10-يوليو-2024
حميدتي قائد الدعم السريع

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"

راج مؤخراً عبر تسريبات صحفية متطابقة أن ثمة تسوية بين الدعم السريع والإسلاميين تنضج على نار هادئة في مكان ما. ولم تتكشف طبيعة الأجندة المبحوثة على منضدة الحوار. أهي على وقف الحرب القائمة، في جزء منها ضد الإسلاميين أنفسهم خطاباً أو مخاضاً حقيقياً، أم على تخفيف حدة العداء بين الطرفين، أم على مجمل ما أحدثته الحرب من دمار في البنية الإنسانية والعمرانية؟ وذلك في ظل توسع نطاق المواجهات على مساحات واسعة من الجغرافية الاجتماعية والحيوية للسودان، وزحف ضرامها من المركز إلى الأطراف وانعكاسها على محيط الجوار في إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، وتهديدها لمقررات الأمن القومي في بلاد مهمة في الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر.

مع خفوت أصوات القذائف في المحاور الملتهبة في الجنوب الشرقي والشمال الغربي من البلاد، اشتعلت المواقع بتصريحات السفيرة سناء حمد، القيادية بالحركة الإسلامية، في مقابلة تلفزيونية حول عدم ممانعة تنظيمها من الحوار مع الدعم السريع

تصريحات سناء مرة أخرى

ومع خفوت أصوات القذائف في المحاور الملتهبة في الجنوب الشرقي والشمال الغربي من البلاد، اشتعلت المواقع بتصريحات السفيرة سناء حمد، القيادية بالحركة الإسلامية، في مقابلة تلفزيونية حول عدم ممانعة تنظيمها من الحوار مع الدعم السريع وفق مقتضيات النص القرآني: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم...). وبدا الرد استدراكاً عجولاً حين استنكرت في إجابتها الأولية مبدأ الدخول في تفاوض مع الدعم السريع، لكون أن الحركة – كما قالت – ليست ذات صفة رسمية تؤهلها للقيام بمهام التفاوض أو تخولها لإدارة ملف السلام، لجهة خروجها من أجهزة السلطة تماماً بموجب التغيير الذي تم. لتخضع لاحقاً، وتحت إلحاح المذيع، إلى تقديم الإجابة المرتجلة وغير المخطط لها والمفكر فيها، بأن الحركة مأمورة بموجب النص القرآني للجنوح إلى السلام حال موافقة حميدتي عليه. الأمر الذي فجّر نقاشاً فقهياً حول تكييف قتال الدعم السريع شرعياً، أهو تحت مظان قتال الفئة الباغية أم قتال البغاة الذين يسعون في الأرض فساداً؟!

تغريد عزت خارج السرب

وفي المقابل، انتشرت تغريدة منسوبة ليوسف عزت، المستشار السياسي لقائد الدعم السريع، على منصة إكس، أبدى خلالها استغرابه لغياب الحركة الإسلامية من مؤتمر القاهرة مع وجود واجهاتها التنظيمية كما قال. متهماً ما أسماه التنظيم المدني، الذي يملك أجنحة عسكرية واجتماعية، بأنه طرف أصيل في الحرب ويستدعي وجود واجهاته بالوكالة أن يمثّل نفسه بالأصالة. وإن صحت التغريدة المنسوبة لعزت، يمكن أن تقرأ في سياق نقده لأطراف من القوى المشاركة في مؤتمر القاهرة والتعريض بالقوى السياسية المتحالفة مع الجيش، أكثر من التقاط موافقة ضمنية لعزت في قبول الحوار مع الحركة الإسلامية التي دمغها بإشعال المعارك بحسب مزاعم رؤيته للحرب وروايته حول "من أطلق الرصاصة الأولى" وما جرى بعد ذلك في تأسيس مقاربة مغايرة ومتجاوزة لواقع التناقضات التي فجرت الموقف وقادته إلى لحظة الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م. فمن الواضح أن عزت يقف على رأس تيار لديه موقف جذري من الإسلاميين داخل الدعم السريع. وإن صح أن تحولاً طرأ على تفكيره من هذا الجانب، فإن الضرورة وحدها هي من أجبرته لاتخاذ الموقف الحالي والتحول من النقيض إلى النقيض.

