازلها في العاصمة الخرطوم والمناطق الملتهبة جراء الحرب في السودان.
والحرب الدائرة في السودان والتي تشق طريقها بعنف شديد لا يهدأ يومًا نحو شهرها السابع – انعكست آثارها على المجتمعات في السودان، فمن بين العائلة الواحدة تجد بعض أفرادها يقيمون في دولة أخرى، فيما بقي آخرون من العائلة داخل البلاد في انتظار المغادرة أو "خيط أمل" في انتهاء الحرب.
تبدو الأدوات الدولية للضغط على الطرفين لوقف الحرب غير فعالة في نظر الكثير من المراقبين والفاعلين في الشأن السياسي السوداني، ويرون أن معاناة أغلب سكان البلاد لم تعد تلفت أنظار العالم إلى هذه المأساة.
وفي وقت كان فيه ملايين السودانيين يتوقون لبناء ديمقراطية في بلدهم قبل ثلاثة أعوام، فإن نصفهم غادر منزله تحت وابل من نيران المدافع، بينما اليوم ترتفع المخاوف من "اختفاء الخرطوم" بسبب الدمار.
يقول الأمين (40 عامًا) وهو يقيم في مدينة بشمالي السودان نزح إليها خلال الحرب: "في حقيقة الأمر لم يعد هناك خيار سوى الحرب. لقد صم جميع الفاعلين العسكريين والسياسيين آذانهم عندما طلب منهم الحوار الشامل والجدي. كان بالإمكان تفادي الحرب وبناء ديمقراطية متدرجة بدلًا من حرب تهدد السودان بأكمله اليوم".
ويضيف الأمين في حديثه إلى "الترا سودان": "عندما يأتي الصباح لا نفعل شيئًا سوى تذكر الأيام الأخيرة قبل الحرب، عندما كنا نعيش معًا في منازلنا في الخرطوم. نحن اليوم ضيوف على أقربائنا في الولايات، ولا ندري هل تطول الضيافة لأكثر من نصف عام". وأردف: "نخشى أن ينسى العالم السودان ويتحول إلى بلد للفوضى بتدخل الدول في الإقليم والجوار، بل نخشى أن تصادر أجزاء من أراضينا بأطماعها المستمرة منذ سنوات. لذلك يجب أن تتوقف الحرب".