بيان النفي ونفي البيان

وعلى النفي القاطع الذي بذله بيان منسوب للحركة الإسلامية وأكد أن تصريحات السفيرة سناء لا تعبر عن مواقف الحركة الإسلامية، أشار مصدر مأذون ومقرب من قيادة الإسلاميين أن موقف الحركة الإسلامية من الدعم السريع يُعد صفرياً، مؤكداً أن الحركة الإسلامية لم تتواصل على أي مستوى مع عناصر الدعم السريع بغرض الحوار. وأضاف ذات المصدر أن قرار الحركة الإسلامية الثابت هو الحوار مع فرقاء الساحة السياسية أياً كان موقفها من الحرب، وإجراء تفاهمات لصالح بقاء الدولة واستمرار سيادتها، وترك قضية التفاوض للتقديرات العسكرية وفق المنابر القائمة لحل النزاع، وحسب الاشتراطات الموضوعية المتعلقة بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية، والموافقة على إدماج الدعم السريع في الجيش بناءً على المعايير والتجارب والخبرات العالمية.

حاء الحزب في مقابل حاء الحركة

وبرغم ما أثير من جدل حول تصريحات السفيرة سناء حمد بخصوص الحوار مع الدعم السريع، أهو محض حديث مرتجل أملاه سياق المقابلة الإعلامية ويعبّر عن رأيها الشخصي كما أكّدت أكثر من مرة وكما شدد بيان الحركة الإسلامية على ذلك، أم هو موقف براغماتي ضروري للحفاظ على قوام الدولة وبقاء البلد، أم هو في أدنى مراتبه موقف يتسق مع مصالح منظومة الإسلاميين؟ فإن قيادات تاريخية منتمية إلى أطر الإسلاميين وتنظيماتهم خاضت في ذات المخاض، حيث نوّه الدكتور إبراهيم غندور، القيادي الإنقاذي الشهير، في مقابلة صحفية إسفيرية إلى ضرورة إعلاء صوت الحوار على صوت البنادق، معرباً عن موقفهم الثابت في المؤتمر الوطني بدعم الانتقال وممارسة معارضة ساندة وراشدة في آن. وهو نفس المنحى الذي أفاض حوله دكتور علي الحاج محمد، الأمين العام للمؤتمر الشعبي، في مقابلة إسفيرية لذات البرنامج، موضحاً أن مقررات الاتفاق الإطاري تصلح إطاراً للحوار بغرض إيقاف الحرب بشكل قاطع، وإنهاء المعاناة الإنسانية الهائلة والانتهاكات المريعة التي ظلت سمة رئيسة للحرب، عوض أن تغدو مجرد أثرًا جانبياً لها. وشدد علي الحاج في ذات المقابلة على رفضه لما جرى من احتلال لمنازل المواطنين وسلب ممتلكاتهم وأصولهم وإجبارهم على النزوح والتشرد واللجوء. أغرب ما في الأمر هو التقاء الحزب الوطني المحلول والشعبي في شقه المؤيد لتدابير الإطاري على الموقف من الحرب، انطلاقاً من زوايا نظر مختلفة. فبينما ذهب الوطني إلى تغليب أوجه الحوار وفق نهجه المعلن في المعارضة المساندة، وتمرير مشروع الانتقال ومنافسة الكيان الخاص للحركة الإسلامية في القيام بالوظائف السياسية والتصدي للشأن العام وترك الحيز الدعوي للحركة والفصل بين ما هو سياسي وما هو دعوي بصورة واضحة، ذهب المؤتمر الشعبي إلى إعادة تموضعه ضمن قوى الانتقال بعد أن أقعدته مشاركته للإنقاذ حتى آخر لحظة في تصنيفه ضمن قوى الثورة، واستخدامه من رفقاء المعارضة كترميز تضليلي لتمثيل الإسلاميين والمزايدة على جموع الإسلاميين بأن ثمة إسلاميين معتدلين مع إيقاف الحرب وإقرار مشروع التسوية.

سناء جمد غندور أحمد
إبراهيم غندور وسناء حمد

القضاء على الإسلاميين

يقول عبد الماجد عبد الحميد، رئيس تحرير صحيفة مصادر السودانية، إن قضية حوار الإسلاميين مع الدعم السريع انتقلت عبر بعض الصفحات في منصات التواصل الاجتماعي، ثم إلى أحاديث تُعرض في القنوات الإعلامية، ثم إلى قضية رئيسة في الفضاء العمومي الافتراضي لتغدو (Trend) وحدثاً شاغلاً للـ(Timeline). وحتى لا نؤخذ عن حقيقة الخبر بما يترآءى من أعراضه ويخفى من أغراضه، يؤكد عبد الماجد أن للإسلاميين قناعة عالية بالتواصل والتواصي بالحق، وهم من أكثر التيارات السياسية والاجتماعية قبولاً بالآخر وإقبالاً على الحوار، وأكثر من أجرى حوارات مع المخالف السياسي ومفاوضات مع المقاتل الحربي، فضلاً عن انخراط تنظيمات الإسلاميين الدائم في الحوار الذاتي مع فصائلهم. مقرراً على نحو قطعي أن رهان الحرب الراهنة صُمم بالأساس للقضاء على الإسلاميين كقوة اجتماعية حية، وإقصائهم من المشهد السياسي بصورة كلية حتى تُستكمل خطوات الهيمنة على السودان ويُمسك بمفاصل قيادته. معتبراً أن الحرب لم تنشأ من فراغ، وإنما تركبت على بيئة العداء الصاعق للإسلاميين في أعقاب اندلاع الثورة في كانون الأول/ديسمبر 2018م وما تلتها من إجراءات إقصائية وإطاحية قاسية بحق الكوادر والقيادات والمؤسسات المنتسبة للحالة الإسلامية. غير أن قيادة الإسلاميين، كما يقول عبد الماجد عبد الحميد، تعاملت بحس تاريخي وحكمة بالغة وصبر استراتيجي، فلم تقم بفعل مقاوم صريح، بيد أنها مضت إلى استخدام الأدوات السياسية المشروعة في التظاهر والتحالف ومراكمة رصيد الغضب من سياسات حكومة الشراكة، وإسقاط الثورة وهياكلها ومشروع بعثتها الأممية بقيادة فولكر بيرتس. لتأتي الحرب الحالية بوصفها البنية العنيفة في مشروع الاستئصال الذي ابتدأ مع الثورة "المصنوعة"، على حد قول عبد الحميد.

تثبيت أركان الدولة

ويذهب رئيس تحرير صحيفة مصادر إلى أن مخطط الانقلاب الذي قاده الدعم السريع كان يستهدف إعدام 500 من قيادات الإسلاميين إذا نجح مشروعهم، مؤكداً أن انخراط الإسلاميين في الحرب إلى جانب الجيش أتى بغرض تثبيت أركان الدولة ومناصرة القوات المسلحة قبل أن تنتقل من مربع الانقضاض على السلطة إلى حرب مباشرة ضد المواطن السوداني، مما أدى إلى انخراط كثير من العناصر الإسلاميين للدفاع عن الدولة والمجتمع والفرد بلا مقابل أو أجندة ظاهرة أو مضمرة. ويعتبر عبد الماجد أن من يظن أن مجرد حوار بين الإسلاميين والدعم السريع يمكن أن يوقف الحرب، فهو واهم، وإن كان من يعتنقه من كوادر الإسلاميين أو من أعدائهم، لأن الحرب الراهنة هي بين "العصابات العابرة للقارات" والشعب السوداني كله ممثلاً في جيشه وقواه الحية. مؤكداً أن طيفاً واسعاً ومتنوعاً ومتجاوزاً للإسلاميين شارك على نحو فعال في المقاومة ومناصرة الجيش على اختلاف مشاربهم العقدية والفكرية والحزبية والطبقية وقدموا بين يدي المعارك تضحيات جسام، وهم يمثلون بحسب عبد الماجد جماع الشعب السوداني. عليه، يرى عبد الحميد أن مقاربة حل الأزمة بعقد صفقة بين الإسلاميين والدعم السريع لن يوقف الحرب. مشيراً إلى أن مشاركة بعض السفراء وكبار الموظفين في الاتحاد الإفريقي، ممن انتسبوا إلى تنظيمات الإسلاميين، في حوارات البحث عن أفق استراتيجي لمجمل الإشكالات والاختلالات السياسية للسودان وليس لعقد صفقة بين الإسلاميين والدعم السريع.

لا رأي خارج أطر المؤسسة

وبيّن عبد الماجد أن ثمة فارق كبير بين العمل المؤسسي الذي يصدر عن هياكل الإسلاميين وأشواق منتسبيه وآرائهم الشخصية واعتقاداتهم وتأملاتهم الذاتية، وهي غير ملزمة لأحد. معرباً، من خلال مراقبته لما يجري عن كثب، عن يقينه التام بأن الحديث عن لقاءات سرية بين الحركة والدعم السريع لم تتم ولن تتم إلا في سياق قبول الشعب السوداني ومؤسسات دولته، وأهمها من حيث الصدارة المنظومة الأمنية التي تدير البلاد. معتبراً أن للإسلاميين تجربة سابقة في إدارة الحرب وخوض جولات السلام، واستطاعوا أن يديروها بمهارة وصلابة، بحسب تعبيره. منوهاً إلى ضرورة الامتثال إلى المؤسسات وعدم الالتفات للشائعات أو الآراء الشخصية والتهويمات النظرية. مشدداً على القواعد التنظيمية والفكرية التي تحكم العمل الإسلامي، وأهمها ضرورة الارتهان الإيجابي لآليات صنع القرار الشوري وأن لا رأي لفرد على مصلحة المؤسسة، أو كما قال.

نقد مزدوج

وفي نقد متجاوز ومزدوج لتنظيمات الإسلاميين وتنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية "تقدم"، يرى الفاعل الثوري أمين صديق أن كلا الإسلاميين وتقدم ينزعون إلى التفاوض مع القوى العسكرية ويمتنعون عن الحوار مع النقيض السياسي تحت حجج واهية لا تنهض على ساق. فمن جهة، ترى القيادية سناء حمد أن توفير القوى المدنية للغطاء السياسي لحرب الدعم السريع سبباً كافياً يمنعهم من الجلوس إليهم والتحاور معهم، فيما ترى القوى المدنية أنها لن تجلس إلى الإسلاميين لأنهم أشعلوا الحرب وحرضوا على الانقلاب على حكومة الانتقال، أو أنهم صنعوا الدعم السريع. ولا تجد في أنفسها حرجاً من الجلوس إلى الدعم السريع وإجراء تفاهمات معه وتوقيع وثيقة معه. ويتساءل أمين صديق: هل بمجرد جلوس الفرقاء السياسيين في تقدم ومجموعات الإسلاميين ستنتهي المشكلة؟ ليجيب: بالطبع لا! لأن جوهر رهان المشروعين هو التنافس على خدمة السلطة العسكرية بمقابل وامتيازات عن طريق السمسرة الإيجارية، وهي نمط متصالح مع الفساد والانتهاكات وغير مكترث للأمن القومي وليس لديه أفق تنموي ولا يرنو إلى العدالة. ولهذا يرى صديق أن النخبتين ليس لديهما مشكلة إن كانت السلطة العسكرية هي الجيش أو الدعم السريع أو على شراكة مضطربة كما جرى سابقاً.

يبدو أن التسريبات التي رشحت مؤخراً حول حوارات محتملة بين الدعم السريع والإسلاميين تبحث في اختبار الرأي وتهيئته لتقبل التقاء أقصى الأطراف جموحاً في مسرح العداء السياسي والعسكري، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً إذا أعلنت الفصائل المتقاتلة ترحيبها بالسلام ونبذها للسلاح

ويبدو أن التسريبات التي رشحت مؤخراً حول حوارات محتملة بين الدعم السريع والإسلاميين تبحث في اختبار الرأي وتهيئته لتقبل التقاء أقصى الأطراف جموحاً في مسرح العداء السياسي والعسكري، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً إذا أعلنت الفصائل المتقاتلة ترحيبها بالسلام ونبذها للسلاح، وهو الخيار الأقرب في توازن الضعف القائم والتكاليف الباهظة التي تنتظر استئناف القتال على نحو جذري، وهي تكلفة يدفعها الإنسان والعمران، وتقضي بانهدام قوائم المسرح على الفاعلين والنظّارة بذات القدر.